إيران وتركيا

إدانة تاريخية لأعمالهم العنصرية ضد العرب

وقع العرب عبر التاريخ في شَرَك قوميتين: الفارسية العنصرية والتركية الطورانية، ولعل من أهم مظاهر التشابه بين السياستين الفارسية والطورانية اضطهاد العرب، ويظهر ذلك جليًّا في سياسات التهجير التي اتبعتها إيران وتركيا مع السكان العرب في المناطق العربية التي احتلوها، والجدير بالذكر أن سياسات التهجير القسري تعتبر في عرف القانون الدولي من أفظع الجرائم ضد الإنسانية.

وإذا حاولنا رصد وتتبع ذلك في السياسة الإيرانية فإن سياسة التهجير القسري تتضح جليًّا في الاضطهاد المتعمَّد من جانب طهران تجاه السكان الأصليين العرب في منطقة الأحواز، ويبدأ ذلك منذ الغزو الإيراني لإمارة المحمرة العربية، وضمِّها إلى أملاك الشاه عام (1925)، بتواطؤ صريح بين طهران وبريطانيا التي خذلت الشيخ خزعل الحاكم العربي الشرعي للبلاد.

الفارسية والطورانية: تشابَهت الأحقاد واتفقت السياسات العنصرية.

وفي مذكرة قانونية من وجهة نظر القانون الدولي يصف عامر الديلمي ضمَّ إيران للأحواز بأنه بمثابة “احتلال وفقًا لقرارات الأمم المتحدة والعقود الدولية لإنهاء الاستعمار”، من هنا يرى الديلمي أن إيران خالفت المواثيق الدولية التي تنظم وضع “الاحتلال”؛ إذ تطور وضع الاحتلال الإيراني ليتحول إلى “الاضطهاد الفارسي لعرب الأحواز”.

والحق أن طهران بدأت منذ وقت مبكر تنفيذ سياسات التهجير في محاولة منها لإحداث تغيير ديموغرافي واسع في منطقة الأحواز، فمنذ عام (1928) عمدت طهران إلى جلب آلاف العائلات من المزارعين الفرس إلى مناطق الأحواز، هذه المناطق التي تتميز بخصوبة أراضيها، لتبدأ عملية إحلال وتبديل في عناصر السكان.

ولعل أبشع مظاهر سياسة التهجير القسري والتمييز الديموغرافي هو تشجيع طهران قيام رجال الإقطاع من الفرس على سلب أراضي الفلاحين العرب البسطاء في الأحواز، ومالكي الأراضي من العرب العاملين في مهن أخرى، مثل موظفي الخدمات وسائقي الأجرة، وحاولت طهران تبرير هذا العمل المخالف لكل المواثيق الإنسانية بأنه تم تعويض هؤلاء العرب بأراضٍ أخرى في شمال إيران! وفي الحقيقة كانت طهران تسعى من وراء ذلك إلى دفع العرب إلى ترك موطنهم في الأحواز لصالح رجال الإقطاع الفرس، مما يعتبر في حقيقة الأمر نوعًا من أنواع التهجير القسري.

واستمرت سياسة التهجير القسري لعرب الأحواز في العصر الجمهوري بعد الثورة الإيرانية في عام (1979)؛ حيث تم تهجير عدة آلاف من العرب من موطنهم، وخاصة الأراضي الخصبة على طرفي نهر كارون، كما أنشأت طهران العديد من المستوطنات الزراعية في الأحواز وجلبت لها مستوطنين فرسًا من أجل المزيد من التغيير الديموجرافي في الأحواز لصالح العناصر غير العربية.

وقد أشارت منظمة العفو الدولية إلى ذلك في تقريرها: “إن السلطات الإيرانية تصادر مساحات شاسعة من الأراضي بهدف حرمان العرب من أراضيهم، ويندرج ذلك في سياق إستراتيجية غايتها نقل العرب بالقوة من أراضيهم إلى مناطق أخرى، وتسهيل انتقال غير العرب إلى عربستان”.

