في ثورة الحويزة (1928)

استخدم الفرس مع الثوار سياسة التفريق والاختراق لإفشالهم

صفحات الغدر البهلوي الفارسي بالأحواز العربية متعددة وممتدة؛ إذ سعى رضا شاه بهلوي إلى “تذويب القوميات المختلفة في إيران ضمن الدولة البهلوية”. ولهذا صرح رضا شاه أن جميع الشعوب القاطنة في إيران، والتي تنتمي إلى أصول غير فارسية- ومن بينهم عرب الأحواز- تعدُّ “ضمن الأمة الإيرانية”. وفي حقيقة الأمر لم يكن لهذه الأمة المزعومة من وجود في الواقع. لذلك عمد الشاه إلى الاعتداء على الثقافة والتقاليد الخاصة بالقوميات التي ضُمت عنوة إلى الإمبراطورية الإيرانية، ومنهم عرب الأحواز.

وفيما يتعلق بالأحواز، قامت طهران بفرض الطابع الفارسي بالقوة عليهم ؛ إذ لجأت إلى تغيير الاسم العربي “الأحواز” إلى اسم فارسي بديل هو خوزستان، واتبعت ذلك بفرض الصبغة الفارسية على العديد من المظاهر العربية في الأحواز، حتى وصف البعض هذه السياسة العنصرية بأن إيران على عهد الشاه رضا أصبحت “معتقلاً كئيبًا للشعوب، حيث كانت تسحق الحقوق القومية للأقليات”.

الإنجليز اعترفوا بكره عرب الأحواز للفرس وبغضهم لاحتلالهم.

أدى ذلك إلى ازدياد سخط عرب الأحواز، الذين عبرو عن ذلك بالعديد من الانتفاضات ضد التسلط الإيراني، لا سيما بعد سقوط الأحواز في عام (1925). ولعل أهم تلك الثورات العربية، ما عرف بثورة الحويزة التي اشتعلت ضد إيران في عام (1928). وترجع أسباب هذه الثورة إلى القرارات التعسفية التي اتخذتها السلطات الإيرانية ضد عرب الأحواز، وكانت أخطرها سعيها إلى تجريد عرب الأحواز من السلاح؛ لأنها أدركت أن المقاومة العربية للاحتلال الإيراني لم تهدأ يومًا. كما عمدت سلطات طهران إلى طمس الطابع العربي لأهالي الأحواز من خلال إصدار القرارات التعسفية بضرورة استبدال الأهالي زيهم العربي الأصيل، بالملابس البهلوية. كما جردت السلطات الإيرانية معظم رؤساء العشائر العربية من أغلب ممتلكاتهم وأراضيهم، في محاولة منها لإضعاف دور الزعامة الشعبية.

وأشرف الحاكم العسكري الإيراني للأحواز بنفسه على تطبيق هذه القرارات الجائرة؛ إذ جمع معظم رؤساء العشائر العربية، وأمرهم بضرورة تطبيق هذه الأوامر. وأصر الحاكم العسكري على سرعة تغيير الزعماء العرب لزيهم العربي أمامه، ولبس الملابس البهلوية. وامتثل معظم هؤلاء لهذه الأوامر.

وفي الحقيقة اعترض معظم الأهالي على ذلك، ولم يمتثلوا لهذه الأوامر، والتخلي عن سلاحهم، وزيهم القومي، والأكثر من ذلك أنهم نبذوا رؤساء العشائر العربية الذين وافقوا على هذه القرارات الجائرة. والتَفَّتِ القوى الثائرة وراء السيد محيي الدين الزئبق الذي عرف عنه الصلابة العربية، ورفضه للتسلط الفارسي على الأحواز. وبالفعل بدأت الثورة تحت زعامة الزئبق، حيث قام رجال العشائر العربية بمهاجمة المراكز الإيرانية في الحويزة، وتم القضاء على الخونة من بعض العرب عملاء طهران.

وكانت ذروة هذه الثورة عندما أعلنت الحويزة الانفصال عن إيران، واستقلالها، وعودة الحكم العربي لها. وبالفعل استمر استقلال الحويزة لمدة تقارب الستة أشهر. وأدى نجاح هذه الثورة إلى مؤازرة بعض القوى العربية المجاورة لها. وكان من أهم هؤلاء ملك العراق الذي أرسل وفدًا إلى محيي الدين الزئبق ليشد من أزره، كما أبدى استعداده لتقديم المعونة المادية والعسكرية اللازمة له. الزئبق رد بالشكر، لكنه رأى أنه ليس بحاجة إلى مساعدة ملك العراق، وأنه لوحده قادر على مواجهة السلطات الإيرانية.

ويأخذ عليّ نعمة الحلو على الزئبق هذا الموقف ورفضه للمساعدة العراقية، ويرى أن عدم التعاون العربي لم يكن في محله، وربما كان أحد أهم أسباب فشل ثورة الحويزة. ومن الأسباب الأخرى لهزيمة ثورة الحويزة، لجوء إيران إلى سياسة “فرق تسد” بعد فشلها في مواجهة الثورة؛ إذ عمدت طهران إلى إحداث الوقيعة بين محيي الدين الزئبق وبعض زعماء العشائر العربية، كما لجأت إلى شراء ذمم وولاء بعض هؤلاء، وما أشبه الليلة بالبارحة؛ إذ نجحت إيران في صناعة عملاء لها في الحويزة، عن طريق الأموال الكثيرة التي أنفقتها في هذا الشأن. وعندما دبت الفُرقة بين محيي الدين الزئبق وهؤلاء، تدخلت السلطات الإيرانية عسكريًّا، حيث كان من السهل إنهاء هذه الثورة وإلقاء القبض على الزئبق، وإرساله إلى مدينة الأحواز، ثم سجنوه.  

وترتب على قمع هذه الثورة اعتقال عدد كبير من الثوار وإعدام بعضهم. كما تم تجريد العشائر العربية من سلاحها، فضلاً عن استيلاء إيران على الكثير من الممتلكات العربية. كما فرضت السلطات الإيرانية الملابس البهلوية بالقوة واضطر العربي إلى التخلي عن زيه الأصيل. كما أبعدت السلطات الإيرانية العديد من عرب الأحواز إلى شمال إيران وأحلت محلهم عناصر غير عربية، وهاجر بعضهم هربًا إلى العراق.

ويشير تقرير رفعته المخابرات البريطانية إلى وزارة الخارجية البريطانية إلى أن: “كافة العشائر العربية غير راضية عن الوضع في عربستان، وأنها تنتظر أية إشارة للثورة ضد الحكومة الإيرانية، وأن الإدارة الإيرانية مكروهة تمامًا من شعب عربستان”.

  1. فرح صابر، رضا شاه بهلوي: التطورات السياسية في إيران 1918- 1939 (السليمانية: منشورات مركز كردستان، 2013).

 

  1. علي الحلو، الأحواز ثوراتها وتنظيماتها 1914-1966م (النجف: مطبعة الغري الحديثة، 1970).

 

  1. علي الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).

 

  1. مصلح محمد، الغزو الفارسي للأحواز والمقاومة العربية بعد الحرب العالمية الأولى (الأنبار: كلية التربية، 2020).