خلال فترة الاحتلال التركي

كيف تعامَل العثمانيون وولاتُهم مع البلاد العربية؟

يتبادر إلى المُخَيّلة دائمًا تساؤل حول كيفية العلاقة بين العرب والدولة العثمانية، خلال احتلال العثمانيين للبلدان العربية، وهل كانت تلك العلاقة مبنية على القبول والتوافُق وتَبادُل المنافع، أم هي علاقة تَسلُّط وقهر وظلم، واحتقار للعرب ولتاريخهم العظيم، وأفضليتهم على بقية الأمم والشعوب؟

العرب هم الذين تشرَّفوا بحمل راية الإسلام، ونشروه في أصقاع الأرض بكل إيمان ويقين وحب وسلام، وبعدما انتقلت منهم السيادة والقيادة للأمم الأخرى، ممن دخلوا الإسلام وتسلطنوا على الدولة العربية الإسلامية، ما أحدث خللًا كبيرًا، فاختلفت معاملةُ الأعاجم للعرب اختلافًا كبيرًا، والشواهد على ذلك في تاريخنا كثيرة لا تُحصَى، والدولة العثمانية سارت على ذلك النهج والمسلك في التعامل مع العرب، فعلى سبيل المثال لا  الحصر:  في  تَعامُل العثمانيين مع العشائر العربية في العراق كان من النادر أن يأتي والٍ للعراق دون أن يشتبك في أثناء حكمه في معركة مع إحدى القبائل العربية أو مجموعة منهم، بل ربما انشغل الوالي طيلة مدة حكمه بالقتال ضدهم، فمنذ عهد حسن باشا وابنه أحمد باشا في العراق بدايات القرن الثامن عشر الميلادي استخدمَا سياسة البطش والقهر ضد القبائل العربية، فحسن باشا منذ تسلُّمه مقاليد السلطة في بغداد حاول أن يَحُدَّ من نفوذ القبائل العربية وتأثيرها في الحياة المدنية، واستخدم أسلوب القوة لإخضاعها وكبح جماحها؛ فقام بسلسلة من الحملات القاسية عليها لإخضاعها.

لذلك كان الشغل الشاغل للولاة العثمانيين هو إعداد الحملات العسكرية التأديبية ضد القبائل والعشائر العربية، وقد أشار المؤرخ العراقي جعفر الخياط لذلك قائلًا: “كثيرًا ما جُرِّدَت الحملات والأرتال العسكرية ضد القبائل والعشائر العربية في شمال العراق وفي جنوبه”. وهو ما أكَّده الرحالة البريطاني وليم هود  William Heude بقوله: “لم تكن تَمُرُّ سنة بدون القيام بعمليات ضد العرب والكرد، وهي أحوال جعلت الباشوات يعتذرون بها؛ لعدم إرسال الضرائب المالية للباب العالي؛ نظرًا لما تتكلَّفه هذه الحروب من مصروفات”.   

وفي ذلك دليل على استخفافهم بالعرب وتسلُّطهم عليهم، واعتبارهم أدوات ووقودًا لفشلهم في الإدارة، وقد وصف الرحالة كارستن نيبور والي بغداد سليمان باشا الذي لُقِّب “أب وليلة” بقوله: “كان سليمان باشا يتَّصف بمعاملته الصارمة للقبائل العربية؛ ذلك أنه لم يتغافل أبدًا عن أية جريمة ترتكبها، فقد كان يهاجمها ويُباغِتها، بحيث لا يُبقِي لها مُتَّسعًا كافيًا من الوقت تلتجئ فيه إلى الصحراء، ولذلك كان البدو يسمونه أبا الليل؛ لأنه يُغِير عليهم في الليل، ولا يتركهم ينعمون بالراحة”.

ولم تكن الجزيرة العربية بمنأى عن مثل تلك الأساليب التعسُّفية والإجرامية من العثمانيين، حيث عانى العرب فيها من الجبروت العثماني والتسلط، فعلى سبيل المثال: ما حدث للدولة السعودية الأولى من إرسال الحملات العسكرية الغاشمة للقضاء عليها؛ لأنها باختصار كانت نابعة من قلب الجزيرة العربية التي ثارت على الأفكار الفارسية والتركية التي دخلت على الإسلام الأصيل الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لذا وَجَّهَت الدولة العثمانية جهودها لمحاربتها والقضاء عليها، سواءً بواسطة واليها في بغداد، أو من خلال واليها في مصر محمد علي باشا، الذي استخدم جميع الأساليب العسكرية التدميرية، والبطش المفرط من أجل إسقاط العاصمة السعودية، مستعينًا بحلفائه من فرنسا وإيطاليا وغيرهم، ممن جمعهم بُغضُ الفكر المعتدل والصحيح الذي كان عليه سلف هذه الأمة.

كان العثمانيون يَقضُون على كل مَن يعارضهم، ويتم إرساله إلى عاصمتهم إسطنبول لإعدامه هناك؛ لإخفاء حقائق جرائمهم، ومنهم أبطال التاريخ السعودي، وقد كشف سنوك بأن من كان يسأل عن هوية الذين يتم إعدامهم يُخْبَر بأنهم مارِقون عن الدين وخارجون على الدولة، وما ذلك إلا إرهابًا للشعوب، ناهيك عما كانت تحمله الوثائق العثمانية من المراسلات بين الولاة والسلاطين والصدور العظام من الألفاظ المسيئة التي كانوا يطلقونها على العرب؛ من تحقير، ووَسْم لهم بالحشرات أو العربان، والملاعين والخوارج.

كانوا يُرسلون كل مَن يقبضون عليه إلى العاصمة إسطنبول لإعدامه وإخفاء جرائمهم.

  1. عبد الله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية (الرياض: د.ن، 1984).

 

  1. جعفر الخياط، صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة (بيروت: د.ن، 1971).

 

  1. علي الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي (بغداد: مطبعة العاني، 1965).

 

  1. عماد عبد السلام رؤوف، الحياة الاجتماعية في العراق إبان عهد المماليك 1749-1831 (القاهرة: جامعة القاهرة، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، 1976).

 

  1. عمر عبد العزيز عمر، تاريخ المشرق العربي 1516-1922 (بيروت: دار النهضة العربية، 1985).

 

  1. كارستن نيبور، رحلة نيبور إلى العراق في القرن الثامن عشر، ترجمة: محمود حسين الأمين (بغداد: نشر وزارة الثقافة والإرشاد، 1965).

 

  1. William Heude: A Voyage Up The Persian Gulf and A Journey Over land In 1817( London, 1819)..