ولا تختلف السياسات التركية في هذا الشأن عن السياسات الإيرانية تجاه العرب، ولعل حادثة “سفربرلك” عام (1915) خير شاهد على ذلك؛ إذ احتلت القوات التركية بقيادة فخري باشا المدينة المنورة، في محاولة لضمها مباشرةً لتركيا، وعزلها عن بقية الحجاز، خشية اشتراك المدينة المنورة في الثورة العربية التي اندلعت بالفعل بعد ذلك في الحجاز، لكن ما يهمنا هنا هو سياسة التهجير القسري التي قامت بها القوات التركية تجاه سكان المدينة المنورة؛ إذ قام فخري باشا بتحويل المدينة المنورة إلى ثكنة عسكرية حصينة.

ويصف محمد الساعد ما قامت به القوات التركية من جريمة قائلًا: “إنها قصة أهالي المدينة المنورة المروعة مع جريمة “سفر برلك”، كارثة التهجير الجماعي والقسري التي طبقتها الدولة العثمانية في حق الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، لتُخلِّف خلال خمسة أعوام مدينة منكوبة يسكنها 2000 من العسكر الأتراك، وبضعة عشرات من النساء والأطفال ممن حالفهم الحظ ونجوا من ذلك الترحيل الجماعي”.

وبالفعل قام فخري باشا بترحيل سكان المدينة المنورة قسريًّا إلى مناطق بعيدة عن وطنهم، سواء في الشام أو العراق أو تركيا، وأدَّت هذه الجريمة إلى ضرب النسيج الاجتماعي للمدينة المنورة لعدة عقود لاحقة”، ودخلت هذه المأساة ميدان الأدب؛ إذ قام الأديب السعودي مقبول العلوي بمعالجتها في رواية مهمة حملت عنوان “سفر برلك”.

واستمرت السياسة التركية فيما يتعلق بالتهجير حتى الآن، ويمكن أن نرصد ملامح ذلك في سياسة تركيا تجاه اللاجئين السوريين على أراضيها؛ إذ أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحَّلت بشكل تعسُّفي الآلاف السوريين اللاجئين إلى سوريا بين فبراير ويوليو (2022).

ودعت المنظمة تركيا إلى “إنهاء عمليات الاعتقال والاحتجاز والترحيل التعسفية للاجئين السوريين إلى شمال سوريا، وضمان عدم استخدام القوى الأمنية ومسؤولي الهجرة العنف ضد السوريين أو غيرهم من الأجانب المحتجزين، ومحاسبة أي مسؤول يستخدم العنف”، وقالت نادية هاردمان، باحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين: إن ما قامت به السلطات التركية في هذا الشأن يُعَدُّ “انتهاكًا للقانون الدولي”.

هكذا يتَّضح لنا اشتراك السياسات الإيرانية والتركية، عبر العقود التاريخية، في اضطهاد العرب، واتباع سياسات التهجير القسري ضدهم.

  1. فرح صابر، رضا شاه بهلوي، التطورات السياسية في إيران 1918- 1939 (السليمانية: منشورات مركز كردستان، 2013).

 

  1. عامر الديلمي، الاحتلال الإيراني لإقليم الأحواز العربي وقرارات الأمم المتحدة والعقود الدولية لإنهاء الاستعمار (عمَّان: دار الأكاديميون، د.ت).

 

  1. عذبي العتبى، الاحتلال الإيراني لإمارة عربستان وحق تقرير المصير لشعبها، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة الشرق الأوسط، عمَّان، 2013.

 

  1. محمد الساعد، سفر برلك.. قرن على الجريمة العثمانية في المدينة المنورة (الرياض: دار مدارك، 2013).

 

  1. مقبول العلوي، سفر برلك (بيروت: دار الساقي، 2019).

 

  1. المرصد، هيومن رايتس ووتش: تركيا رحَّلت تعسفيًّا آلاف اللاجئين السوريين، 24 أكتوبر 2022.