فشل الأجندات التوسعية لآل عثمان في الأحساء
رغم سقوط الدولة السعودية الثانية، إلا أن الالتفاف بين السعوديين ظل رمزيةً ومصدرًا لقوة الدولة وتطوّرها، وهو الثابت السلوكي والسياسي الذي يميز السعوديين طيلة تاريخهم وتواجد دولتهم المادي والسياسي.
تجاوز السعوديون الممارسات السياسية الخاطئة طوال تاريخهم، لذلك حار المتربصون بهم داخليًّا وخارجيًّا، بحثًا عن منفذٍ للنيل من دولة السعوديين وسيادتها.
في هذا السياق، عملت الدولة العثمانية على محاولة البحث لاستثمار أي خلاف داخلي لدى السعوديين في عصر الدولة السعودية الثانية، سعيًا لدعم طرف ضد الآخر لتحاول تفتيت هذه القوة العظيمة التي تمثلت في صمود السعوديين أمام الاعتداءات العثمانية المتتالية، ورغم محاولاتها لم تصل لنتيجةٍ ترضيها.
ومن ذلك، محاولة مدحت باشا غزو الأحساء والقطيف بعد أن أرسل مجموعة من الموظفين إلى المنطقة من أجل التجسس على المدينتين في ظل بوادر اضطراب داخلي، حيث كانت المنطقة وأوضاعها غير معروفة بنحوٍ كافٍ عند العثمانيين وهو ما تطلب تجميع معطيات دقيقة قبل إطلاق الحملة لإخضاع السعوديين، الذين شكلوا تهديدًا لنفوذ العثمانيين في المنطقة.
لقد شكّلت القطيف الهدف الاستراتيجي الأول للحملة التي يقودها نافذ باشا، حيث أسقطها بالقوة العسكرية، بعد حصارها ودكّها بالمدافع إلى أن وصل عنوةً إلى قلعة القطيف بعد مقاومة شرسة من طرف السعوديين دامت ما يزيد عن عشر ساعات بحسب وثائق الأرشيف العثماني.
وما تم الاستيلاء عليه في حملة مدحت باشا كان ولاءه صوريًا للدولة العثمانية، التي حاولت -منذ بداية الحملة- شرعنة محاولة استعمارها للمناطق السعودية بالتزيف والترويج عن النوايا الحسنة، وهو ما رفض السكان السعوديين قبوله أو تصديقه، ورغم محاولة العثمانيين العمل بسياسة ترويجية خبيثة لمجموعة من الأكاذيب والمغالطات لشرعنة غزوهم للمنطقة، حيث عملوا على محاولة زرع الفتن بين السعوديين، لكن جميع محاولاتهم لم تصمد أمام المعطيات والقرائن التاريخية والتي تقطع بأن السعوديين كانوا لحمةً واحدة على مرِّ تاريخهم.
لقد قام العثمانيون باتباع تكتيك لاحتلال الأحساء، حيث حاولوا الاعتماد على خطابات عاطفية بسيطة خدمة للأطروحة العثمانية الجديدة في المنطقة.
بعد هذه التمهيدات تقدمت قوات نافذ باشا نحو الأحساء في نهاية يونيو 1871م، ليصل إليها بعد اثنَي عشر يومًا من المسير ليسقط مركزها “الهفوف”، وبذلك استطاع نافذ باشا أن ينُفّذ خطة مدحت باشا ويخضع الأحساء.
لقد شكّلت الحملة على الأحساء أنموذجًا لخبث سياسة العثمانيين ومحاولة الظهور بمنظر المساند لطرف على آخر قبل أن تعمل على استبعاد الجميع وتركيز السلطات في منطقة نجد كمقدمة لإخضاع باقي مناطق الجزيرة العربية تِباعًا، وهو ما لم يتم باستمرار الصمود السعودي الذي تطهر منهم تمامًا بعد قرابة أربعة عقود من الاحتلال العثماني المختبئ في حامياته.