يهود الدونمة

هم طائفة عاشت في الدولة العثمانية، ولهم جذور تاريخية منذ القرن الرابع عشر الميلادي، وقد تظاهروا بالدخول في الدين الإسلامي، وتغلغلوا في أعماق الدولة، واستطاعوا أن يهيمنوا على المجتمع العثماني في مختلف أوجه الحياة.

وعلى الرغم من أن اليهود أنفسهم قد أنكروا وجود هذه الفئة وحقيقتها؛ نتيجة لاتخاذهم من التوراة مبادئ فلسفية منحرفة عن شريعتهم اليهودية، بالإضافة إلى تحليلهم المحرمات التي تضمنتها التوراة، فكيف بفئةٍ ينكر وجودها اليهود أنفسهم وتُقَرِّبُهُمُ الدولة العثمانية.

والدونمة في المعنى العام، تعني: (العودة والرِدَّة)، وتُستخدم لمن يترك دينه ويعتنق الإسلام، أما “الدونمة ليك” في التركية فتعني الارتداد عن الدين، وهي كلمة مُركبة تتكون من شقين “دو” و “نمة” بمعنى الفرقة القائمة على نوعين من الأصول، أي النوع اليهودي والنوع الإسلامي، وأصل هذا التفسير فارسي، وهذا المعنى ينطبق على سلوكهم.

ولقد قرَّب العثمانيون يهود الدونمة لرفعهم شعارات كثيرة في الدولة؛ منها شعارات القومية، لإحياء الطورانية؛ أي إحياء التركية القديمة، فأصبحوا مجموعة لهم ثقافة ازدواجية وثنائيِّي الهوية، كما قدَّم لهم العثمانيون مساعدات كثيرة تحت مزاعم التسامح الديني.

وهناك موقف مهم صدر من الدولة العثمانية، وهو أن هذه الجماعة أدت دورًا مؤثرًا في المجتمع التركي لإثبات وجودهم، لكن حرصت السلطة وكذلك يهود الدولة العثمانية على إخفاء نشاط تلك الجماعة، وعدم الاعتراف بهم رسميًّا؛ لأنهم يعدون دخلاء عليهم، وموقف الدولة هذا ليس غريبًا إذ يُعْرَف أنهم من أتباع ذلك الذي ادعى النبوة، وعُوقب ونُفِي لفعله ذلك حتى لا تُثير الطوائف الأخرى أو تلفت الانتباه إليهم.

ومن الأدوار الخطيرة ليهود الدونمة، أن الأتراك أمدوهم بالدعم العسكري الفاخر، وأمدهم اليهود بالعقل المدبر، وتلك الأحداث نتج عنها الانقلاب على السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، وكان تخطيط اليهود يهدف إلى خلع السلطان ونفيه، وكان تنفيذ ذلك على مراحل حتى لا يلفتوا الانتباه إليهم، وبعد أن أخذوا من السلطان ما يمكنهم، جاءت علاقتهم بمصطفى كمال أتاتورك، الذي استعان بهم في تنظيم الجامعة التركية على الأساليب العلمانية الحديثة، واستدعى ما يقرب من  40 أستاذًا يهوديًّا لكي يعملوا في تلك الجامعة، ومن أهم التخصصات التخصص الاقتصادي من أثرياء اليهود عالميًّا.

 والغاية تبرر الوسيلة، فكان توجه يهود الدونمة لمصالحهم العقدية المشتركة مع طائفة اليهود –وقد أوضحت الفرق بينهم– نحو إحياء اللغة العبرية، وتوثيق علاقة يهود الدولة العثمانية بيهود أوروبا.

وذكرت هدى درويش في كتابها “يهود الدونمة”، أنه عندما أُعلن نظام الدولة الجديد في القرن العشرين، ويهود الدونمة يُكنون له حُبًا عظيمًا، قال أتاتورك: “نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يتحدث عن التين والزيتون”، وكان أول من صفق له اليهود، حيث كانوا يعلنون من خلال وسائل الإعلام قولهم: “الآن سلمنا البلاد لأيدي مصطفى كمال الأمينة”، ويعد هذا أبلغ أثر ظهر لليهود عامة وليهود الدونمة خاصةً.

ويمكن القول بأن اليهود بعد معاناة الشتات ونظرة الباب العالي إليهم بعين العطف، قد اطمئنوا في ظل الدولة على حريتهم وأمنهم الخاص وأمن ممتلكاتهم، وعاشوا بحرية تامة.