في تراكم عنصري أسس لبنية سلوكية عامة للفرس

العرب والإسلام أبرز عُقد صادق هدايت النفسية في مؤلفاته

كراهية الفرس وحقدهم على كل ما هو عربي لا يمكن ربطها بالمعطى السياسي فقط، على اعتبار أن حَقْنَ الحقد التي تشبع به الفرس جعل من هذا السلوك جزءًا من عقيدة عنصرية تراكمت منذ قرون. ومن ثم  ساهم في تطرف “الأنا” عند الفرس، وحفر هوةً سحيقة يصعب ردمها.

لم يقتصر الحقد الفارسي على السياسيين تجاه العرب، بل امتدَّ إلى بعض المعارضين للساسة في إيران، وهو ما يقطع بأن الترسبات والتراكمات العنصرية تحولت إلى جزء من البنية السلوكية والشخصية الرئيسة للعرق الفارسي، الذي يبدو أنه وجد في أطروحة “الشعب الآري” إشباعًا للاشعور العميق المتعطش لذلك الإحساس بالأهمية والاستثناء.

ومن بين هؤلاء الأدباء الذين زاوجوا بين كراهيتهم للنظام الفارسي وكراهيتهم للعرب الأديب صادق هدايت، الذي عاش حياة قصيرة أجمع الكل على تعاستها وسوء خاتمتها، إذ انتهت بانتحاره في منزله بأنبوب الغاز المنزلي استخدمه وسيلةً لإنهاء حياته… تاركًا لمن سيكتشفون جثمانه رسالة ومبلغ ألفِ فرنك فرنسي، وكتب في رسالته: “يتوجب إعطاؤه للأهل تعويضًا بسيطًا لهم عما قد أكون سببته لهم من آلام”.

اشتهر هدايت بدراسته لتاريخ إيران في فترة ما قبل الإسلام، وكان ملمًّا باللغة الفارسية الوسيطة، وظل العرب والإسلام إشكالية مركزية في كتاباته. وإذا كانت مؤلفات صادق هدايت لم يكتب لها الانتشار في حياته بين أوساط القراء الفرس، فإن فترة ما بعد وفاته أعطت لمؤلفاته انتشارًا واسعًا بين الأوساط الأدبية، خاصة الكتب التي تناول من خلالها حياة عمر الخيام ورباعياته وروايته “البومة العمياء”.

ساهم هدايت في تشكيل خطاب فكري وأدبي وسياسي إيراني معاصر يحتقر العنصر العربي ويزدريه، ويُعلي من شأن العنصر الفارسي ويحن إلى تاريخ إيران قبل الإسلام. وقد ساهم هدايت -إلى جانب مجموعة من الأقلام الفارسية المعاصرة- في محو الهوية القومية للمجموعات العرقية التي تشكل ما يزيد عن 60% من سكان إيران، وعلى رأسها القومية الأذرية التركية، التي ينتمي إليها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.

لم يكتف صادق هدايت برسم صورة عنصرية ضد العرب، وإنما ادعى بأن عمر الخيام يتقاسم معه نفس النظرة، وهو الادعاء الذي أشار إليه في مقدمته ل “الرباعيات”، حيث يقول: “ومن ضحكاته الغاضبة، وإلماحاته إلى ماضي إيران، يبدو جليًّا أنه كان يكره أولئك العرب قطّاع الطرق، ويحتقر أفكارهم السوقية من أعماق قلبه”.

كان هدايت مهووسًا بكراهية العرب حتى وهو يفكر جديًّا في الانتحار، حيث قال: “إذا مت فسيأخذونني إلى جامع باريس، ويسلمون جسدي إلى العرب الذين لا يعبدون ربًا، وبهذا سأموت مرتين! إنني لا أطيق رؤيتهم”. وفي إحدى قصصه يواصل هدايت استهداف العرب بلغة متحاملة تَغْلِبُ عليها الذاتية فيقول: “إن العرب، على وجه الخصوص، الذين يركضون حفاة خلف السحالي، ليس بإمكان المرء أن يجد في رؤوسهم أي فكر فني، وما يعرف بأنه فنهم يعود في الواقع إلى شعوب أخرى…ففن العمارة العربي هو محاكاة سخيفة لفن العمارة الإيراني”.

لقد تفنن هدايت في محاولة انتقاص العرب وتقديمهم على أنهم عرق غير منتج، لا يعرف كيف يعيش وليس له حظ في تنمية أو فن أو ثقافة أو علوم. وبما أن فكر هدايت وشخصيته لا يعترفان بالبُعد الديني؛ فقد تجاهل أن الله اختار لختام رسالاته لسانًا عربيًّا مبينًا، وكتابًا عربيًّا يتعبد به مليار ونصف مسلم. غير أن الثابت، من خلال قراءة كتابات هدايت أنه  كان حاقدًا على الإسلام بالجملة.

إن أقل ما يقال حول توصيفات هدايت أنها متحاملة في تماهي مع الشعور العام للفرس تجاه العرب، وهو ما جعله يصف العربي بـــ “حافي القدمين بوجه أسود، وعينين متقدتين، ولحية نحيلة…عرب يرتدون أسبالًا، بوجوه غبية تحت الطرابيش، وتعابير ماكرة تحت العمامات…كان هناك نساء عربيات بوجوه موشومة قذرة، وعيون متقدة وخواتم اخترقت خياشيمهن”.

ولم يكن هدايت في المحصلة سوى نتاج بنية سلوكية فارسية عنصرية استعلائية موجهة ضد العرب، ومن ثم الوقوف على أحد معاول الصراع الفارسي-العربي الذي لا يزال يحرك منظومة القرار السياسي في إيران.

  1. إبراهيم العريس، “عمر الخيّام وأناشيده لصادق هدايت: أول دراسة إيرانية عن صاحب الرباعيات”، مقالة نشرت على موقع حفريات على الرابط https://hafryat.com

 

  1. جهاد فاضل “العرب كما يراهم الفرس”، مقالة على موقع جريدة الرياض، السعودية، ع. 15665، 15 مايو (2011).

 

  1. جويا سعد، صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث (دمشق: قدمس للنشر والتوزيع، 2007).

 

  1. صادق هدايت، أصفهان نصف الدنيا، ترجمة: أحمد حيدري (القاهرة: مسارات للنشر والتوزيع، 2015).

 

  1. يوسف عزيزي “صادق هدايت أبو الرواية الفارسية وناشر البغضاء ضد العرب”، مقالة نشرت على موقع العرب على الرابط: https://alarab.co.uk