سرق الأهالي وهدم البيوت وخرب البلاد
جرائم "السفاح" خورشيد باشا في الجزيرة العربية
إذا كانت كتب التاريخ قد تناولت جرائم العثمانيين في الدرعية بالتفصيل؛ فإن جرائمهم في حق الدولة السعودية الثانية لا تقل وحشيةً ودموية عما حدث في عصر الدولة السعودية الأولى، ليؤكد العثمانيون صور الإرهاب التي مارسوها في الجزيرة العربية.
وفي الوقت الذي أرَّخت مجازر الدرعية فيه لإبراهيم باشا، باعتباره أحد سفاحي تلك الفترة، فإن حملات العثمانيين على الدولة السعودية الثانية ستعرف بروز شخصية لا تقل عنفًا ودكتاتورية عن سابقاتها، ويتعلق الأمر بخورشيد باشا الذي لا يُعرف له تاريخ ولا أصل على التحديد، إلا أنه أحد أدوات القمع التركي التي استعملها الوالي العثماني محمد علي لاستباحة مناطق واسعة من الجزيرة العربية.
في هذا السياق، فإن إرسال خورشيد باشا لإخضاع الدولة السعودية الثانية في عهد الإمام فيصل بن تركي، بعد فشل حملات إسماعيل بك، سيأخذ منحًا عنيفًا، خصوصًا بعد رفض السعوديين الخضوع لسلطة الأتراك ووصايتهم المباشرة ورغبتهم في تسيير أمورهم على نحوٍ مستقل، وتحت راية عربية خالصة بايعها أهل الحل والعقد من المسلمين الذين اجتمعت كلمتهم على أسرة آل سعود استمرارًا لما كانت عليه الأمور في عصر الدولة السعودية الأولى.
كشفت جرائمهم عن استعلائهم العرقي وكرههم لكل ما هو عربي.
ويبقى القليل من العرض التاريخي يكفي ويكف عن الاستزادة منه، ويغنينا عن غيره للوقوف على حجم الإرهاب الذي خلَّفته حملات خورشيد باشا، وهنا يقول المؤرخ السعودي عثمان ابن بشر راصدًا بعض جرائم الانكشاري خورشيد: “وفي مقام خورشيد باشا في الدلم أمر على جميع البلدان، الخرج والفرع بحنطة كثيرة من كل بلد وتمر، فأخذ منهم جميع المطلوب… وأمر على أسوار بلدانهم فهدمت”.
لقد كشفت جرائم خورشيد باشا استعلاءه العرقي، وكرهه لكل ما هو عربي رغم أنه ظل يروج بأن عداءه الشخصي للإمام فيصل بن تركي فحسب، وبأن سكان المنطقة لن يكونوا حطبًا لهذه الحرب، غير أن هذا الادعاء يصطدم مع الوقائع التي تقطع بأن “الباشا” استباح المنطقة إلى درجة اضطر معها محمد علي إلى استدعائه على عجل إلى مصر بعد حالة السخط التي خلّفها بين السكان الذين استباح دماءهم وأقواتهم ومدخراتهم.
كما استفاض ابن بشر في وصفه بالقول: “ثم رحل خورشيد من الرياض في أول ربيع الأول، وقصد ثرمدا ونزل بها واستوطنها وبنى له فيها قصرًا، ونزلت العساكر خارج البلد، ثم رحَّل إلى أهل البلدان رجالاً من العسكر وأمرهم ينظرون في خرص كل بلد، ويأخذون نصفه…فنزلت رجاله في البلدان وأخذوا من كل بلد نصف زرعها وجمعوا حنطة كل ناحية في بلد منها”.
إن استسلام الإمام فيصل بن تركي سنة (1838) ونهاية مُدَّة حكمه الأولى لم تكن إلا بداية لمرحلة من التنكيل والعنف والقسوة، التي مارسها خورشيد باشا في حق سكان المناطق التي أخضعها سواء بإشراف مباشر منه أو عن طريق بعض من استحل بهم أعراض المنطقة وخيراتها، ومن هؤلاء محمد أفندي الفاخري الذي عيّنه خورشيد على منطقة الأحساء “وأطلق يده في حكمها وجباية الأموال من سكانها دون شفقة أو هوادة…ووضع على الأهالي مظالم عديدة وكانت وطأته عليهم شديدة…وفرض العشر على الدكاكين والنجارين والغزالين والصناع والصفارين… إلى غير ذلك من المظالم التي لم تعرف قبله”.
استدعى الوالي العثماني محمد علي سفَّاحه بعد احتجاج وسخط أهالي الجزيرة العربية من جرائمه.
واستمرت سياسة النهب والسلب التي انتهجها خورشيد باشا حتى بعد عزله من طرف محمد علي باشا الذي أمره بالقدوم إلى مصر بعد تقاطُر كم هائل من رسائل الاحتجاج والرفض لسياسة “الباشا الجشع”، إذ يعلق ابن بشر على هذا الاستدعاء بالقول “ودخلت السنة السادسة والخمسون بعد المائتين والألف، والباشا في بلد ثرمدا وورد عليه الأمر بالشخوص إلى مصر، فقام بجمع “الرحايلة” من العربان، فمنهم من أطاعه ومنهم من أبى عليه…”.
من خلال ما سبق، يتبين بأن جميع القادة الذين أُرسلوا إلى جزيرة العرب لإخضاع الدولة السعودية كانوا من غلاة السفاحين وأساطين الجشعاء، وذلك يقطع بأن السلطنة العثمانية لم تكن تعتبر الجزيرة العربية أهلا ليحكمها من تخلّق بأخلاق المسلمين وتطبّع بأطباع العرب الأصليين وهو ما راكم السخط على هذه الدولة المغتصِبة، ودفع القبائل العربية إلى إعادة الالتفاف حول أسرة آل سعود طوقًا لنجاتهم وحيادًا للتحرر من نير الاستعمار واستنشاق نسيم الحرية في ظل الشريعة وتحت حكم راية الإسلام.
- أمين سعيد، تاريخ الدولة السعودية (بيروت: دار الكاتب العربي، د.ت).
- سعود بن هذلول، تاريخ ملوك آل سعود (الرياض: مطابع الرياض، 1961).
- عبدالله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية (الرياض: مكتبة العبيكان، 1997).
- عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط3 (الرياض: وزارة المعارف، 1974).
- منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية: الدولة السعودية الثانية عهد الإمام فيصل بن تركي (بيروت: دار النفائس، 1994م).