"فخري" العثماني

"رصاصة" العذاب الأخير

عانت المدينة النبوية ما عانته البلدان العربية كافة تحت وطأة الاحتلال التركي العثماني طوال أربعة قرون من الزمان تقريبًا، وكانت فترةً كبيسة من التاريخ العربي؛ مارس الأتراك خلالها أشد أنواع الظلم والتعسف واستنزاف الخيرات. ولم يكتف التُّرك في كثيرٍ من الأحيان بظلم الولاة والإهمال المُتعمَّد، إنما كانوا يكملون عقد هذا الظلم بارتكاب الجرائم والمجازر والاستباحة الكلية.
تداول الأتراك السلطة في الدولة العثمانية حتى وجدوا أنفسهم في زِحام الدول المتحاربة خلال الحرب العالمية الأولى؛ باعتبارهم أحد أطرافها الأضعف خلال الفترة (1914-1918م)، وكانت بمنزلة الكفن الذي لُفَّت فيه هذه الدولة بتاريخها الطويل لمثواها الأخير، وراحت تركتها تتشكل على هيئة قوى جديدة وتقسيمات إقليمية. ولم يُزجُّ بالعثمانيين في هذه الحرب إلا بهدف أن يتلقوا رصاصة الرحمة الأخيرة، كي لا تكن مصدر إزعاجٍ للقوى الجديدة، التي ثبَّتت أقدامها في أجزاءٍ عدَّة من حدود الدولة العثمانية.

عذبوا المدينة النبوية بتعيين "القط" التركي

ومنذ بداية الحرب والدولة العثمانية وحزبها “الاتحاد والترقي” الحاكم خلال تلك الفترة؛ تُهرول لحماية حدودها من الأطماع والسيطرة البريطانية والفرنسية، حيث بدأ الحلفاء الزحف على أراضيها الشرقية؛ لذا أراد الأتراك استغلال العاطفة الدينية لدى مسلمي الشَّرق باعتبار نفوذهم على الحرمين الشريفين في الجزيرة العربية، وكانت من المناطق المهمة والحساسة بالنسبة لهم، حتى لا تسقط من يدها، وخاصةً الحجاز؛ لأنه بانفصالها ستفقد مكانتها الدينية المزعومة، والورقة الرابحة لها في كسب العاطفة في العالم الإسلامي.
ازداد القلق التركي من مسألة المحافظة على المدينة المنورة وتقوية حاميتها؛ فارتأى وزير الحربية أنور باشا ووالي الشام جمال باشا زيارة المدينة، ووصلاها في 27 ربيع أول (1334هـ) الموافق 2 فبراير (1916م)، كي يقفا على الأوضاع فيها، ومدى إمكانية صمودها أمام عمليات عسكرية متوقعة، لذا أرسلا فيلقًا بقيادة وكيل والي الشام عمر فخري باشا، بهدف تعزيز دفاعات المدينة من أي تحرك أو ثورة ضدهم، غير أن ذلك لم يكن معلنًا بشكلٍ رسمي، إنما جاء بحجة التفتيش على الحامية العسكرية، ووصل فخري باشا المدينة المنورة في 31 مايو (1916م)، لتولي قيادة قوات الحامية العثمانية فيها بعد أن مُنح صلاحيات واسعة.

عمر فخر الدين تركخان باشا
(1285-1367هـ
1868-1948م)

المرجع: فريدون قاندمير، الدفاع عن المدينة (آخر الأتراك تحت ظلال نبينا صلى الله عليه وسلم)، ترجمة: مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، (المدينة المنورة: د.ن، د.ت).
ولد ببلدة روسجق من سواحل نهر الدانوب في أوروبا، والده محمد نادر بن عمر آغا عسكري في الجيش العثماني، كما كان مديرًا للبرق والبريد، عمر فخري باشا كغيره من العسكريين تخرَّج من المدرسة الحربية في إسطنبول، وعُرف عنه التفوق؛ باعتباره كان الأول على دفعته العسكرية، وكانت له مشاركات عسكرية في ميادين عدَّة، حتى رُشِّح سنة (1326هـ/1908م) وكيلاً لرئاسة أركان حرب الفيلق الرابع، كذلك عُيِّن في الوقت نفسه رئيسًا لمحكمة الإدارة العُرفية للتحقيق في التمردات في الجيش، وعين بعدها رئيسًا لأركان الحرب للفرقة النظامية الأولى. وبعد أن دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى كان فخري قائدًا للفيلق الثاني عشر في سوريا، ورُقيّ إلى رتبة باشا، ثم رُشِّح وكيلاً لجمال باشا لقيادة الجيش الرابع في سوريا.
المرجع: فريدون قاندمير، الدفاع عن المدينة (آخر الأتراك تحت ظلال نبينا صلى الله عليه وسلم)، ترجمة: مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، (المدينة المنورة: د.ن، د.ت).

(1) جون غلوب، مغامرات بريطاني في بلاد العرب، ترجمة: عطية الظفيري (الكويت: آفاق للنشر، 2017)، 19؛ لورنس، أعمدة الحكمة السبعة (بيروت: المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، 1963).

(2) عماد يوسف، الحجاز في العهد العثماني 1876-1918م (بيروت: دار الوراق، 2011).

(3) Naci Kiciman, Medine mudfaasi yahud hicoz bizden nasil (Istanbul: Sebil Yahyinevi, 1971).