"قيامة أرطغرل":

ترويج قيم التتريك في العالم العربي

يمكن القول إن أخطر تأثير لمسلسل “قيامة أرطغرل” يكمن في نشر قيم تسعى لتتريك المنطقة وتسويقها كحقائق تاريخية يسعى العثمانيون الجدد لترسيخها في العالم العربي. لا مبالغة في القول إن الأتراك الحالمين بإعادة إحياء مجد الإمبراطورية العثمانية، كما يتصورونها، يعتبرون العالم العربي نقطة الانطلاق. لكن، مواجهتهم للغرب الأوروبي قد تتسبب في صراع لا يملكون القوة لمواجهته، لذا يوجهون جهودهم نحو العالم العربي عبر التسلل من خلال قصص وحكايات تحاول استمالة مشاعر العرب ببناء روايات رومانسية غير واقعية. هذه الروايات تبدأ من أرطغرل، وتصوره كبطل أسس نواة دولة امتدت لمئات السنين بعده. الهدف التركي كان ترسيخ قوميتهم ضمن حدودهم، ولكن العرب هم المستهدفون بهذه الرسائل.

يشير الكاتب وليد فكري في كتابه “الجريمة العثمانية: الوقائع الصادمة لأربعة قرون من الاحتلال” إلى كيفية استخدام “الإسلام السياسي” للدراما التركية، بأننا نلاحظ احتفاء أصحاب ‘الإسلام السياسي’ الشديد بالدراما التركية، حتى أن بعضهم ينشر مقاطع تمجد مواقف مزعومة للسلطان عبدالحميد الثاني، أو أرطغرل، أو سليمان القانوني، مع تعليقات مديح.

استطاعت الدراما التركية تكوين سردية عثمانية تخدم أهداف تنظيمات الإسلام السياسي وتخدم الأمة التركية، حيث يسعى الطرفان معاً إلى استعادة حكم مركزي من إسطنبول على حساب التااني.

الإسلام السياسي استخدم الدراما التركية لترسيخ سرديات العثمانيين الجُدد.

تحول مسلسل “قيامة أرطغرل” من بناء قوة ناعمة إلى بناء أصنام ناعمة في التاريخ. لقد صنعوا من ثائر تركي من وسط آسيا بطلاً مسلمًا أسس إمبراطورية تُنسب إلى الإسلام، رغم الشكوك حول إسلامه والكثير من البطولات المنسوبة إليه. تمكنت الكاميرا والنص الدرامي والصورة الباهرة من تزوير التاريخ لصالح الدراما، وصنع صنم ناعم دخل وجدان بعض المخدوعين العرب وعقولهم دون تردد.

ومما يصفه الباحث وليد فكري إن الدراما التركية أصبحت أداة فعالة للقوة الناعمة، لبث الأفكار والتوجهات لكل بيت يمتلك شاشة تلفاز أو كمبيوتر، مما يمكّنها من التحكم بـ”الصورة الذهنية” للفرد أو حتى “الفكر الجمعي” للمجتمع. كما أدركت ذلك أنظمة وحكومات عالمية، أدركت الدولة التركية المعاصرة هذه القوة أيضًا، وسعت لإحياء المد العثماني خاصة في المنطقة العربية.

في نقده للمسلسل وتزويره للتاريخ، يوضح محمد الإبراهيم، عضو رابطة أدباء الشام، أن معظم أحداث المسلسل لا تستند إلى وقائع تاريخية. وأن أرطغرل بن سليمان شاه وُلد في آسيا الوسطى عام 587هـ (1191م)، وانتقل مع قبيلته إلى الأناضول عام 617هـ (1220م). حيث تجاهل المسلسل الدول الإسلامية التي كانت قائمة آنذاك، وركز على القبيلة والدولة السلجوقية فقط، وأظهر أن هذه القبيلة وحدها دحرت الصليبيين والمغول. هذا تزوير عظيم للتاريخ؛ حيث كانت الدولة العباسية موجودة، وإن كانت ضعيفة، وحكمت الدولة الأيوبية بلاد الشام ومصر والجزيرة العربية واليمن، لكن تجاهلها المسلسل تماماً. في تلك الفترة، تصدت الدولة الأيوبية للحملتين الصليبيتين الخامسة والسادسة، بينما كانت القبيلة السلجوقية مجرد عنصر صغير في الصورة العامة.

أخيراً، أظهرت الدراما التركية إمارة حلب بشكل غير دقيق، إذ كانت في الحقيقة إمارة قوية في زمن الظاهر غازي ابن صلاح الدين الأيوبي وابنه العزيز، على عكس ما صوره المسلسل من ضعف وتبعية للصليبيين.

  1. وليد فكري، الجريمة العثمانية: الوقائع الصادمة لأربعة قرون من الاحتلال (القاهرة: دار الرواق، 2019).

 

  1. وليد فكري، كيف خُدعنا.. الدراما التاريخية التركية كمرجعية تاريخية (موقع سكاي نيوز، على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/).

 

  1. محمد الإبراهيم، ملاحظات تاريخية مهمة تؤخذ بالحسبان عند مشاهدة مسلسل قيامة أرطغرل، موقع رابطة ادباء الشام، على الرابط: