استبدل "الطربوش" بالطاقية اليهودية
عبدالحميد
باع فلسطين ثم بكى عليها
من هو السلطان عبدالحميد؟!
هو الحاكم الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وتُقسم فترة حكمه إلى قسمين، الدور الأول وقد دام مدة سنة ونصف ولم تكن له سلطة فعلية فيه، والدور الثاني وحكم خلاله حكمًا فرديًّا وقد دام قرابة ثلاثين سنة، ويسمى “دور الاستبداد”، وهو الذي دفع كثيرًا من المقاطعات والشعوب لطلب الاستقلال والبحث عن الخلاص من الظلم العثماني الذي وقع عليهم بسبب سياسات عبدالحميد.
تولى السلطان عبدالحميد الحكم في 31 أغسطس (1876م)، وخُلع بحركة داخلية شارك فيها أخوه السلطان محمد رشيد الخامس الذي خلفه فيما بعد في 27 أبريل (1909م)، فوُضع رهن الإقامة الجبريّة حتى وفاته في 10 فبراير (1918م)، وأطلق عليه لقب “السلطان الأحمر”، وشهد حكمه العديد من الأحداث الجسام التي غيرت خريطة العالم، مثل الحرب مع روسيا وأرمينيا والعرب، إضافة إلى انهيار اقتصادي وعسكري في بلاده.
علاقته باليهود
نال عبدالحميد 20 مليون جنيه إسترليني مقابل بيع فلسطين.
النمساوي الغامض الذي فتح باب الصداقة بين هرتزل وعبدالحميد
فيليب مايكل دي نيولنسكي (1841-1899) Philipp Newlinski، صحافي يوصف بأنه سياسي نمساوي، عمل مسؤولاً عن الإدارة السياسية في السفارة النمساوية في إسطنبول واستطاع خلالها أن يبني علاقة صداقة وثيقة مع السلطان عبدالحميد. ترك العمل الدبلوماسي عام (1879) وأقام في باريس كصحافي ثم أسس وكالة أنباء في فيينا وأصدر نشرة “بريد الشرق” اليومية.
وفي العام (1896م) تواصل معه مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل وأقنعه بمساعدة الحركة الصهيونية طالبًا منه الترتيب للقاء مع عدد من القادة العثمانيين على رأسهم السلطان عبدالحميد الثاني. ومن هنا بدأت الحكاية التي أسفرت فيما بعد عن تسليم فلسطين لليهود في صفقة كبرى بين عبدالحميد وهرتزل.
يذكر تيودور هرتزل في مذكراته أن نيولنسكي أخبره بأن السلطان عبدالحميد وثق به، حتى أنه كلفه بالتوسط بين السلطنة وبين الأرمن الذين شنوا حرب استقلال ردًّا على المذابح العثمانية في حقهم، وبالفعل قابلهم نيولنسكي في بروكسل ولندن وباريس ليفاوضهم على الخضوع للدولة العثمانية مقابل عدد من الإصلاحات التي طالبوا بها ورفضها السلطان سابقًا، حيث قال نيولنسكي أن أفضل طريقة للتأثير على السلطان هي مساندته في قضية الأرمن، وهو ما أكده هرتزل في مذكراته عن اتصالات أجراها مع زعماء الأرمن في أوروبا من أجل التهدئة والقبول بعرض السلطان عبدالحميد لإصلاح العلاقة معهم.
زيارة هرتزل لإسطنبول
بعد أن كسب الوسيط النمساوي نيولنسكي ثقة السلطان عبدالحميد، بدأ في إقناعه بجدوى العلاقة مع هرتزل، وهي العلاقة التي تحولت لصداقة بين السلطان ومؤسس الحركة الصهيونية، وقد وافق السلطان على زيارة هرتزل والالتقاء بأركان حكومته، وكانت هذه الزيارة الأولى لكنها واحدة من خمس زيارات لاحقة وثقت العلاقة بين الطرفين.
وبالفعل رتب نيولنسكي زيارة لهرتزل إلى إسطنبول في 18 يونيو (1896م) وكانت زيارته الأولى، حيث بدأت بالالتقاء بابن “الصدر الأعظم” رئيس الوزراء جاويد بك، وكان السبب هو معرفة نوايا هرتزل دون أن تحسب لقاءً رسميًّا، ودار اللقاء حول ثلاثة أسئلة، الأول عن مصير الأماكن المقدسة -المسجد الأقصى- فوعده أن تكون خارج حدود الدولة اليهودية لتكون لجميع الأديان وليست لأحد بمفرده، ثم سأله عن العلاقة بين الدولة اليهودية وتركيا، فقال هرتزل: رغم رغبتي في الاستقلال لكن يمكن الوصول لتبعية صورية في الحكم كالموجودة في مصر وبلغاريا، وكان السؤال الثالث عن نوع الحكم في الدولة اليهودية، فكان جواب هرتزل: “جمهورية ارستقراطية”، فنصحه جاويد قائلاً: إياك أن تذكر كلمة جمهورية أمام السلطان لأن الناس في تركيا يخافون منها كالموت.
وفي اليوم الثاني 19 يونيو (1896م) بدأت اللقاءات الرسمية ليلتقي هرتزل مع الصدر الأعظم خليل رفعت باشا الذي استمع إليه بهدوء ثم قال: فلسطين كبيرة في أي جزء منها تفكرون؟ فقال هرتزل: إن هذا يعتمد على ما سنقدمه نحن من منافع.
وختم هرتزل جولة زيارته الأولى إلى إسطنبول بلقائه أحد رجال وزارة الخارجية، ويدعى نوري بك وعرض عليه تحرير تركيا من بعثة حماية الديون التي أثقلت كاهل السلطنة، وهي البعثة التي هدفت إلى التأكد من سداد السلطنة لديونها الدولية، وتكاد تكون أطبقت على مفاصل الاقتصاد العثماني، وهو ما سر به نوري بك بهذا لكنه سأل عن الأماكن الإسلامية في فلسطين، فطمأنه هرتزل وقال له: “تذكر أننا المشترون الوحيدون لشيء لا قيمة له أبدًا ولا يرجى منه نفع لغيرنا ومشترون بأسعار مرتفعة”.
خلال الزيارة الأولى التي قام بها هرتزل لإسطنبول، لم يستطع الالتقاء بالسلطان لكنه روى في مذكراته نقلاً عن الوسيط النمساوي: “عندما التقى نيولنسكي بالسلطان سأله عبدالحميد: هل اليهود مصممون على أخذ فلسطين بأي ثمن؟ ألا يمكن أن يعيشوا في أي بلد آخر، فرد نيولنسكي: فلسطين مهدهم وإليها يريدون العودة، فقال السلطان: لكنها مهد الأديان الأخرى كذلك، فقال نيولنسكي: إذا لم يستطع اليهود أخذ فلسطين فسوف يذهبون إلى الأرجنتين”.
غادر هرتزل تركيا في 28 يونيو (1896م) دون أن يقابل السلطان، لكنها لم تكن النهاية فقد فسرها هرتزل في رسالة بعثها بشأن مباحثاته مع السلطان العثماني إلى صادوق خان وهو كبير حاخامي باريس وفرنسا والرئيس الفخري لحركة أحباء صهيون، قال فيها: “أخذ السلطان علمًا بمشروعي “فلسطين لليهود” لقد عاملني بامتياز من عدة نواح جعلتني أفهم أنه يمكن عقد الصفقة إذا وجدنا الصيغة المناسبة. إنها مسألة حفظ ماء الوجه، وقد تلقيت العرض التالي من حاشية السلطان: يدعو السلطان اليهود بحفاوة للعودة إلى وطنهم التاريخي وليستقروا هناك بحكم ذاتي مستقلين إداريًّا وتابعين للإمبراطورية التركية ومقابل ذلك يدفعون له ضريبة”، ويتحدث هرتزل أيضًا عن اتصالاته مع سياسيين وممولين يهود في لندن وباريس بغرض إشراكهم في مشروع الدعم المالي.
بين عبدالحميد ونيوليسكي
بالتأكيد أن وجهات النظر حول فلسطين بين الوسيط النمساوي الذي مثَّل هيرتزل وبين السلطان عبدالحميد لم تكن حول مبدأ بيع فلسطين، بل حول إدارة القدس فقط، إذ تقول رسالة نشرها “مركز الدراسات الفلسطينية” بين نيوليسكي وهرتزل مفادها التالي: “السلطان قال إنه لن يتخلى أبـدًا عـن القـدس. يجـب أن يبقـى جـامع عمـر بيـد المسـلمين دائمًـا. قلـت لـه: سندبر هذا الأمر وسـنجعل القـدس خـارج حـدود الدولـة، وبهـذا لا تكـون لأحـد وحـده وتكـون للجميـع في الوقــت نفســه، المكــان المقــدس يمتلكــه كــل المــؤمنين، بلــد الثقافــة والأخــلاق المشــتركة”.
وفي إطار العلاقة المميزة بين اليهود والسلطنة العثمانية والتي تؤكدها علاقة هرتزل مع السلطان، اندفعت المنظمة الصهيونية لدعم السلطنة العثمانية ماليًّا بمبالغ طائلة، وهنا ينشر أيضًا المركز الفلسطيني للدراسات الوثيقة التالية: “اقتراح هرتزل مساعدة الدولة العثمانية ماديًّا في مقابل فلسطين. بالنص التالي: تُصرف عشرون مليون ليـرة تركيـة لنصـلح الأوضـاع الماليـة في تركيـا، نـدفع مـن هـذا المبلـغ مليونين بدل فلسطين. وهذه الكمية تستند على تحويل رأس مال من مدخول الحكومة الحاضـر الـذي هــو ثمــانون ألــف ليــرة تركيــة في الســنة. وبالثمانيــة عشــر مليونــًا تحــرر تركيا مــن بعثــة الحمايــة الأوربيــة أمــا أصــحاب الأســهم مــن الفئــات الأولى والثانيــة والثالثــة والرابعــة فســوف نحملهــم علــى الرضى بإزالة البعثة وذلك بإعطائهم امتيازات خاصة، فوائد أعلى وتمديدًا لملكية الأرض.
كلف الحاكم الجديد بتوفير الأراضي للمهاجرين وإعفائهم من التأمين.
هرتزل يراسل صديقه السلطان
“ترغب جماعتنا في عرض قرض متدرج من 20 مليون جنيه إسترليني يقوم على الضريبة التي يدفعها اليهود المستعمرون في فلسطين إلى جلالته. تبلغ هذه الضريبة التي تضمنها جماعتنا 100 ألف جنيه إسترليني في السنة الأولى وتزداد إلى مليون جنيه إسترليني سنويًّا ويتعلق هذا النمو التدريجي في الضريبة على هجرة اليهود التدريجية إلى فلسطين. أما سير العمل المفصل فيتم وضعه في اجتماعات شخصية توضع في إسطنبول”.
مقابل ذلك يهب جلالته الامتيازات التالية: الهجرة اليهودية إلى فلسطين التي لن تكون فقط غير محددة بل تشجعها الحكومة السلطانية بكل وسيلة ممكنة. يُعطى المهاجرون اليهود الاستقلال الذاتي المضمون في القانون الدولي في الدستور والحكومة وإدارة العمل في الأرض التي تقرر لهم (فلسطين كدولة شبه مستقلة)، ويجب أن يقرر في مفاوضات إسطنبول الشكل المفصل الذي ستمارس به حماية السلطان في فلسطين اليهودية وكيف سيحفظ اليهود أنفسهم النظام والقانون بواسطة قوات الأمن الخاصة بهم.
قد يأخذ الاتفاق الشكل التالي: يصدر جلالته دعوة كريمة إلى اليهود للعودة إلى أرض آبائهم. سيكون لهذه الدعوة قوة القانون وستبلغ الدول بها مسبقًا.
دور عبدالحميد في بيع فلسطين لليهود
فتح أبواب فلسطين لليهود واستجاب لمطالبهم بعزل حاكم القدس.
1. موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية (1897-1909م) د. حسان علي حلاق.
2. دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين (1876-1909م)، فدوى نصيرات.
3. مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
4. وثائق فلسطين: مائتان وثمانون وثيقة مختارة، (1839-1987م)، تونس: منظمة التحرير الفلسطينية.
5. يوميات هرتزل.