الحملة الفرنسية على مصر
العنوان ليس بمستغرَب، ولكن من غير الشائع أن الأغلب يعتبر تلك الحملة البونابرتية استكمالًا للحروب الصليبية، رغم ما تركته من بصمات للتاريخ في مصر.
بعد حقبة الحروب الصليبية بزمن جاءت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت، التي تعتبر رابع محاولة للفرنسيين تهدف إلى الاستيلاء على مصر في العصر الحديث، وهي عملية عسكرية كانت عام 1798م، بجيش قوامه 36 ألف مقاتل، بهدف حماية المصالح الفرنسية، ومنع إنجلترا من الوصول إلى الهند، وقد استمرت الحملة 3 سنوات، وانتهت عام 1801م بهزيمة الفرنسيين وانسحابهم.
كانت مصر تخضع للحكم العثماني، وكانت تُعاني من الضعف السياسي والاقتصادي منذ أواخر القرن السابع عشر الميلادي، وحدثت الحملة الفرنسية سعيًا لاحتلال استعماري لإحياء عصر التنوير في الشرق، حيث حدَّدَت الحملة الفرنسية مخططات لكل المشاريع الاستيطانية اللاحقة في القرنين التاسع عشر وأوائل العشرين، وتقوم فكرة تلك الحملة -حسب تصوُّرها- على تخليص الشعوب الدنيا من يد الطغاة الاستبداديين، من خلال جعلهم يصلون إلى المعايير الغربية للحضارة والصناعة، وبهذا اعتبر المحتلون الفرنسيون أنفسهم محرِّرين ومخلِّصين لمصر من المصريين الأصليين، وتلك كوارث حلَّت بمصر وغيرها من بلدان العالم العربي خاصة، والإسلامي عامة.
نتائج الحملة الفرنسية على مصر:
أنتجت الحملة الفرنسية على مصر تغييرات متعددة على واقع مصر، ومن أبرزها القضاء على حاميات المماليك، حيث عمل نابليون بونابرت عند سيطرته على مصر على القضاء على حاميات المماليك الذين خرجوا من القاهرة، واحتلَّها الجيش الفرنسي منهم في 24\7\1798م، وقامت قوات الجيش الفرنسي بعد ذلك بمطاردة فلول الجيش المملوكي في بقية الأقاليم في مصر، وذلك لإخراجهم منها، وإحكام سيطرتهم على مصر.
وأتت السيطرة الاقتصادية؛ حيث عملت الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت على سلب ثلثَي أراضي مصر التي كانت موقوفة وقفًا كاملًا على المماليك، وبذلك فإن الدخل والضرائب التي كانت تذهب إيراداتها للدولة المملوكية وخزينتها، أصبحت تذهب لفرنسا، وللخزينة الفرنسية، ولصالح الجيش الفرنسي، كما عمل بونابرت على تعيين موظفين فرنسيين للإشراف على الشؤون المالية.
تأسيس ديوان العامة:
عمل نابليون على تأسيس ديوان العامة في القاهرة، وهو ديوان يتشكَّل من كبار التجار والعلماء، والهدف منه استقطاب الفئات المشاركة فيه لتكون في صف الفرنسيين، ولإتاحة الفرصة لفرنسا لبسط سيطرتها الاقتصادية تحت إشراف ورقابة فرنسا، ويهدف هذا الديوان كذلك لتأسيس حلفاء له ذوي قدرة مالية ضد الدولة المملوكية، وذلك لتثبيت الوجود الفرنسي في مصر.
وكانت الضربة القاضية لاستعمار مصر، من خلال العمل على تغيير مسار القضاء، حيث عمل نابليون بونابرت على استحداث محاكم القضايا العامة، ليحل فيها تطبيق القوانين الفرنسية إلى جانب المحاكم الشرعية التي كانت قائمة ومؤسَّسة في مصر، وأصبحت محاكم القضايا تتشكَّل من 12 قاضيًا؛ ستة منهم من الأقباط، والستة الآخرون من المسلمين، وكانت تلك المحاكم متخصصة بفضِّ الخلافات والنزاعات بين التجار، وقضايا الإرث والشكاوى والجُنَح.
ولتغلغل فرنسا في اكتساب امتيازات خاصة ومتجذِّرة من الدولة العثمانية وصل بها الحال إلى أن تعتبر تلك المكتسبات حقوقًا تسرح وتمرح من خلالها، وتعتبر نفسها الوصي على مصر وما فيها؛ لتُعلي من شأنها سياسيًّا واقتصاديًّا.
كان نظام الحكم العثماني في مصر نظامًا يؤكِّد تبعيَّتها التامة للسلطان العثماني، وأقامت في مصر ثلاث إدارات تحكمها، لتراقب كلُّ واحدة منها الأخرى، وهي: الوالي، وزيادة سلطة الديوان، والحامية العسكرية لإدارة شؤون الأقاليم، ونتج عن ذلك صراعات داخل الدولة وخارجها، مما تسبَّب في الاستعمار بعد أحداث سياسية جِسام.