إيران وتركيا..
تفاهمات لإخضاع العرب!!
تبدُوان إيران وتركيا كدول متنافسة في الإقليم، لكن ذلك جزء من مظاهر السياسة الخادعة، وفي حقيقة الأمر هما متفاهمتان جدًّا في كثير من القضايا، خاصة تلك التي تخص العالم العربي، وتمارسان على الأرض سياسات تجريف ثقافية وتاريخية واقتصادية وأمنية لا تقصدان بها سوى العرب، وفي أي مكان تصلان إليه تجد آثار الحرائق التركية والإيرانية، همُّهما الوحيد كيف يقتسمان النفوذ والاحتلال متى استطاعتا.
السياسات الإيرانية والتركية تبدوان متطابقتين لحد كبير، فكلاهما يفضلان التعامل من خلال الأيديولوجيا، وكلاهما يمتلكان مقاوِلين (ميليشيا) من الباطن ينفذان سياساتهما ويقاتلون خصومهم.
صحيح أن تاريخ الدولتين كان مليئًا بالصراع والتنافس، لكن ذلك جاء في ظروف مختلفة أثناء تفكُّك العالم العربي، وخاصة في الأعوام التي تلَت 1500م، وهي الفترة التي أعقبت نشوء الدولة الصفوية في فارس، وتحوُّل أطماع الدولة العثمانية من الغزو غربًا إلى الغزو جنوب الأناضول باتجاه الأراضي العربية على يد السلطان العثماني سليم الأول.
عزَّز ذلك عدم وجود دول مركزية عربية، أسفر فيما بعد عن احتلال الفرس الصفويين للأحواز العربية، أما العثمانيون فقد استولوا على أجزاء واسعة من العالم العربي، والتي تساقطت تحت أيديهم إثر هزيمة المماليك في “مرج دابق”، ووراثة العثمانيين لممالكهم في الشام ومصر وغرب الجزيرة العربية، خاصة المدن المقدسة.
اليوم لا يبدو الأمر مختلفًا عما سبق، ولكن مع اختلاف الأدوات والسياسات، فالإيرانيون يرون العالم من خلال العراق الذي يرغبون بشدة في السيطرة عليه ليتحول إلى منصة للانطلاق باتجاه العمق العربي، تُحرِّكهم أطماعهم، وذكريات سقوط كسرى أنو شروان على أيدي الفرسان العرب.
والأتراك يعتقدون أن مجرد احتلالهم لأقاليم عربية في صدفة تاريخية يعني أن لهم الحق في استعادة ذلك الاحتلال، بل إن دولًا سلَّموها برسم المفتاح لدول استعمارية أوروبية، واحتلَّتها من بعدهم، يعود الأتراك إليها اليوم طامعين فيها، “ليبيا، سوريا، فلسطين” على سبيل المثال.
يتجلَّى التفاهم التركي الإيراني بكثافة في التعاون على دفن حقوق الأقليات، سواء تلك المشتركة مثل الأكراد المنتشرين في مناطق التماسِّ الحدودية الإيرانية التركية، أو المنفصلة، وخاصة عرب الأحواز في إيران، وعرب جنوب تركيا والشمال السوري.
التمادي الأمني والعسكري لكلا الدولتين يدعمه تفاهمات سياسية تؤمن بأن العرب مجرد قومية ليست ذات أهمية، ويجب أن تبقى في منزلة أدنى من القوميتين الفارسية والتركية، إضافة إلى أنهما يتحركان من تنكُّر ثقافي عنصري ضد الهوية العربية.
العنصرية والتنمر التركي الإيراني لم يقف عند العرب، بل امتد للأكراد الذين صادف وجودهم الجغرافي بين هاتين الدولتين؛ اذ تعتبر تركيا وإيران “الأكراد” خطرًا عليهما، ويُصِرَّان دائمًا على أن إقامة أي دولة كردية على حدودها لا يمكن السماح له، بل إن تدَخُّلهما في الحياة السياسية للأكراد العراقيين وملاحقة تفاصيلهما الاجتماعية يؤكد على أن التنسيق بينهما لا يشمل قمع الأقليات في الداخل، بل تمتد ذراع القمع إلى خارج حدودهما، وتظهر جلية في الحرب الثقافية، ومحاولة استئصال التراث الكردي، وإلغاء اللغة والحرف، فضلًا عن الملاحقات الأمنية التي تنتهي في الأغلب بالقتل والترويع الجماعي.
خلاصة الأمر أنه وبالرغم من أن الإيرانيين والأتراك يعيشان على تخوم العالم العربي منذ آلاف السنين، إلا أنهما لم يتجاوزا مربع الاختلاف والخصومة والطمع، ولم يتعاملا لا بمبدأ الجيرة، ولا بمبادئ الأخوة الإسلامية، وسيبقى لكل منهما أسبابه وعُقَده التي لم يستطيعوا تجاوزها، وهي ما يدفعهما للتربص بالعرب، ومحاولة إخضاعهم، ولو تسنَّى لهم إعادتهم إلى أسفل السلم الحضاري لفعلوا.