الإمام فيصل بن تركي كشف مخططاته منذ البداية

جاءت حملة خورشيد بالمخادعة والإرهاب في عصر الدولة السعودية الثانية

من يتعمق في قراءة الأحداث والأوضاع التي أحاطت بالدولة السعودية الثانية، بعد تتابع وصول الحملات التركية خلال فترة الإمام فيصل بن تركي (1834-1838) في الفترة الأولى؛ يُدرك تمامًا ما كان يدبر له من قبل الوالي العثماني محمد علي باشا في محاولة سعيه الجاد لإسقاطه بشتى الطرق، وقد واجهها الإمام فيصل أيضاً بشتى سُبل المدافعة من أجل التصدي والمقاومة بكل ما أُوتي من قوة وصبر على المستوى السياسي والعسكري، وذلك من أجل الحفاظ على مركز دولته وسيادتها.

نجح الإمام فيصل بن تركي في مواجهة حملة إسماعيل أغا وخالد بن سعود في أكثر من موقع، بل تمكّن من محاصرة  الحملة العثمانية في الرياض وضيّق عليها كثيرًا وهاجم أسوار الرياض للقضاء على الحملة ومن معها بكل قواه، إلا أنه في اللحظات الأخيرة من الهجوم والحصار وصلت تعزيزات ضخمة قلبت موازين القوى لصالح المُحَاصَرين، فلم يكن بوسع الإمام فيصل سوى فك الحصار والتموضع بقواته في منفوحة قرب الرياض، في محاولة منه لعقد مفاوضات للصلح بينه وبين الحملة وقادتها، وقد رأى الإمام فيصل أنه يجب عليهم الانسحاب بقواتهم خارج نجد؛ لأن أهلها لا يرضون بحكم الترك، وتحت إصرار كلا الطرفين على التمسك برأيه فشلت تلك المحاولة.

وأمام تلك المقاومة التي أبداها الإمام فيصل بن تركي، قرر محمد علي باشا إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية لدعم موقفه في نجد، فأرسل أمهر قادته العسكريين “خورشيد باشا”، بحملة عسكرية كبيرة مُتَّخِذًا العديد من الأساليب والإجراءات لتحقيق أهدافه الحقيقية، ومنها:

الحملات العسكرية المتتالية أكدت رغبة الوالي العثماني محمد علي في إسقاط الدولة السعودية الثانية.

أولًا: أسلوب المخادعة واللسان المعسول وتقديم الهدايا وتبادلها مع الإمام فيصل بن تركي، فكان أول ما قام به خورشيد أن أرسل إلى الإمام فيصل هدية آذنًا له أن يأخذ ما أراده من ممتلكاته في الرياض، واعدًا إيّاه -كما يذكر المؤرخ السعودي عثمان بن بشر- بقوله: “التقرير في ملكه، ولا عليه منازع”، وهو ما أكده عبد الفتاح أبو عليَّة في كتابه تاريخ الدولة السعودية الثانية بقوله: “وهنا لجأ خورشيد إلى الملاينة في البداية قبل اتخاذ أي إجراء عسكري ضد فيصل..”. ولعل الهدف من ذلك -كما يذكر المؤرخ السعودي عبد الله العثيمين-: “ومن الواضح أن هدف خورشيد من ذلك العرض كسب الوقت لكي يصل إلى العارض قبل أن ينال فيصل من خالد ما ينال”، ونرى أن مثل ذلك الأسلوب يمكن اعتباره محاولة من خورشيد لكسر الشموخ السعودي وتثبيطه في مواجهة الوجود الأجنبي المتمثل في الحملات التركية.

ثانيًا: التهديد بالحرب والمواجهة العسكرية واستخدام القوة إذا لم يستجب الإمام فيصل بن تركي للسلم وإنهاء المقاومة السعودية، وقد لوحظ ذلك منذ انطلاقة حملة خورشيد الذي اتخذ إجراءات عسكرية جديدة، وهو في الحناكية إذ قام بتنظيم قواته وإعادة ترتيبها، وأرسل قوة عسكرية حديثة بقيادة مُلَّا سليمان الكردي لتحل محل قوات إسماعيل أغا في الرياض.

ثالثًا: استفاد من تغيُّر سير الأحداث في شمال نجد مما كان يصب في مصلحته، وشكّل ذلك دعمًا مباشرًا له، إضافة إلى استمالته وإخضاعه لبعض الرؤساء من خلال فرض القوة والتهديد من جهة، واللين والهدايا والعطايا من جهة أخرى، وهو أسلوب سحب البساط بصورة مباشرة لصالح خورشيد وكسب ولاءات مؤيدة للحملة العسكرية وداعمة لها.

رابعًا: بعد وصول الحملة العسكرية إلى إقليم نجد، جعل من بلدة الرس في القصيم، قاعدة للانطلاق للسيطرة على بقية الإقليم، ولذا أفرط في استخدام القوة العسكرية بصورة تعسفية فهدم الأسوار والأبراج وحاميات بعض البلدان النجدية، ولا يخفى أن هذا نوع من الضغط على الأهالي حتى يركنوا إلى التبعية والولاء لخورشيد، وينفَضُّوا عن الإمام فيصل بن تركي.

خامسًا: اتخذ خورشيد كل الوسائل والمُسَوِّغات من أجل تحقيق هدفه، بل أخذ ينتحل الأسباب التي يتعلل بها لهجومه على الإمام فيصل بن تركي، كما يذكر المؤرخ المصري عبد الرحيم عبد الرحمن: “وعلى أثر انتحال هذه الأسباب، زحف بقواته صوب “الدلم” في آخر رجب 1254ه/19اكتوبر 1838م”.

حقًّا، فقد كان من شأن تلك الإجراءات والخطوات التي قام بهـا خورشـيد باشـا، أن تَكْفُـل لـه إحكـام قبضـته علـى إقلـيم نجـد وتوطيـد أركـان قوته بشـكل فاعـل، وذلك مـن شـأنه أن يدفعه إلـى المضـي قُدُما لهدفه، ومن ثم إنهاء قوة الدولة السعودية الثانية وإمامها فيصل بن تركي، وتحقيـق السيطرة على باقي أملاك الدولة بما فيها بلـدان الخلـيج العربـي التي كـــان يتبــع أكثرها للدولة السعودية الثانية، وبذا أصبحت خاضعة لحكمة بالتبعية.

كان يهدف إلى مد نفوذه إلى مناطق الدولة السعودية على الخليج العربي.

  1. عبدالفتاح أبو علية، تاريخ الدولة السعودية الثانية (الرياض: دار المريخ، 1991). 
  2. عبدالرحيم عبد الرحمن، محمد علي وشبه الجزيرة العربية، ط2 (القاهرة: دار الكتاب العربي، 1986).
  3. عبدالله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية (الرياض: مكتبة العبيكان، 1997).
  4. عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط3 (الرياض: وزارة المعارف، 1974).
  5. محمد العبد القادر، تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد، ط2 (الرياض: مكتبة المعارف، 1982).
  6. محمد عرابي نخلة، تاريخ الأحساء السياسي 1818-1913م (الكويت: منشورات ذات السلاسل ، 1980).
  7. محمد الفاخري، تاريخ الفاخري، تحقيق: عبد الله بن يوسف الشبل (الرياض: مكتبة العبيكان، 1999).