سياسة إيران مع عرب الأحواز

كبت واضطهاد وحرمان من الحقوق الاجتماعية والخَدَمِيَّة

قال الجنرال الفارسي أحمد مدني الذي عَيَّنه الخميني حاكمًا على الأحواز: “إن العرب يثيرون الشغب، وسأشرب من دمائهم إذا استمروا في الضغط من أجل المطالب”. هكذا يتعامل جنرالات إيران في العصر الحديث مع عرب الأحواز. لم يكن ذلك تهديدًا، بل كان تطبيقًا عمليًّا لاستئصال الأحوازيين وإبادتهم عرقيًّا، فلم يدخر الجنرال أحمد مدني جهدًا في قمع الأحوازيين، حيث عمد في 30 مايو عام 1979م إلى ارتكاب مذبحة “الأربعاء الأسود” في مدينة المحمرة، التي أباد فيها خلال ثلاثة أيام فقط مئات من الرجال والنساء والأطفال الأحوازيين، بذنب عروبتهم وتوقهم إلى العيش في أرضهم دون معاناة.

وما فعله مدني لم يكن خارجًا عن ذاك السياق القمعي الفارسي للأحوازيين العرب، بل إنه عودة إلى السياسة الفارسية مع العرب في التاريخ، وسنجد أحداثًا مشابهة قام بها إسماعيل الصفوي، إذ تفيد المدونات التاريخية أنه استخدم ضد الأحوازيين سياسة الإرهاب الفكري، على نحو مذهبي ذميم. إنها الثقافة الفارسية التي تعتمد على استئصال الثقافة والمعرفة من صدور الأحوازيين لإبقاء الاحتلال جاثمًا على صدورهم والسيوف الفارسية على رقابهم.

ما مارسه الفرس مع عرب الأحواز؛ سياسية غاية في القسوة والصرامة، استندت على تغييب اللغة العربية، واستبدالها بالفارسية، حيث منعت السلطات الفارسية المُحتلَّة للأحواز تعليم اللغة العربية أو كتابتها والتخاطب بها.

وعلى الرغم من التمييز العنصري الفارسي ضد العرب، وكراهيتهم، وعدم الرغبة في دمجهم في المجتمع المحلي، والنظر إليهم وكأنهم زوائد سكانية على الخريطة الإيرانية، إلا أن ذلك لم يمنع من محاولة تفريس العرب؛ ليكونوا وإن تحدثوا الفارسية أقلية منبوذة بلا هوية يعتد بها، ويتقدم عليهم الفرس ثم الآذريون والأوزبك والبلوش، وأخيرًا العرب الذي وُضِعُوا في ذيل قائمة الأعراق التي يحكمها الفرس بالحديد والنار.

وقد عبَّر الأحوازيون عن حالة القهر التي يتعرضون لها منذ قرابة 100 عام إلى اليوم بأشكال مختلفة، منها الشِّعْرُ الذي أصبح صوتَ الأحوازيين الصارخ في وجه الاحتلال الفارسي، والذي دوَّن أشكال الكبت والاضطهاد والحرمان من الحقوق الاجتماعية والخدمية التي يعاني منها عرب الأحواز، لذا كان للشعراء الأحوازيون وقفة لفضح سياسة ملالي الفرس.

كما أنه رغم محاولات الشعراء الأحوازيين؛ إلا أن الزمن بدأ يعزل أجيالاً من العرب عن تراثهم وهويتهم، وقد عبَّر عن ذلك يوسف الصرخي بقوله: “إن الأدب –العربي- الفصيح رغم قدمه ووجود عمالقة أحوازيين في اللغة والأدب كأبي الهلال العسكري وعلي بن خلف المشعشعي وأبي معتوق الحويزي وآخرين إلا أن انقطاع الشعب الأحوازي عن تاريخه وامتداده الثقافي الطبيعي بسبب تعميم الدراسة في إيران باللغة الفارسية، كذلك الثقافة والأدب الفارسي، وحظر اللغة العربية ومنع تداولها، جعل الشعب الأحوازي يعيش حالة انقطاع معرفي تام عما سبق له من تاريخ ومنجزات في الأدب واللغة”.

وقد عملت إيران على منع العربية وتداولها، ما ساهم في حالة العزل التي رسمها الفرس لعرب الأحواز، وباتت اللغة العربية جريمة في نظر حكومة إيران، بل يعامل كل من يتعامل بالعربية كأنه عدو حقيقي، وعن ذلك يقول الصرخي: “إن الكاتب أو الشاعر الأحوازي عندما يكتب باللغة العربية؛ يعدُّ معارِضا سياسيًّا وربما متهمًا ومعتقلاً أو متورطًا في قضايا سياسية وعسكرية قد توصله إلى حبل المشنقة؛ لكونه يكتب بلغة غير رسمية مشتبه بها في نظر النظام الفارسي الإيراني”.

تعامل الفرس مع شعراء العرب وكأنهم مجرمون حقيقيون، وكل من يتحدث العربية يُصَنَّفُ عدوًّا لحكومة إيران.

