
نهايات تاريخية
كان عنوانها الاستغاثة
في عام 897هـ/ 1492م استسلمت مدينة غرناطة، وانتهى حكم المسلمين في الأندلس، ولكن هذه القوة البحرية قامت بنقل ما يقارب من 300 ألف من المسلمين التاركين بيوتهم، والهائمين على وجوههم من الأندلس إلى المغرب وإلى الجزائر.
وصل الوفد الأندلسي إلى “إسطنبول” عاصمة الدولة العثمانية التي كان على رأسها السلطان بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الفاتح، وقام رئيس الوفد بتسليم رسالة استغاثة مؤثرة حفظها التاريخ من مسلمي الأندلس إلى السلطان . وقد ارفقت بأبيات شعرية مؤثرة تصف الحال ومنها:
شعر مؤثر للشاعر أبي البقاء صالح بن شريف يصف مأساة المسلمين في الأندلس وغدر الأعداء بهم:
سلام عليكم من عبيد تخلّفوا بأَندلسٍ بالغرب في أرض غربة
أحاط بهم بحرٌ من الردم زاخر وبحر عميق ذو ظلام ولجة
سلام عليكم من عبيد أصابهم مصاب عظيم يا لها من مصيبة
سلام عليكم من شيوخ تمزّقت شيوخهمُ بالنتف من بعد عزة
سلام عليكم من وجوهٍ تكشفت على جملة الأعلاج من بعد سُترة
سلام عليكم من بنات عواتِق يسوقهم اللبّاط قَهرا لخلوة
سلام عليكم من عجائز أُكرهت على أكل خنزير ولحم جيفة
ثم يستغيث الشاعر بسلطان الدولة العثمانية، ويعقد آماله عليه فيقول :
فها نحن يا مولاي نشكو إليكم فهذا الذي نلناه من شر فرقة
عسى ديننا يبقى لنا وصلاتنا كما عاهدونا قبل نقض العزيمة
وإلا فيجلونا جميعًا عن أرضهم بأموالنا للغرب دار الأحبة
فأنتم بحمد الله خير ملوكنا وعزتكم تعلو على كل عزة
وثم سلام الله قلت ورحمة عليكم مدى الأيام في كل ساعة
لقد كانت ردود الفعل تصفع تلك الجهود والسفارات وإذلالها ، وكان المبرر أن الدولة العثمانية كانت في ضائقة شديدة، وكانت في حرب فعلية مع المماليك من جهة، وفي مشاكل كبيرة مع الدول الأوربية، حيث نرى أنه بعد سنوات قليلة اضطرت الدولة العثمانية لإعلان الحرب على المجر وعلى بولندة.
كما اتفاق بولندة والمجر وليتوانيا ضد الدولة العثمانية سبباً آخر في عدم استطاعتهم تقديم الإغاثة والنجدة لمسلمي الأندلس، وأنها أعلنت عليها الحرب، كما كانت تعاني من وجود قلاقل وحركات تمرد وعصيان في الداخل.
ناهيك عن مشاكلها السياسية الداخلية والاتجاه لمشرق العالم لانقاذه .
وقد سجل أبو البقاء في شعره ذكر أسماء المدن التي عذب أو أحرق أهلها أو ذبحوا بالسيف قائلًا:
فسل وحرا عن أهلها كيف أصبحوا أسارى وقتلى تحت ذل ومِهنة
وسل بلفيقا عن قضية أمرها لقد مُزقوا بالسيف من بعد حسرة
وضيافة بالسيف مزق أهلها كذا فعلوا أيضًا بأهل البشرة
وأندرش بالنار أحرق أهلها بجامعهم صاروا جميعًا كفحمة
لقد بقي مسلمو الأندلس وحدهم في السجون ومحاكم التفتيش، وتجرعوا الآلام، وبادت دولتهم الزاهرة وكانت النهاية المروعة، التي ظلت من أكثر المآسي المروعة في التاريخ الإنساني.