أعدم السلطان وأسرته وأغرق 1000 من الأهالي
مذابح العثمانيين الدموية في تلمسان
لم يكتف العثمانيون وقراصنتهم في المغرب العربي بمنظر دماء الأبرياء التي لطخت سيوفهم، ولم تردعهم دموع اليتامى، لذا كرروا مجازرهم وجرائمهم الوحشية في كل موطء قدم، مرتويًا بدماء من لا حيلة لهم، هكذا كان حال سكان مدينة تلمسان الذين وقعوا في الفخ الذي وقع فيه أهالي تنس قبل تعرضهم لمجزرة قضت على أميرهم ورجالهم.
وتوضح الوثائق التاريخية أن سكان تلمسان راسلوا عروج بربروسا بعد احتلاله مدينة تنس، وطلبوا منه خلع سلطانهم أبي حمو الثالث المستولي على عرش ابن أخيه أبي زيان، وإرجاعه لعرشه، و تقول المصادر: إن عروجًا استجاب من فوره، خاصةً وأن مدينةً أخرى تدعوه لاحتلالها، منيبًا أخاه خير الدين بربروسا على الجزائر، ووصل جيش عروج إلى قلعة بني راشد، و كانت معقل أحد حلفاء الأتراك وأنصار السلطان أبي زيان وهو أحمد بن يوسف الملياني.
وقع سكان تلمسان في نفس فخ أهالي تنس، فاستدعوا عروج بربروسا لتخليصهم من السلطان أبي حمو.
وترك عروج بالقلعة حامية تركية من 600 مرتزق تحت قيادة أخيه إسحاق بربروسا، وهو اسم جديد يظهر عند البحث في هذه العائلة القادمة من اليونان، لتحتل الأراضي العربية لصالح العثمانيين، ثم وصل إلى تلمسان فلقيه أبو حمو خارج تلمسان بجيش من ثلاثة آلاف رجل وستة آلاف فارس، لكن جيش أبي حمو لم يكن قادرًا على التصدي للجيش التركي، فانتصر عروج وطارده إلى تلمسان، فرّ أبو حمو راجعًا إلى تلمسان فرفض أهلها فتح أبوابها له، فجمع مناصريه و فرّ إلى فاس بالمغرب الأقصى.
بمجرد أن حدث الانتصار، والتقط السفاح عروج أنفاسه، التفت إلى الأهالي الذين استقبلوه استقبال الفاتحين، وقبل فتح أبواب المدينة له، أخذوا عليه عهدًا بعدم هدم المدينة ونهبها و إلحاق الضرر بها، ظنًّا منهم أن ذلك قد ينجيهم، ثم صدقوا قسم عروج على القرآن الكريم أن لا يلحق الضرر بهم، و أنه سيُبقي الحكم في أسرة بني زيان، وإمعانًا في الخديعة فبمجرد أن دخل عروج تلمسان، أعاد السلطان أبو زيان إلى عرشه، وقفل راجعًا إلى الجزائر، تاركًا وراءه أعوانه وجنوده الذين قضموا المدينة قضمًا، واستولوا على مفاصلها، ثم عبثوا بمقدرات الأهالي، و أغلظوا في المعاملة ما أدى بالأهالي إلى الندم على استنجادهم بعروج وجيشه، ولكن لا ينفع الندم بعد دخول الذئب الى البستان.
من الناحية الأخرى، لم يكن حاكم تلمسان – السلطان أبو زيان – راضيًا عما آلت إليه الأوضاع في عاصمة مُلكه، فحاول التخلص من نفوذ عروج، وإبعاد الأتراك عن المدينة، وهنا جاءت فرصة اللص القرصان عروج، ودفعته للعودة إلى تلمسان، و أقام فيها تصفية جسدية لكل العائلة الحاكمة، إذ أعدم السلطان أبي زيان شنقًا على واجهة قصره المعروف بـ”المشور” مع سبعين أميرًا من بني زيان، وجمع إلى المذبحة نخبة من أعيان وشيوخ وقادة تلمسان.
مصادر أخرى توسعت في التفاصيل، فذكرت أن عروجًا قام بشنق أبي زيان مع سبعة من أبنائه، وإغراق أفراد الأسرة الملكية وأكثر من 1000 شخص من أعيان تلمسان بالصهريج الكبير للمدينة، ليعلن بعدها عروج بربروسا نفسه حاكمًا على البلاد، على جثث القتلى، متوسعًا في إرسال الحملات والمرتزقة العسكريين إلى باقي المناطق المجاورة لتلمسان لأخذ الطاعة منها.
لم يقف الأمر عند القتل والترويع والإغراق، بل انفرد بالسكان المحليين وقصمهم بفرض ضرائب كبيرة من أجل إخضاعهم وإبقائهم مُسخّرين لخدمة العنصر التركي الذي احتلهم، وهم الذين استنجدوا به وإذا به يتحول الى نقمة وشر أبدي عليهم.
وتعد تلمسان بوابة الجزائر على المغرب ، وباحتلالها فإن الطريق لاحتلال باقي البلدات يُصبح أسهل، وهذا ما حصل بالفعل، إذ أرسل عروج قواته في كل اتجاه لإخضاع البلدات واحدة تلو الأخرى، زارعًا فيها حامياته من المرتزقة، ليتحول فجأة من لص يجوب البحار بحثًا عن سفن شاردة يستولي عليها ويستعبد بحارتها، ويبيعهم في سوق الرقيق إلى قرصان برتبة حاكم يستعبد أحرار العرب في الجزائر ويقتلهم، ويغرقهم في البرك.
رغم هذا البطش، لم يستسلم سكان تلمسان، إذ عاد الأمير أبو حمو من جديد ليستعيد مدينته، وأثبت السكان المحليون أنهم تواقون للحرية، بعيدًا عن ذل الاستعمار العثماني، بالرغم من أن تلك المحاولات لم تسفر في نهاية الأمر عن إنهاء احتلال الأتراك لديارهم وجلبهم للقراصنة والمرتزقة ليحكموهم ويتسلطوا عليهم.
- محمد التنسي، تاريخ بني زيان ملوك تلمسان، تحقيق: محمود بوعياد (الجزائر: موفم للنشر، 2011).
- بن عتو بلبروات، “أضواء حول مدينة تلمسان خلال العهد العثماني”، مجلة الحوار المتوسطي، ع. 1 (2009).
- بالاعرج عبدالرحمن، “الحياة الثقافية بمدينة تلمسان خلال العهد العثماني”، مجلة القرطاس، ع. 2 (2015).
- مذكرات خير الدين بربروسا، ترجمة: محمد دراج (الجزائر: شركة الأصالة، 2010).