الاختراق الإيراني لليمن:

استراتيجية السيطرة على المضائق: هرمز-باب المندب

شكَّل الاختراق الإيراني لليمن آخر محطات التغلغل الفارسي في المنطقة العربية (في المرحلة الحالية على الأقل)، وأحد الأهداف الإستراتيجية الإيرانية التي تم تسطيرها من أجل وضع المنطقة العربية بين فكَّيِ الكماشة الإيرانية، خاصة وأن إخضاع اليمن يمكِّن الملالي من التحكم في مضيق باب المندب الحيوي، بعدما وضعوا أيديهم على مضيق هرمز الإستراتيجي.

لقد شكَّل اليمن مصدر جذب سياسي واقتصادي ومذهبي للملالي، بالنظر إلى دوره المحوري في الملاحة البحرية وإسقاطات ذلك على الدور السياسي لطهران دون إغفال البعد المذهبي المرتبط بالتقاطعات الزيدية الاثنى عشرية وأيضًا بـ”الثورة السفيانية” “التي روَّج لها علي الكوراني العاملي في كتابه (عصر الظهور)، ومضمونه يتحدث عن ثورة ستكون في اليمن، ووصفها بأنها “أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق”… وأن عاصمتها صنعاء.

شكَّل اليمن مصدر جذب سياسي واقتصادي ومذهبي للملالي.

وإذا كانت الأطماع الإيرانية في حقيقتها أطماعًا سياسية-عرقية، فقد تم تغليفها بغلاف ديني حتى يتم قبولها من طرف مَن غفلوا حقيقة الأهداف الفارسية الباطنية، وهنا نجد أحد ملاقط إيران في المنطقة -وهو حسن نصر الله- يؤكِّد هذا الادِّعاء بالقول: “ما تقوم به إيران في منطقتنا إنما تؤدي به واجبها الإلهي، وهي منسجمة مع عقيدتها ودينها”.

لقد التقت الأهواء الدينية مع الأطماع التاريخية والأهداف الإستراتيجية لتجعل من اليمن هدفًا ثابتًا في السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة وأن الإقليم سبق وأن خضع للاحتلال الفارسي قبل أن ينجح الإسلام في تحرير هذا القطر العربي من القبضة الفارسية، والواضح أن المناورات الإيرانية لم تَعُد حبيسة الكواليس والاتصالات السرية، وإنما أصبحت المطالب بإخضاع اليمن “علنية” ومباشرة، وهو ما جعل الرئيس اليمني عبد ربه منصور يتهم إيران، في أكتوبر (2012)، بالسعي للسيطرة على مضيق باب المندب الإستراتيجي، كما دعا المجتمع الدولي إلى ضرورة التحرك لوقف ما وصفَه “بالمخططات الإيرانية الوشيكة”.

إن البيئة الإقليمية المعقدة و”المتوجسة” تجعل من التواجد الإيراني في اليمن تهديدًا حقيقيًّا للخليج العربي، ولعل هذه التهديدات هي التي جعلت دول الخليج العربي تتابع وترصد وتقف للتغلغل المتزايد لإيران في اليمن الذي اتخذ أشكالًا متعددة، منها: النشاط الاستخباري، حيث إن هناك عددًا من الإيرانيين في اليمن يعملون لخدمة مصالحهم السياسية من خلال مراكز طبية متواضعة، ومن خلال فتح الباب لتسهيلات تجارية لشخصيات يمنية متعاطفة مع طهران، كذلك دعم الحركة الحوثية الإرهابية المتمردة في شمال اليمن، بالإضافة إلى الانفتاح على المكون الإخواني المتماهي مع الأطروحة الإيرانية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

ويمكن القول بأن عمليات التغلغل المتكررة قد أرخت بتعقيداتها على المشهد السياسي اليمني، وخلقت توجُّهات إيديولوجية متنافرة أخذ بعضها بُعدًا اشتراكيًّا والبعض الآخر يدَّعي تمثيل المكون السُّنِّي في اليمن، بالإضافة إلى المكون الزيدي الذي انصهر جزء كبير منه مع المشروع الإيراني في المنطقة، وهو ما ينذر بانفراط عقد اليمن الموحَّد وتحوُّله إلى دويلات مذهبية، خاصة وأن هذا المآل يمكن أن يقبل به التنظيم الإخواني في اليمن، كذلك التنظيم الحوثي، بالإضافة إلى التيار السياسي الذي ينشط في الجنوب.

ولعل ما يؤرق في الأمر هي الارتدادات الأمنية والسياسية وحتى الإنسانية للأزمة اليمنية على باقي دول الخليج العربي، والتي قد تتخذ أشكالًا متعددة، منها:

  • التهديد الأمني والعسكري للمنطقة، مع ما يرافق ذلك من تكلفة ومجهود عسكري.
  • زرع خلايا إيرانية نائمة في المنطقة، تنطلق من اليمن، وتتحرك بنوع من الأريحية في ظل مراعاة دول الجوار للوضع الإنساني في اليمن.
  • احتمال نزوح عشرات الآلاف من اليمنيين إلى حدود خليجية.
  • إمكانية تشكُّل خلايا إرهابية على المناطق الحدودية اليمنية الهشة أمنيًّا، التي تتقاطع أهدافها مع إيران في محاولة ضرب المنطقة.

إستراتيجية المواجهة:

إن البيئة الأمنية المعقدة في اليمن تحتاج إلى التفكير في إعادة صياغة رسم إستراتيجي يتوافق مع الإكراهات الأمنية والعسكرية، وهنا نرى ضرورة تحديد نقاط قوة وضعف الخصم واستهداف مراكز ثقل العدو التي تتلخص تقديريًّا في أربعة أهداف رئيسة: ضرب مراكز ثقل التغلغل العسكري المعادي الموالي لقوى خارجية، ودعم استقلال إقليم الأحواز لبناء جدار صد إستراتيجي، وحرمان إيران من أهم مصادر تمويل المجهود العسكري، كذلك الاشتغال على الواجهة الإعلامية، من خلال توعية الشعب الإيراني بحجم الإنهاك الداخلي الذي تسبَّبَت فيه السياسات التوسعية الفارسية في المنطقة، أيضًا إعادة التفكير في نسج تحالفات إقليمية جديدة تتقاطع في اعتبار إيران “حاليًّا” أخطر مهدد للأمن القومي للدول العربية عمومًا، ودول الخليج العربي بشكل خاص.  

  1. جمال واكيم، أوراسيا والغرب والهيمنة على الشرق الأوسط (بيروت: دار أبعاد، 2016).

 

  1. جهاد عبد الرحمن أحمد، “العلاقات اليمنية-الإيرانية وأثرها على أمن الخليج العربي“، مقالة نُشِرَت على موقع مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث.

 

  1. رضوان السيد، العرب والإيرانيون والعلاقات العربية- الإيرانية في الزمن الحاضر (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2014).

 

  1. سامويل راماني، الرؤية الإيرانية لمرحلة ما بعد النزاع في اليمن، مؤسسة كارنيجي، 11 ديسمبر (2019).

 

  1. كارل فون كلاوزفيتز، عن الحرب، ترجمة: سليم الإمامي (بيروت: المؤسسة العربية، 1997).