لم يتبق أمام عرب الأحواز إلا حفظ الشعر وتداوله، باعتباره خِزَانتهم الثقافية بعدما واصل النظام الإيراني محاولة استئصال ثقافتهم واقتلاعها، وسلخهم من إرثهم وحضارتهم العربية، وبين الشاعر محمد عامر زويدات موقف الشعر العربي في الإرث الأحوازي قائلاً: “إن من وقف خلال التسعين عامًا الماضية، وحمل لواء محاربة الاحتلال بالكلمة واخترق جميع الحواجز، ونادى بضرورة طرد المحتلين من الأرض؛ هم الشعراء الأحوازيون المقاومون، إذ استمروا بكل شجاعة يطلقون قذائف الكلمات النارية بوجه الاحتلال الفارسي للأحواز، وينددون بالممارسات الثأرية والانتقامية الفارسية ضد كل ما هو عربي”. مؤكدًا على أن أكثر طبقة تعرضت للتعذيب والتشريد والاعتقال والاغتيالات هم الشعراء، وأضاف: “هناك جيش من الشعراء الشباب في الأحواز أخذوا على عاتقهم بث الوعي القومي والوطني في الشارع الأحوازي الذي يناهض الخطابات الطائفية التحريضية التي تبثها إيران في المنطقة”.

ويبدو ذلك جليًّا عندما يصف الأحوازيون مأساتهم مع العنصر الفارسي الاستئصالي العنصري، الذي يمارس سياسة الأرض المحروقة ضد دولة الأحواز العربية المحتلة، وشعبها، ولم يكتفِ بالاحتلال، بل مارَسَ أبشع أفاعيل الاغتيال الثقافي والتجريف الحضاري على الأرض، مثل أي محتلٍّ مُتَشَرِّبٍ بالخصومة والكراهية المُسْبَقَة.

يقول الباحثان باقر الصرَّاف، وعادل السويدي في كتابهما، “هل الخليج عربي أم فارسي  وقضايا أحوازية أُخَرْ”: “لقد كانت إمارة الأحواز تتمتع باِستقلال سياسي كبير، لها حاكمها وتمثيلها السياسي الخارجي، على الرغم من ملابسات ظروف ما قبيل أو بعد الحرب العالمية الأولى، التي كانت فيها بلدان خليجية عديدة خاضعة كليًّا للحكم البريطاني المباشر، أو مرتبطة بمعاهدات مفروضة تهدف إلى تقليص حركتهم السياسية المستقبلية، وتحدد اتِّجاهات مسارها على ضوء المتطلبات الاستراتيجية السياسية للدول المستعمرة لها، ولكن هذه المنطقة العربية الحيوية: الأحواز ، والتي يسكنها حوالي عشرة ملايين مواطن أحوازي عربي، باتت تعاني اليوم، وبشكلٍ أشدّ من كل الماضي التاريخي، من رؤية فارسية سياسية مرتكزها الأساس ممارسة سياسية وعنصرية واعية من حيث الهدف والنتائج السياسيتين، قوامها تحركات إدارية استيطانية للأرض واحتلالية للتكوين الاِجتماعي والجغرافيا الوطنية، وتحركات تشريدية للسكان الأصليين، من ناحية، وتوطينية للعنصر الفارسي، ومصادرة الأرض، وتغيير طبيعتها القومية وتجريف الأنهار، ونقل المياه إلى سيستان ورفسنجان وأصفهان، والاستيلاء على كل الخيرات المادية المتوفرة فوق الأرض الأحوازية العربية وفي باطنها أيضًا، من دون تخصيص أية نسبة مئوية لمدخولاتها النقدية للصرف على إعمارها أو الإسهام في تقدمها البشري، وتغييب اللغة العربية عن كل الأطفال العرب ومنعهم من الدراسة بلغتهم الأم، وقتل المواطنين العرب بذريعة كونهم إرهابيين أو سلفيين يخالفون الدستور الإيراني القائم على الرؤية المذهبية”.

يختفي وراء الاحتلال الفارسي الإيراني للأحواز العربية هدف آخر غير التوسع والبحث عن مصادر مالية، وهو الثأر من العنصر العربي الذي هزم الفرس في القادسية، لذلك فإن الاستعمار الفارسي للأحواز تعامل مع الأحوازيين كأنهم أعداء دائمون، يجب أن يدفعوا ثمن ما فعله أجدادهم قبل 1400 سنة.

فالاحتلال الفارسي للأحواز بتواطؤ دولي جاء فعليًّا لتدمير تراث حضاري، وفُرضت ثقافة النظام الإيراني عليه قسريًّا، وأخضعوه لسياساتهم وأهدافهم العدوانية، مع تدمير عادات العرب وتقاليدهم، ومحاولة تغيير لغتهم وأسماء مدنهم وقراهم إلى أسماء فارسية، بهدف إحداث قطيعة بين الأجيال العربية الأحوازية القادمة، وتراثها المعرفي وجذورها وفك ارتباطها بأرضها التي عاشت عليها ما يزيد عن 2000 عام، بل إن عرب الأحواز عاشوا على أرضهم أقدم من الفرس المحتلين.

  1. باقر الصرَّاف وعادل السويدي، هل الخليج: عربي أم فارسي وقضايا أحوازية أُخَر (القاهرة: مكتبة جزيرة الورد، 2012).

 

  1. عافية الفيفي، “الشعر الأحوازي.. ثورة تجابه القمع الفارسي وصرخة في أذن العالم” (صحيفة الرياض، 6 أغسطس 2018).

 

  1. عامر الدليمي، الاحتلال الإيراني لإقليم الأحواز العربي (عمَّان: دار الأكاديميون للنشر، 2020).

 

  1. علي الحلو، الأحواز ثوراتها وتنظيماتها 1914-1966م (النجف: مطبعة الغري الحديثة، 1970).

 

  1. علي نعمة الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).