مكارم أخلاق العرب
حوار منقول
سجَّل التاريخ لنا حوارًا دار بين الصحابي الجليل رِبْعِيِّ بن عامر ورُسْتم قائد الفرس عن الأفكار العامة للإسلام والجهاد، فماذا قيل فيه؟
خلال فتح المسلمين لفارس أرسل رستم قائد الفرس يطلب من المسلمين وفدًا للحديث معه، وذلك لرغبته الأكيدة في الصلح، أو أية وسيلة أخرى يرجع بها الجيش المسلم دون الدخول معه في حرب، فذهب رِبْعِي بن عامر ليقابل رستم، و”رِبْعي” هذا لم يكن من قُوَّاد الجيوش الإسلامية، ولكنه سيد في قومه.
إليكم الحوار..
رستم: ائذنوا له بالدخول.
فدخل “ربعي” بفرسه على البُسُطِ (السجاد) الممتدة أمامه، وعندما دخل بفرسه وجد الوسائد بها ذهب، فقطع إحداها، ومرَّر لجام فرسه فيها وربطه به، ثم أخذ رمحه، واتجه صوب رستم وهو يتكئ عليه، والرمح يدب في البسط فيقطعها، ووقف أهل فارس في صمت، وكذلك رستم، وبينما هم يفكِّرون في جلوسه جلس على الأرض، ووضع رمحه أمامه يتكئ عليه، وبدأ رستم بالكلام.
رستم: ما دعاك لهذا؟ (أي: ما الذي دفعك للجلوس على الأرض؟).
“ربعي”: إنا لا نستحب أن نجلس على زينتكم.
رستم: ما جاء بكم؟
“ربعي”: لقد ابتعثنا اللهُ لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمَن قَبِلَ ذلك منا قَبِلْنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر.
رستم: قد تموتون قبل ذلك.
“ربعي”: وعدَنا الله عز وجل أن الجنة لمن مات منا على ذلك، وأن الظفر لمن بقي منا.
رستم: قد سمعتُ مقالتك (أي فهمتُ مقصدك)، فهل لك أن تُؤجلنا حتى نأخذ الرأي مع قادتنا وأهلنا؟ فهو يطلب منه مهلة يفكر فيها.
“ربعي”: نعم، أعطيك، كم تحب يومًا أو يومين؟
رستم: لا، ولكن أعطني أكثر؛ إنني أخاطب قومي في المدائن.
“ربعي”: إن رسول الله قد سنَّ لنا ألَّا نُمكِّن آذاننا من الأعداء، وألا نُؤخرهم عند اللقاء أكثر من ثلاث (أي ثلاثة أيام فقط، حتى لا يتمكَّنوا منا ويتداركوا أمرهم)، فإني أعطيك ثلاثة أيام، بعدها اختر الإسلام ونرجع عنك، أو الجزية، وإن كنتَ لِنَصرِنا محتاجًا نصرناك، وإن كنتَ عن نصرنا غنيًّا رجعنا عنك، أو المنابذة في اليوم الرابع، وأنا كفيل لك عن قومي ألَّا نبدأك بالقتال إلا في اليوم الرابع، إلا إذا بدأتنا (أي: أنا ضامن لك أن لا يحاربك المسلمون إلا في اليوم الرابع).
رستم: أسيِّدُهم أنت؟ (أي: هل أنت سيد القوم ورئيسهم حتى تضمن لي أن لا يحاربوني؟).
“ربعي”: لا، بل أنا رجل من الجيش، ولكنَّ أدنانا يُجِير على أعلانا. (فهو يقصد أن أقل رجل منا إذا قال كلمة، أو وعد وعدًا، لا بُدَّ وأن يُنفِذه أعلانا).
وعاد رستم يُكلِّم حاشيته مرة أخرى.
رستم: أرأيتم من مَنطِقِه؟! أرأيتم من قوته؟! أرأيتم من ثقته؟! يخاطب قومه ليستميلهم إلى عقد صلح مع المسلمين، وبذلك يتجنب الدخول معهم في حرب.
ولكنهم رفضوا ولجُّوا.
وكان القتال.
وانتصر المسلمون وانتهت دولة الفرس.
ولم يكن الترك في استعلائهم وقوميتهم بأقل من ذلك، وللتاريخ بقية..