كيف يستميت "الإخوان" في تلميع تاريخ آل عثمان؟

استغلوا تنظيمات الإسلام السياسي من أجل تعظيم تاريخهم العنصري والاستعلائي

لا بأس أن ينطلق التحليل من الإجابة عن السؤال المركزي: لماذا يوالي الإخوان المسلمون كل أعجمي ويكرهون كل عربي؟! ثم إذا ما وقعت الكارثة حملوا المسؤولية لكل عربي وبرَّؤُوا ساحة كل أعجمي؟!

فهم الثنائي الأعجمي (تركيا وإيران) البنية السلوكية للتنظيمات المتطرفة ومنها جماعة “الإخوان”، التي لا تضع أنقرة وطهران على خارطة أجنداتها التمكينية، وإنما تجتهد في تنزيل تكتيكاتها الخبيثة على العواصم العربية فقط، لذلك استطاعت نسج تحالفات موضوعية مع بقايا المشروع العثماني في محاولة للوصول إلى الحكم في الدول العربية ولو في إطار “إيالات” إخوانية تحت السيادة العثمانية الجديدة.

زور المتطرفون تاريخ الدولة العثمانية، وقدَّسوا مؤسسها.

في هذا السياق، كان “الأمر اليومي” الذي أمرت به تركيا جحافل الإخوان هو الاعتكاف على تمجيد التاريخ العثماني، حتى ولو أدى ذلك إلى تزوير الوقائع وتزييف الحقائق. فما كان من هؤلاء إلا أن أعادوا فتح كتب التاريخ ووضعوها على ميزان الولاء للعثمانيين، فما كان تمجيدًا وتقديسًا أعادوا تأكيده وتدوينه، وما كان ذمًا وتقريعًا انتقدوه وجرحوا في كاتبه. وتعدى أمر التزوير والتجميل بالمساحيق الإخوانية والتأويلات الدينية إلى تقديس الدولة العثمانية وتقديمها في صورة لم تصلها الدولة الإسلامية حتى في صدر الإسلام.

وهنا نجد أحد “الإخوان” محمد علي الصلابي يقول عن مؤسس الدولة العثمانية: “كانت حياة الأمير عثمان مؤسس الدولة العثمانية، جهاداً ودعوة في سبيل الله، وكان علماء الدين يحيطون بالأمير ويشرفون على التخطيط الإداري والتنفيذ الشرعي في الإمارة”. وحول وصية عثمان لابنه يواصل الصلابي قائلا: “يا بني: إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين. وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلا”.

وهكذا، وعلى غير ما روت كتب التاريخ حول بدايات الدولة العثمانية وما وثقه موقع “حبر أبيض” بكل موضوعية وحيادية، قلنا على غير ذلك كله، ذهبت الكتابات الإخوانية إلى تمثيل بدايات حركة آل عثمان باعتبارها تمتح من بدايات العصر الإسلامي، ولا بأس من ضرب اللا شعور الجماعي للمسلمين من خلال إنزال قصة عثمان وابنه على قصة لقمان الحكيم وابنه، وهو الربط الخبيث الذي يجيده تيار الإخوان المسلمين، بكثير من الدهاء وغير قليل من الذكاء.

في اتجاه تمجيد وتعظيم صورة الدولة العثمانية نفسه؛ تقول إحدى الأقلام المحسوبة على التيار الإسلاموي بأن انتقاد الخلافة العثمانية هو تعبير عن غياب لفهم الصيرورة التاريخية، وطبيعة الحروب، وهو يخفي تأثرًا بحقد المستشرقين والمستغربين. ويذهب صاحبنا إلى القول بأن “مثل هذه النظرة تُحذرنا علميًا وإسلاميًا من اقتفاء أثر كتابات المستشرقين الذين نظروا إلى الخلافة نظرة حاقدة متحيزة، سببها ما ورثوه من آبائهم وأجدادهم عن الدور الذي لعبته هذه الخلافة في تاريخ أوروبا، فقد كانت جيوشها بين كر وفر حتى طرقت أبواب فيينا. إلى جانب خطأ وضع الخلافة في مصاف الدول الاستعمارية وتشبيهها بها.

إن المتابع لما دونه المؤرخون العثمانيون من العرب الحركيين؛ سيجد بأنها نشطت خلال الفترة (2001-2004) مع صعود نجم حزب العدالة والتنمية التركي، وبدايات المشروع الإيديولوجي والتوسعي الأردوغاني.

في هذا الصدد، يحاول العثمانيون الجدد استغلال تنظيمات الإسلام السياسي من أجل تعظيم دولة انتصرت تاريخيًا للعرق واللسان على حساب الدين والإنسان، ولم يثبت عنها أنها كانت متمسكة بصميم النص الديني ولا حج من حكامها سلطان واحد إلى بيت الله الحرام ولا اجتمعت فيها شروط الخلافة أصلاً. وهو المعطى الذي يدفعنا لطرح سؤال منهجي: ماذا بعد هذا التحالف الهجين بين الطرفين؟ لنجيب عليه بعد استنفاذ جميع النقاط المرتبطة بهذا الملف.

لقد ذهبت بعض الأقلام إلى وصف الدولة العثمانية بدولة “الإسلام” وبأنها مركز ثقل العالم الإسلامي التي تداعت عليها القوى الغربية من أجل تمزيق دولة الإسلام، وأخذت تضع لذلك المشروعات الكبيرة التي يُعبر عنها أحيانا (بالمسألة الشرقية) وأخرى (باقتسام تركة الرجل المريض)، وأخذت كل دولة تنتهز الفرصة وتنتحل الأسباب التي تبرر الهجوم على الدولة الإسلامية فتقتنص بعض أطرافها أو تهدد جانبا من كيانها”. 

إن مأساة الأمة الإسلامية تكمن في تزوير تاريخ المسلمين وتشويه رسالة خير المرسلين، وكذا الارتماء في أحضان إيديولوجية الآخرين. من هنا اجتهد الخوارج في لي أعناق النصوص القرآنية وتجرأت تيارات أخرى على التقول على الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم. وانتهى المطاف بجماعات الإسلام السياسي إلى تحولها إلى أداة لضرب وحدة الصف العربي خدمة لأجندات هدفها القضاء على شوكة العرب باعتبارهم العرابين التاريخيين للرسالة السماوية التي ختمت العلاقة المباشرة بين الأرض والسماء.

ولعل الشتات الذي لحق بالأمة العربية هو نتاج للسياسات العرقية والعنصرية لسلاطين الدولة العثمانية، التي تتحمل المسؤولية المباشرة في بلقنة الدول العربية مهما حاول هذا التيار أو ذاك تزييف الحقيقة أو تزوير الوثيقة. 

  1. حسام مطر، “تركيا في الشرق الأوسط بين الطموح وقيود النفوذ”، لبنان: مجلة شؤون الأوسط، مركز الدراسات الإستراتيجية، العدد 144، 2013م).

 

  1. محمد أبو رمان، ما بعد الإسلام السياسي مرحلة جديدة أم أوهام أيديولوجية (عمّان: مؤسَّسة فريدريش إيبرت، 2018م).

 

  1. فدوى نصيرات، دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين 1876- 1909 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2014).