كيف أسس بعض المؤرخين

للغلو في تاريخ العثمانيين؟

لطالما كان من أبرز ما يميز المتأثرين بالعثمانيين على مر العصور هو رفع مكانة سلاطينهم إلى مراتب تتجاوز حتى الصحابة الكرام، وهو تطرف لا يجد له مبررًا إلا في التبعية والعبودية الثقافية التي تجذرت في عقول كثير من المعجبين بالدولة العثمانية. وعلى الرغم من أن بعض السلاطين العثمانيين كانت لهم شخصيات مؤثرة، إلا أن رفعهم إلى مراتب عليا وتقديسهم إلى حد تحويلهم إلى أساطير يمثل أساس الخلاف مع مفهوم “العثمنة” الذي انتشر وتوسع بشكل كبير. وكان جوهر هذا المفهوم إعادة كتابة التاريخ العثماني وتجميله بإزالة أي سلبيات، مما أدى إلى خلق صورة مثالية عن السلاطين وسلطنتهم.

المبالغة في تمجيد محمد الفاتح:

يمكننا ملاحظة هذه المبالغات في كتابات بعض المؤرخين مثل أحمد بن يوسف القرماني، الذي يبالغ في وصف محمد الفاتح إلى درجة تفوق وصف الخلفاء الراشدين، وهم من أختصهم الله بصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. يقول القرماني عن محمد الفاتح: “كان تقيًا صالحًا ملتزمًا بحدود الشريعة الإسلامية، وهو السلطان الضليل، الفاضل النبيل، أعظم الملوك جهادًا، وأقواهم إقدامًا واجتهادًا، وأكثرهم توكلًا على الله تعالى واعتمادًا. وهو الذي أسس ملك بني عثمان، وقنن لهم قوانين، صارت كالطوق في أجياد الزمان. وله مناقب جميلة، ومزايا فاضلة جليلة، وآثارٌ باقيةٌ في صفحات الليالي والأيام، ومآثرٌ لا يمحوها تعاقب السنين والأعوام.”

محمد الفاتح ولقب قيصر الروم:

لم يتوانَ العثمانيون وأتباعهم عن تبني أي لقب يفخم من شأن سلاطينهم، حتى ولو كان لقبًا مسيحيًا، وكان محمد الفاتح مثالًا لهذا الهوس بجمع الألقاب والأوصاف. من سرقتهم للقب “خليفة المسلمين” من الخليفة العباسي الذي أسروه في القاهرة ونقلوه إلى إسطنبول، إلى إضافة ألقاب عديدة على السلطان محمد خان، منها “الفاتح”، “أبو الفتوح”، “الغازي”، “صاحب النبوءة”، و”صاحب البشارة”، وأخيرًا “قيصر الروم”. وقد كان محمد خان أول من تسمى بـ”قيصر الروم” بين السلاطين. ومن المبالغات في وصفه، ما يذكره “أيتاج أوزكان” في كتابه عن السلطان محمد الفاتح: “إنه قائد الجيش الممدوح، وفارس الفرسان الطموح، إنه مُسَيِّر السفن على اليابسة، وهو أول من اخترع المدفع.”

قانون نامة: تشريع فوق الشريعة؟

على الرغم من المبالغات في تمجيد محمد الفاتح، إلا أن هذا لن يخفي حقيقة أنه سنّ قانونًا يُعرف بـ”قانون نامة”، يجيز قتل الأبناء والإخوة، وهو قانون استمر العمل به أجيالًا بعده، واستخدمه السلاطين للقتل والترويع ضد كل من يعتقدون أنه قد يهدد حكمهم أو ورثتهم. وهكذا أصبح قتل الحاكم لإخوته وأبنائه سُنة. وقد استخدم هذا القانون 14 سلطانًا من بعده لقتل إخوتهم، ومنهم سليمان القانوني الذي قتل اثنين من أبنائه وخنق أحفاده أمام والدهم. وهذه جريمة لا تُغتفر، فقد حمى الإسلام الأرواح البريئة ولم يشرع قتلها لأي سبب، فكيف يجرؤ محمد الفاتح على تشريع قانون يخالف شرع الله؟

علاقة السلطان محمد الفاتح بالمسيحية:

يشير فريد صلاح الهاشمي في كتابه “تركيا في ضوء الحقائق” إلى أن السلطان محمد الفاتح كان متفانيًا في محبة المسيحيين ومنبهرًا بآثارهم، حتى إنه كان يتردد إلى كنيسة في حي “غلطة”. وله أبيات يعبر فيها عن إعجابه بالمعالم المسيحية، وقد كتبها بالتركية العثمانية وعُربت نثرًا قدر الإمكان

تجاهلوا إعجابه بالمسيحية وقانون نامة الذي تعدى التشريع الإسلامي.

من شاهد غلطا لا يكاد يربط قلبه بالفردوس

لقيت مسيحًا في غلطا لهجته إفرنجية،

من شاهد عالم المسيح تغدو شفتاه صومعة

كيف تستطيع أن تثبت على دينك وتضبط الإيمان

يا ترى أيها المسلمون

من يرى تلك الكنيسة يغدو لا محالة كافرًا

لن يعتد بالكوثر من تجرع من ذلك الرحيق المختوم

لن يدخل المسجد من شاهد تلك الكنيسة العظيمة.”

وهذه الأبيات منقولة من ديوان السلطان محمد الفاتح، الذي حققه ونشره الدكتور محمد نور دوغان عام 2004.

  1. إبراهيم حسنين، سلاطين الدولة العثمانية (الإسكندرية: دار التعليم الجامعي، 2014).

 

  1. إيتاج أوزكان، السلطان محمد الفاتح، ترجمة: أحمد كمال (القاهرة: دار النيل، 2015).

 

  1. فريد الهاشمي، تركيا في ضوء الحقائق، دار العبر للنشر، (2014).