في واقع تراجيدي حزين
استرقاق العرب...
سِفرٌ طويل للظلم والإذلال
استعمر الأتراك البلاد العربية بأبشع صور الاستغلال والاستبداد، وقاموا بتهجير السكان قوةً وقهرًا نحو المجهول، والزج بهم في أتون حروبهم من دون أن يعوا سبب هذه الحرب والمشاركة فيها.
مارس العثمانيون التعجرف والغطرسة العنصرية للعرب؛ فلم يراعِ الأتراك حرمة الدين والجوار، فقلبوا ظهر المجن، وامتلأت قلوبهم على العرب بالأحقاد والإحن، وتنكروا لكل شيء يربطهم بهم، ولم يعطوا وإنما نهبوا وأكْدوا، واخترعوا كل داهية للتنكيل والبطش، ورسموا بساطور البغي صورة مأساوية من صور العبودية والاستعباد النفسي والجسدي، خاصة إذا كان ذلك يقوم به نظام يزعم أنه دولة الخلافة الإسلامية آنذاك!.
"العثمانية"... مسيرة دمار وخراب عربي باقتدار.
وجريمة سفر برلك واحدة من تلك الجرائم الشنعاء التي ارتكبها العثمانيون فألحقت الضرر الجسدي والنفسي في حق الشعوب العربية، والدلالة النفسية لدى الإنسان العربي في بدايات القرن العشرين، توحي بالرعب والبؤس والحظ السيئ والسفر المشؤوم الذي لا رجعة منه، كما تؤكد ذلك كتابات المؤرخين الذين عايشوا تلك الفترة، فالتهجير الجماعي أو العمل سخرة دون مقابل جانبان مظلمان تشير إليهما السفر برلك، الصورة الأخرى لاستعباد الناس وقهرهم.
مرت بعض المناطق العربية بسنوات مريرة جراء سفر برلك الحكم التركي، حتى غدا سِفْرًا طويلًا من المعاناة والإذلال، فاستفحل الظلم وبلغ مبلغه، وضاق الناس بذلك، وانبرى العلماء والكتّاب والأدباء للدفاع عن العرب، وضجت أسفارهم بالتوضيح تارة والتلميح تارة أخرى، فتصدوا للمؤامرات، وكشفوا جانبًا من جوانب هذا الظلم.
كانت واقعة سفر برلك مخطط عثماني سياسي محض، لعزل المدن العربية، ومنها المدينة النبوية التي سعى العثمانيون إلى سلخ هويتها، وجعلها واحدة من مدن الدولة العثمانية ومركزا يضفي عليها الطابع التركي؛ وما (سكة الحجاز) التي قام ببنائها الأتراك إلى المدينة المنورة إلا طريق آخر للعذاب والتهجير، فلم تكن إلا لغايات سياسية صِرفة.
أضحت حادثة سفر برلك صورة من صور المآسي والثكالى تحكي مشاهد أليمة لآلاف من الأسر شُرِّدت من موطنها وهُجِّرت قسرا، حكايات من الظلم والقهر سطرتها أروقة المدينة وغيرها من المدن العربية، إنه التمرد على سنن الكون والحياة.. والامتهان للقيم النبيلة.
"سفربرلك" عمدت إلى تحويل أعداد كبيرة من المُهجَّرين العرب أرقاء.
كان العثمانيون وباءً أصاب الأمة العربية في مقتل ورمها بداءٍ عضال، فاستشرى في كل أنحاء الجسد المنهك الذي توالت عليه المصائب والأدواء، فلم تكن فلسطين وسوريا وبغداد بعيدة عن المآسي التي نالوا منها نصيبا عظيمًا من الحرب والتهجير، فقد حشد الطغاة العثمانيون الآلاف من أشد أبناء بلاد الشام فوُجهوا حيث الحرب في بلاد القفقاس، فتضوروا جوعًا وهلكوا بردًا، وعانوا من البُعد والجروح والآلام فما عاد منهم إلا خلق بسيط، فلا يخل بيت من الشام إلا وهو مكلوم بفقد أو بُعد عزيز.
ومن المنطقي أن يقنع المؤرخ بأن اللحظة التي استعمر فيها العثمانيون الأتراك العالم العربي، كانت بداية رفقة العذاب باستعباد الناس وقتلهم، فقد تشرّب العثمانيون السادية، وتعطشوا للدماء، فأخذوا قتلًا وسفكًا وإرهابًا بالعرب بسبب ودون سبب، وقتلوا من العوام والفتيان من لا ذنب لهم، ففي أربعة أيام قتل سليم الأول في مصر عشرة آلاف نسمة من أهل أحياء في مدينة واحدة، أما السلب والنهب فهي جزء من طبائعهم، فقد كان الجيش العثماني يدخل بيوت المصريين فيسرق كل ما فيها، ويبيع النساء والأطفال في سوق النخاسة، وكتب التاريخ تزخر بالأحداث الأليمة التي ارتكبها العثمانيون في مصر.
سطر التاريخ صفحات سوداء لحكم الأتراك من بني عثمان؛ تاريخ ينفث بالعبودية والإرهاب وأبشع الجرائم، لم يكن الأمر وليد ظروف سياسية محددة، أو خاصًا بفترة زمنية محددة، بل كان نمط حكم يغلب على سلاطين وقادة العثمانيين الأتراك، لقد تشبّع بعضهم إجرامًا ونزقًا في سفك دماء العرب، وكأن ذلك مبدأ متجذر ومتأصل في سياساتهم ضد العرب منذ بدايات الاحتلال التركي للأراضي العربية، وكأنها مسيرة للدمار والخراب للعرب في ظل حكمهم، فغدا واقعًا تراجيديًا حزينًا.
1. محمد الساعد، سفربرلك (الرياض: مدارك، 2018)
2. إبراهيم شعبان، الدولة العثمانية .. 6 قرون إرهاب وإخصاء وحريم، (مقال بصحيفة صدى البلد، السبت 7 سبتمبر 2019).
3. حسن الضيقة، دولة محمد علي والغرب، الاستحواذ والاستقلال (بيروت: المركز العربي الثقافي، 1997).
4. طلال الطريفي، العثمانيون ما كان حديثا يفترى، ط4 (الرياض: دار ائتلاف، 2020).
5. محمد مروان، “الإنكشارية قوة الدولة العثمانية وضعفها”، ليبيا، المجلة العلمية لكلية التربية، جامعة مصراتة، مج2، ع8، يونيو 2017.