أرسله محمد علي لكونه أقوى قادته خورشيد باشا استغل فداء الإمام فيصل لشعبه

أرسله محمد علي لكونه أقوى قادته

خورشيد باشا استغل فداء الإمام فيصل لشعبه

هدأت المواجهات قليلاً في الجزيرة العربية بين جيوش الوالي العثماني على مصر محمد علي وقوات الدولة السعودية الثانية نتيجة انشغال محمد علي بحروبه في بلاد اليونان، وإخماد ما عُرِف بالثورة اليونانية، في الوقت الذي عاد فيه آل سعود لتأسيس الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن سعود ومن بعده ابنه الإمام فيصل بن تركي.

ويصف المؤرخ أمين سعيد الإمام فيصل بن تركي قائلاً: “هناك إجماع بين مؤرخي نجد الذين دوّنوا سيرة الإمام فيصل بن تركي على القول بأنه كان من الصفوة المختارة، وأنه كان يتمتع بمجموعة من المزايا والفضائل قلّ أن اجتمعت لسواه، مما أكسبه مقامًا محمودًا في نظر قومه وجعلهم يندفعون في تأييده، ويتسابقون إلى نصرته”.

ويرصد المؤرخ السعودي عثمان بن بشر جهود الإمام فيصل بن تركي في إعادة توحيد البلاد من جديد تحت حكم آل سعود، كما يشير إلى تغيّر سياسة محمد علي بعد انتصاراته في بلاد الشام، ورغبته في استعادة زمام الأمور من جديد في شبه جزيرة العرب.

من هنا أرسل محمد عليّ حملة عسكرية جديدة بقيادة إسماعيل بك، وكان يصاحبها خالد بن سعود، أحد أمراء آل سعود وكان أسيرًا في القاهرة، وأراد محمد علي تنصيبه على نجد، في إطار سياسة جديدة وهي إقامة حكم محلي من خلال أحد أمراء آل سعود الموالين له، ومن أجل استرضاء أهل نجد، الذين رفضوا أن يحكمهم غير آل سعود.

أيقن الوالي العثماني أن أهالي الجزيرة العربية لا يرضون غير آل سعود ولاةً لأمرهم، فعمل وفق هذه الاستراتيجية.

ويرصد المؤرخ عثمان بن بشر خط سير الحملة الجديدة والمعارك مع آل سعود، والانتصارات الأوَّلية للإمام فيصل بن تركي. لكن الأمر تغير بعد ذلك مع وصول القائد التركي خورشيد باشا ومعه إمدادات كبيرة من أجل استعادة الأمور من جديد في نجد لصالح محمد علي، وبالفعل استطاع خورشيد باشا السيطرة على أجزاء كثيرة من نجد ومعه خالد بن سعود، وفي تلك الأثناء تحصّن الإمام فيصل بن تركي في مدينة الدلم، بينما كان خورشيد باشا قد دخل الرياض.

وقام خورشيد وقواته بحصار الدلم، ووقعت المعركة الشهيرة المعروفة بموقعة الخراب في جهة الدلم، ولما اشتد الحصار على أهالي الدلم، وأيقن الإمام فيصل صعوبة الاستمرار في الصمود، وافق على الاستسلام.

ويشرح المؤرخ أمين سعيد أسباب قبول الإمام فيصل بن تركي وقف الحرب والاستسلام لخورشيد بقوله: “رأى الإمام بعد كل ما جرى -وكانت النجدات ترد تباعًا إلى أعدائه من جميع الجهات- أنه لا فائدة تُرجى من مواصلة القتال، وأن السلام أفضل، فأوفد مندوبًا لخورشيد لطلب الصلح، فرحب به وقال إنه مستعد لقبول جميع طلباته بشرط أن يسافر إلى مصر ويقيم بها مع من فيها من آل سعود… وفدى فيصل البلاد بنفسه ووقاها شر الخراب والدمار وإراقة الدماء، فضرب بعمله وتضحيته أحسن الأمثال على العقل والسداد”.

وبالفعل سافر الإمام فيصل بن تركي إلى القاهرة، ولكنه سرعان ما عاد إلى نجد من جديد، خاصةً بعد فشل تجربة تنصيب خالد بن سعود في إدارة البلاد، لتبدأ مرحلة ثانية من إمامة فيصل بن تركي في الدولة السعودية الثانية.

خمس سنوات أثبتت ألَّا أحد غير الإمام فيصل قادر على أن يسوس الجزيرة العربية

وبذلك يكون ذهاب الإمام فيصل إلى مصر سنة (1838م) بينما عودته رحمه الله للإمامة من جديد بعد فشل خطة الوالي العثماني محمد علي باشا سنة (1843م)، ما يعني أن انقطاع حكم الإمام فيصل لم يستمر سوى خمس سنوات تقريبًا، أيقن خلالها العثمانيون وواليهم محمد علي بأن الجزيرة العربية لا يمكن أن تستقيم ولا أن تركن لغير أئمة آل سعود.

  • عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط3 (الرياض: وزارة المعارف، 1974).
  • عبدالله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية (الرياض: مكتبة العبيكان، 1997).
  • عايض الروقي، حروب محمد علي في الشام وأثرها في شبه الجزيرة العربية (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1994).
  • سعود بن هذلول، تاريخ ملوك آل سعود (الرياض: مطابع الرياض، 1961).
  • أمين سعيد، تاريخ الدولة السعودية (بيروت: دار الكاتب العربي، د.ت).