ثورة الغجرية (1943)

الشيخ جاسب بن خزعل قارب على تحرير الأحواز لولا انسحاب بعض القبائل العربية من الثورة

لم تسقط الأحواز العربية من السماء، ولم تكن نبتًا منفردًا على شواطئ الخليج العربي، بل مثلت مع شقيقاتها العربيات في الضفة الأخرى امتدادًا عربيًّا عرفته الجغرافيا والتاريخ منذ ألفي عام وأكثر، المدهش عند استعراض التاريخ الأحوازي أنه لم يحظ بالتعريف الذي يستحقه، ولم يتلفت إليه التاريخ السياسي إلا مؤخرًا.

وعند التعرف على الأحواز وقضاياه نجد أن عربًا أقحاحًا سكنوا منطقةً تشرَّبَتْهم وتشرَّبوها، هم من اكتشفوها واستقروا بها قبل أكثر من ألفَي عام، مؤسسيين دولة ذات نفوذ وسلطان وعلاقات دولية لفترات طويلة، ولولا أنهم تعرضوا لخيانتين؛ الأولى من الدولة العثمانية التي باعَتْهم للفرس الإيرانيين العام (1847) إثر معاهدة “أرضروم” التي تنازل فيها العثمانيون عن عربستان إلى الفرس، وأعقبها ثورة دامية استمرت عشر سنوات حتى العام (1857)، حينها أعلن الحاكم الإيراني عن اعترافه بعربستان دولةً مستقلة تحت حكم الشيخ “جابر بن مرداو”، لتبقى المحمرة وعربستان مستقلة استقلالًا كاملًا من العام (1857)، حتى الاحتلال الإيراني العسكري لها العام (1925)، ولولا الخيانة الثانية من البريطانيين لبقي عرب الأحواز حتى اليوم دولة عربية مستقلة.

يقول المؤرخ والرحالة البرتغالي “بيدروتاسكيرا” الذي زار منطقة شط العرب عام (1604) قبل أكثر من 400 عام، بأن المنطقة شرق شط العرب إمارة عربية، يحكمها الشيخ مبارك بن عبد اللطيف، الذي كان حاكمًا مستقلًّا عن الفرس الإيرانيين، وعن الأتراك، بل دخل في تحالُف دولي مع البرتغاليين. كما يقول الرحالة الإيطالي بياترو ديلا فالاي ديلا أن الشيخ الأحوازي منصور كان يرفض تدخُّل الشاه الإيراني عباس الأول في دولته، وهذه الشواهد من الرحالة على مدى أربعة قرون مضت تؤكد استقلال دولة عربستان عن الحكم الإيراني المحتل.

كانت هذه الثورة مغيبة عن الإعلام العربي والعالمي بدأت إرهاصاتها بعدما  اتفقت بعض قبائل الأحواز مع الشيخ جاسب ابن الشيخ خزعل على القيام بثورة شاملة تطيح بالاحتلال الفارسي وسلطته الاستعمارية وطرده من بلدهم العربي، مستعيدة إمارة كعب العربية، واستقلالها إلى سابق عهدها وأيامها قبل الاحتلال الفارسي للأحواز عام (1925)، ما يؤكد عدم استسلام الأحوازيين للمحتل، وتَوْقهم للحرية بنضالهم من دون خوف من آلة الموت التي سلَّطَتها عليهم سلطة المحتل في طهران.

بدأ الشيخ جاسب ثورته بدخوله مع شعبه المنادي بالتحرير سنة (1943)، وأعلن ثورة شاملة بتأييد القبائل العربية، لكنه تراجع أمام ضخامة القوات الفارسية الغازية من حيث العدد والعتاد، خصوصًا بعد أن نكثت بعض القبائل وعودها ولم تسانده، فقد قامت القوات الإيرانية بالهجوم العسكري المسلح على الأحوازيين المدنيين العُزَّل إلا من أجسادهم وبضعة أسلحة بيضاء وبنادق صيد، فلم يكتفِ الإيراني بذلك، بل استخدم الطائرات في قصف المدنيين ونكل بهم، وهدَّد كل من ينخرط في الثورة ليس بقتله لوحده بل قتل كل عائلته وعشيرته، كانت ثورة ضد الاحتلال، لكن المحتل واجههم بغطرسة الآلة العسكرية.

استخدم الإيرانيون الطائرات لإفشال ثورة جاسب التي واجهت الفرس ببنادق الصيد الإنجليزية.

سُمِّيت هذه الثورة بـ (الغجرية)؛ نسبة إلى المكان الذي انطلقت منه، وكان من بين المشاركين في هذه الثورة القائد محيي الدين آل ناصر، وكان حينها يتقلد منصبًا عسكريًّا كرئيس جبهة تحرير عربستان.

لم تمضِ الثورة بلا نتائج على الأرض، فقد بذل الأحوازيون الغالي والنفيس من أجل إخراج المحتل الإيراني من بلادهم، وتم تكبيد الفرس خسائر فادحة، مقابل سلاح الثوار البدائي والقليل، ببنادق الصيد الإنجليزية القديمة، ومع ذلك فقد تمكَّن الثوار من تكبيد السلطات الفارسية الخسائر بقتل عدد كبير من الجنود والضباط الفرس، كذلك إسقاط طائرة حربية فارسية، من طائرات الإيرانيين التي كانوا يقصفون بها الثوار بالقنابل الحارقة والمحرمة دوليًّا.

وعلى إثر المصاعب الذي واجهت ثورة التحرير العربية في الأحواز؛ بدأ الأحوازيون مراجعة أسباب الإخفاق وتلمُّس الحلول، خاصةً وأن عدوَّهم يتملَّك آلة قتل مدمرة، ولا يراعي إنسانيةً ولا ضميرًا عند تعامُله معهم، لعل أهمها انسحاب القبائل العربية من الثورة بعد أن أيدت الشيخ جاسب في البداية، وكان ذلك الانسحاب مضعضِعًا للثورة، مما أدى إلى تقهقر الثوار الأحوازيين أمام الجيش الفارسي، وسبب انسحاب تلك القبائل العربية من الثورة يعود إلى التهديد الفارسي المباشر لها بتدميرها وسحقها بكل وحشية، ومَحْوها من الوجود، ففضَّلت تلك العشائر البقاء على ما هو عليه من أمر مُجحِف ظالم بهدف المحافظة على الإنسان الأحوازي، وبقاء الأرض بيد المواطنين الأحوازيين، والحَدِّ من توسيع مصادرة الأراضي واستيطانها بالفرس، وحقن الدماء، ورأت العشائر أن الثورة غير متكافئة مع حجم قوات الاحتلال الفارسي، وفشلها محتوم.

  1. سامية الجابري، الأحواز عربستان خلال العهد الملكي البهلوي (بيروت: جداول للنشر والترجمة والتوزيع، 2019).

 

  1. علي الحلو، الأحواز ثوراتها وتنظيماتها 1914-1966م (النجف: مطبعة الغري الحديثة، 1970).

 

  1. علي الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).

 

  1. مصلح محمد، الغزو الفارسي للأحواز والمقاومة العربية بعد الحرب العالمية الأولى (الأنبار: كلية التربية، 2020).