الباطنية والخمينية

جِذعٌ فاسدٌ لِشجرةٍ خبيثةٍ

قبل التفصيل في العلاقة الجدلية بين الخمينية والباطنية، يجب التنبيه إلى أن الأخيرة ليست تنظيمًا سياسيًا أو بناءً مؤسساتيًّا ثابتًا، وإنما هي منظومة أفكار آمن بها ملايين. ومما ساعد على بقائها وانتشارها احتضانُها من طرف الدولة الفارسية، التي وجدت فيها ضالتها وأداتها لنخر الإسلام من الداخل، خاصة بعد أن تأكد الفرس بأن أية مواجهة مباشرة مع العرب المسلمين ستكون محسومة النتائج سلفًا.

في هذا السياق، استمرت الباطنية باستمرار الدولة الفارسية وتقاطعت الأهداف السياسية للطرفين في القضاء على الإسلام العروبي والتمكين للعرق الفارسي، وهو الهدف السياسي الأبرز الذي لا يتأتى إلا من خلال شرعنة منظومة تأويل النص الديني بما يخدم الأجندات الفارسية في المنطقة.

استفاد “الخُمَيْنِيُّون” من الفكر الباطني ومتحوا من استراتيجيته في تصدير الفكر؛ مقدمةً للتوطئة لدخول هذه المناطق. وعلى نهج الفكر الباطني الذي تبناه من تلقبوا زورًا بالفاطميين، سعى الخُمَينيون إلى التغلغل في المجتمعات العربية ومجاراة عاداتهم وتقاليدهم الصالحة منها والفاسدة. ولم يقفوا عند هذا الحد؛ بل بحثوا عن تأويلات دينية؛ لشرعنة مجموعة من الممارسات الشاذة.

وانطلاقًا من هذا التماهي الاستراتيجي بين فرعي الشجرة الواحدة، نهج الباطنيون الجدد نهج الفاطميين الإسماعيليين، الذين كانوا يقومون بإرسال “دعاة مدربين حَذِقِين ويتَجَنَّبون المواجهة واستفزاز المجتمعات المستهدفة، مستغلين محبة الناس الفطرية لآل البيت، كما عمدوا إلى تأسيس المراكز العلمية… وتأهيل الدعاة للمذهب الباطني، وبطريقة هادئة عزلوا المرجعيات العلمية والقضائية السُّنِّيَّة وأحلوا محلها مرجعيات باطنية.

إن التأويل الباطني والعمل لتطويع النص القرآني أفرز لنا تنظيمات متطرفة إرهابية، مهما حاولت أن تنسب نفسها زورا إلى السنة أو الشيعة على السواء، فالدين الإسلامي واضح مُيَسَّرٌ للذكر والفهم، ولذلك فهو حجة على الجميع، ولا يحتاج إلى تفصيل في المعنى إلا في مجالات الإعجاز اللغوي والعلمي وهو ما جعل القرآن الكريم يساير تطور الأزمان وواقع الإنسان.

لقد تأثرت الخمينية بنهج الباطنية، بالمدارس الفلسفية واستغلوا مبادئها لتحقيق أهدافهم السياسية. كما تأثر الخميني بالفكر الماركسي بخصوص التعامل مع الجماهير وقيادتها من خلال تَبَنِّي شعاراتها حتى ولو كانت خاطئة. وتُجمع كتابات ماركس وإنجلز على ضرورة مسايرة الجماهير حتى لو كانت تتجه إلى المهالك، على أساس التوضيح البعدي وإعادة التأطير وفق المنهج الأصلي للنظرية الماركسية بضرورة وجود الحزب الطليعي أو “الطليعة الثورية”.

إن المدرسة الخمينية لا تعدو أن تكون امتدادًا للفكر الباطني من خلال محاولاتها احتكار تأويل النص الديني، وإفراد الولي الفقيه بهذا الامتياز وهو ما جعل هذا المذهب “السياسي” يحترف الدين لأهدافه. والثابت -من خلال تتبع آثار الخمينية- أنهم نهجوا نهج الباطنية وسلكوا سبيلهم في استدراج الأتباع… وما زالوا عَضُدًا لكلِّ غازٍ يهتك بالمسلمين من التتار إلى الصليبيين، إلى الإنجليز الذين ناصَرَهم رأس الباطنية بالهند أغاخان، وهم الآن بسوريا ولبنان، ويزحفون بنشاطهم نحو الدول العربية والمناطق الإسلامية التي يخبو بها نشاط دعاة السنة، بتشجيع من الدولة الخمينية”.

ويمكن الجزم بأن خطورة الباطنيين الجدد تكمن في اختراقهم المذهبي واستغلاله لأهدافهم العرقية، ولحربهم الوجودية ضد كل ما يَمُتُّ للإسلام بصلة. ولقد وصل خبث “الغزو الباطني الجديد” إلى التعاون “مع المستعمر وهو يحمل شعارات شتى من أبرزها شعار الباطنية، وذلك بهدف التآمر.

إن تحالف نظام الملالي مع الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العراق لا يختلف عن تواطُؤِ الوزير ابن العلقمي مع التتار ضد الدولة العباسية، وساهم الطرفان في سقوط بغداد ونشر التوحش والفوضى في العاصمة التاريخية للدولة العباسية.

ولقد سبق لملك المغرب الراحل الحسن الثاني أن نبه إلى خطورة الفكر الخميني، بل قام المغرب بتكفيره بفتوى شرعية بالنظر إلى التحريفات التي جاء بها الخميني ومنها أن الإمام له من القدسية ما يجعله يصل إلى مكانة لا يصلها ملك مختار ولا نبي مرسل. ولعل هذا الموقف يُعَدُّ جَدُّ مهمًّا بالنظر إلى رمزيته القوية على اعتبار أن الأسرة الحاكمة في المغرب ينتهي نسبها إلى العِترة النبوية الشريفة ومع ذلك تبرأت من نظام الملالي الذي يستغل شعار الانتصار لآل البيت لتصريف أجندة خبيثة تهدف بالدرجة الأولى إلى القضاء على الإسلام والانتصار للعرق.

الباطنية تقاطعت مع العنصرية الفارسية فَسَعَتَا إلى القصاء على دولة العرب والمسلمين.

إجمالاً يمكن القول بأن “الإسلام وكل مذاهبه التي دخلت بلاد فارس… حُرِّفت وبُدِّلت؛ لأن الغرض لم يكن تبني هذا المذهب أو ذاك… بل كان القصد استغلاله ورفعه شعارًا ضد الدولة الإسلامية وعقيدتها الإسلامية الصحيحة.

  1. مانع الجهني، الموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان، ط4 (الرياض: دار الندوة العالمية لطباعة والنشر والتوزيع، 2000).

 

  1. مارتن فانيسا، “إيجاد دولة إسلامية: الخميني وصناعة إيران الحديثة”، مجلة مركز الملك فيصل للدارسات والأبحاث، ع. 3و4 (2010).

 

  1. محمد الخطيب، الحركات الباطنية في العالم الإسلامي (عمَّان: د.ن، 1986).

 

  1. محمد عبدالله عنان، تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة في المشرق (القاهرة: مؤسسة المختار، 1991).