
فشل سفارات قيادات إسلامية من المغرب والاندلس
- بعد الاندلس.. وجد اليهود.. كل الطرق تؤدي الى دولة بني عثمان!!
- لعلنا نستعرض التواريخ التالية لفهم المشهد الذي ألم بتلك الحقبة:
دخل محمد الثاني المشهور بالفاتح الى القسطنطينية العام 1453 م، وفي الوقت نفسه وفي الطرف الاخر كانت الاندلس تحت التهديد الدموي من مسيحيي إسبانيا يبعث مسلموها الرسائل تلو الرسائل الى السلاطين العثمانيين واحدا تلو الخر طلبا للنجدة دون استجابة، الى ان سقطت الاندلس تماما في ايدي المسيحيين المتطرفين في إسبانيا سنة 1492 م.
لم يجد الاندلسيون أي تعاطف يذكر، ومع انهم اقترحوا الحلول على سلاطين بني عثمان وأرسلوا الرسائل المتذللة، لكنها لم تحرك لهم جفنا.
في المقابل اكتشف يهود الاندلس أن كل الطرق الميسرة تؤدي الى السلطنة العثمانية، وجدوا الملاذ الآمن، والحياة الرغيدة، والحفاوة الكبيرة، بل قربوا من السلاطين وتبوؤو اعلى المناصب، وادخلوا في نظام الملل، ثم منحوا الهوية العثمانية ولذلك تملكوا العقارات والمزارع في انحاء الدولة العثمانية ومنها فلسطين، ولعلها البداية التي أدت الى مأساة الفلسطينيين حاليا، تلك الحفاوة لا تهرب منه “العثمانية الجديدة” اذ تحتفي وكالة انباء الاناضول الرسمية وتنشر العديد من الشهادات الإسرائيلية والاستشراقية عن ذلك.
يقول “حاييم وايزمان”، أول رئيس لدولة إسرائيل: “العالم الإسلامي يعامل اليهود بقدر كبير من التسامح، فقد فتحت الإمبراطورية العثمانية أبوابها لليهود عندما طردوا من إسبانيا، ويجب على اليهود ألا ينسوا ذلك”.
ويشير المستشرق برنارد لويس في كتابه “إستانبول وحضارة الخلافة الإسلامية” الى حالة الاحتفاء التي وجدها يهود اوروبا عند العثمانيين: “ازداد عدد اليهود في إستانبول منذ نهاية القرن الـ 15 بصورة خاصة، إذ جاء الكثيرون منهم من إسبانيا والبرتغال والبلاد الأوروبية الأخرى، باحثين عن مكان للّجوء إزاء اضطهاد المسيحيين لهم، إلى حكم السلاطين العثمانيين المتسامح”.
لم يكتف العثمانيون بوصول اليهود الى مدنهم واقاليهم، بل ارسلوا اسطولهم الضخم والقوي لنقلهم الى الأراضي العثمانية انقاذا لهم من اضطهاد الصليبيين المتطرفين الاندلس، ويبقى السؤال حاضرا، ما دام السلاطين العثمانيين (محمد الفاتح، بايزيد الثاني، سليمان القانوني) -وهم اكثر ثلاثة سلاطين عاصروا مأساة الاندلس- قادرين على ارسال الاساطيل لنقل الشعب اليهودي من الاندلس، لماذا لم ترسل الاساطيل لحرب الملك المسيحي المتعصب فرديناند و ابنة عمّه إيزابيلا، اللذان تبنيا احد ابشع حروب الاضطهاد والتعذيب والتنكيل التي عانت منها البشرية، وكان حظ عرب الاندلس المسلمين اكبرها.
لقد فتح السلطان بايزيد الثاني بلاده على مصراعيها لحوالي 800 ألف يهودي هربوا من إسبانيا، مصدرا أوامره إلى ولاته في أقاليم الدولة العثمانية باستقبال اليهود وعدم رفضهم، فتدفقوا على أراضي الدولة العثمانية، واستقرّوا في العديد من المدن الرئيسية مثل إسطنبول، وأدرنة، وإزمير، وسلانيك، على عكس العرب الهاربين الذين انتقلوا بطريقتهم سرا الى المدن الساحلية في المغرب والجزائر وتونس.
العناية الفائقة التي حظي بها يهود الاندلس مكنتهم من بناء مجتمعاتهم الثرية والغنية في السلطنة العثمانية، لقد تحولوا بفضل السلاطين العثمانيين الى اهم محركات الاقتصاد، واقتربوا كثيرا من صناع القرار، وكان لهم دورهم الواضح.
لم يعاني يهود السلطنة العثمانية بعدما استقروا فيها من إعادة بناء مجتمعاتهم من جديد، بل تم ضمهم من فورهم لنظام الملل الذي وضعه السلطان محمد الفاتح والذي ضمن لهم حقوقا وآمنا عاليا، نظام طبق على المسيحيين واليهود، واعطاهم حقوقا وضمن لهم حياة امنة مستقرة، في الوقت نفسه وجد الرعايا العرب المسلمون اضطهادا وتعاملا خشنا، وهو ما انطبق تماما على الاندلسيين العرب، الذين هربوا ووصلوا الى الأرضي التي يسيطر عليها العثمانيون، بادئين حياتهم من الصفر، بل ربما ما دون الصفر، فقد تركوا وراءهم اموالهم وبيوتهم ومزارعهم، واستوطنوا المدن المغاربية بلا مورد، حتى ذابوا وذابت شخصيتهم الاندلسية.