تختلف المسميات والهدف واحد

تتمحور أهداف الفرس والصليبيين حول عدائية العالم الإسلامي والمنطقة العربية والسيطرة على ثرواتها، وفي سبيل هذا الهدف حاولَا استغلال نفوذهما وقوتهما للسيطرة على الأمة، وإثارة المشاكل والنعرات الطائفية، وتجنيد ونشر خلايا عملاء تعمل لصالح الأجهزة الأمنية التابعة لكلتا الجهتين.

قصة الصفويين لم تبدأ عند الشاه إسماعيل الصفوي، بل بدأت قبل ذلك بأكثر من قرن من الزمان، وبالتحديد في عهد جده الخامس، الذي ينتسب إليه الصفويون، وهو الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي رأس طريقة صوفية في أردبيل -وأردبيل طبقًا لبعض المصادر- مدينة في إقليم أذربيجان يغلب على أهلها النزعة الباطنية.

وما لبثت طريقتهم أن انتشرت في أنحاء أردبيل كلها، ثم آسيا الصغرى حتى سوريا، وبعد أحداث مواجهات عسكرية تحوَّل الصفويون من شيوخ طريقة إلى دُعاة دولة لها أهدافها السياسية، وكانت الأوضاع في إيران بالربع الأخير من القرن العاشر الميلادي، حيث التمزق والفوضى والاقتتال على السلطة بين أبناء أسرة آق قويونلو فرصة مهمة استفاد منها الصفويون، واستغلوها لكسب المزيد من الأتباع في عهد الشاه إسماعيل الأول الصفوي، مؤسس الدولة الصفوية، التي ظهرت إلى الوجود في عام 1502م، واتخذت من تبريز عاصمة لها، وقد اعتمد الشاه إسماعيل على جندٍ متحمسٍ معظمه من المريدين، ومن قبائل القزلباش التركمانية البدوية ذوي العمائم الحمراء، وهنا ارتباط تاريخي في ظهورهم داخل آسيا الصغرى زمن العثمانيين!!!

وفي سنة 907هـ توَّج الشاه إسماعيل نفسه ملكًا على إيران بعد انتصاره على القبائل التركمانية الحاكمة, وما أن تم له ذلك حتى أعلن فرض المذهب الشيعي مذهبًا رسميًّا في مختلف أنحاء إيران دون مقدمات, وقد كان أكثر من ثلاثة أرباع إيران من السُّنة, وكل من عارض هذا الأمر لقي حتفه, فانقاد الناس له، ومن المفارقات العجيبة أن التحالفات مع القوى الصليبية سِمة مميزة للدولة الصفوية الرافضية التي ترى أن التقارب مع الصليبيين ومَن كانوا على غير ملة الإسلام أفضل من تقاربهم مع المسلمين من أهل السُّنة.

كانت الدولة الصفوية تحيك اتفاقيات مع دول أوروبا الصليبية للقضاء على قوة تواجد المسلمين – السُّنيين – وكان عهد الدولة الصفوية هو عهد إدخال قوى الاستعمار في منطقة الخليج، حيث مهَّدت له الطريق بعقد التحالفات العسكرية والتجارية مع البرتغاليين والهولنديين والإنجليز.

عُقدت اتفاقية بين الشاه إسماعيل الصفوي والبوكرك الحاكم البرتغالي في الهند، نصَّت على:

  •    تصاحب قوة بحرية برتغالية الصفويين في حملتهم على البحرين والقطيف.
  •    تتعاون البرتغال مع الدولة الصفوية في إخماد حركات التمرد في بلوخستان ومكران.
  •   تصرف حكومة إيران الصفوية النظر عن جزيرة هرمز، وتوافق أن يبقى حاكمها تابعًا للبرتغال.

وكان الشاه عباس تحالف مع قوة إنجليزية في الخليج، وشجَّع البرتغاليين والهولنديين على التجارة في بندر عباس، وذاك هو المنهج الذي نهجه الصفويون في تعاملهم مع دول السنة، منهج كيد وتآمر، ونتيجة حتمية أثَّر ذلك في كثير من مجريات الأحداث، واستفادت منه الدول الأوروبية أعظم استفادة.

   وفي الوقت الذي كان فيه حكام الصفوية فِظَاظ غِلاظ على أهل السُّنة، كانوا رقيقين ليِّنين مع الصليبيين، وأكد الكاتب والمؤرخ الشيعي عباس إقبال ذلك حيث يقول: “ولم يكن الشاه عباس فظًّا على غير أهل السنة من دون أتباع سائر المذهب؛ لذا فقد جلب أثناء غزواته لأرمينية والكرج نحو ثلاثين ألف أسرة من مسيحيي هذه الولايات على مازندران وأسكنهم بها، كما رحَّل إلى أصفهان خمسين ألف أسرة من أرامنة جلفاء وإيران، وبنى لهم مدينة جلفا على شاطئ نهر زاينده رود، وأنشأ لهم فيها الكنائس وشجَّعهم على التجارة مع الهند والبلاد الخارجية بأن أعطاهم الحرية الكاملة”.

ويذكر شاهين مكاريوس في كتابه “تاريخ إيران” أن الشاه عباس أصدر منشورًا إلى رعاياه يقول فيه: “إن النصارى أصدقاؤه وحلفاء بلاده، وأنه يأمر رعاياه باحترامهم وإكرامهم أينما حلّوا، وفتح الشاه موانئ بلاده لتجار الإفرنج، وأوصى ألا تؤخذ منهم رسوم على بضائعهم، وألا يتعرض أحد من الحكام أو الأهالي لهم بسوء …”، ويذكر مكاريوس أن الشاه إسماعيل كان أول من فعل تلك الأفاعيل مجاهرًا من سلاطين المسلمين، على حد وصفه وتعبيره.

وللتاريخ شواهد …