أسلمة التاريخ العثماني وغسل الوثنية!!
أقل ما يقال عن إعادة كتابة التاريخ العثماني أنها عملية غسيل للوثنية، وإعادة أسلمة تاريخ رموزهم، إذ لم يكن الأتراك يومًا منفصلين عن تاريخهم الوثني، لكنهم وهروبًا من حقيقة التاريخ “أسلموه“ لخدمة مشروعهم العثماني، والذي لا يمكن له أن يقوم بدون معادلة تقول: “لا عثمانية بلا إسلام“ للسيطرة على الأراضي العربية.
المشروع العثماني قائم في أساسه على السيطرة والتمكن من الشعوب العربية باسم الإسلام، ومن يقف وراء العثمنة يعلم يقينًا أنه بلا إسلام لن يتمكنوا من حكم الشعوب العربية المرتبطة بإسلامها، ولذلك يحرص المتأتركون سواء كانوا أتراكًا أصليين أو منخرطين في المشروع من تنظيمات ومقاولين من الباطن، لترسيخ المرجعية الإسلامية للعثمانية، وإعطائها صبغة الخلافة، مع أن الخلافة نفسها مسروقة ومنهوبة من العباسيين ونقلت عنوة من القاهرة إلى إسطنبول بعد احتلال العثمانيين لمصر وإسقاط الخلافة العباسية والحكم المملوكي.
الحقائق والتاريخ يقفان عقبة كبرى أمام التاريخ الوثني لبدايات الدولة العثمانية، فهو تاريخ غامض مليء بالثقوب، بالرغم من محاولة العثمانيين رتق تلك الفجوات إلا أن معظمها يسقط أمام الحقائق الطاغية، فأرطغرل الذي يعده الأتراك أبو التركية الأناضولية ونواة الدولة العثمانية مشكوك في إسلامه، ولذلك كان لا بد من أسلمته لتعميق التأثير في الوجدان العربي المسلم، ولا زال واحد من الثقوب الوثنية في التاريخ العثماني، وكذلك ابنه عثمان الذي تم تحريف اسمه من اسم تركي يُدعى “أتومان“ إلى ما يشابهه في العربية وهو “عثمان“ في عقود لاحقة. الأمر لم يقف عند عثمان وأرطغرل بل يعود أساسًا إلى الروايات التاريخية حول أرطغرل، التي تشير إلى أن والده يحمل اسم “سليمان شاه“ حسب الروايات المزورة التجميلية، بينما تقول روايات أخرى أقرب للدقة إن اسم والده “قوندوز آلب“، ويرجح بعض المؤرخين العثمانيين المعاصرين أن “قوندوز آلب“ هو والد أرطغرل غازي نظرًا لاكتشاف مسكوك نقدي كُتب عليه “عثمان بن أرطغرل بن قوندوز آلب“. أما لماذا يصر العثمانيون الجدد على أسلمة العائلة المؤسسة للدولة العثمانية، بالرغم من أن الرسول وصحابته لم يُسلم آباءهم وأجدادهم، ولم يُعبهم ذلك في شيء، لكن الإحساس بعدم أهلية وأحقية العنصر التركي بحكم العرب، دفعهم دون وجاهة لإعادة كتابة تاريخهم وتزوير الديانات والأسماء لخلق هالة أسطورية عن الآباء المؤسسين للدولة العثمانية.
أسطورية عثمان، التي يرسخها مشروع العثمنة تحذف من التاريخ وقائع لا يمكن القفز عليها، وهي أن عثمان أو “أتومان“ كان في نهاية الأمر مقاولًا من الباطن للسلاجقة واستخدموه لمحاربة البيزنطيين، بل إن إقطاع الأراضي له ولقبيلته في الأناضول لم تأت إلا ليكون سدًا بين السلاجقة والبيزنطيين الذين أنهكتهم الحروب. ومع تلك المساحة من الأراضي والتحالف بين عثمان وبين السلاجقة إلا أنه انقلب عليهم بعدما قويت شوكته وكثرت أمواله، ليخرجهم من التاريخ تمامًا، وهو ما فعله أحفاده مع الأرمن والكرد، وكذلك العرب الذين أخرجوهم من التاريخ لمدة 400 عام هي فترة الاحتلال التركي للإقليم العربي.
الأحلام العثمانية بعودة السلطنة لا تذهب غربًا باتجاه أوروبا أبدًا، لأسباب مصلحية، وكذلك إيديولوجية فالبعد الديني غير موجود، ومن الصعب تحقيق حاضن شعبي في الغرب الأوروبي، لكن الاتجاه جنوب الأناضول نحو العالم العربي يبدو أنه أكثر الاستراتيجيات التي يعمل عليها العثمانيون الجدد، التي بدأت بتجميل التاريخ العثماني وأسلمة رموزها (أرطغرل، عثمان، سليمان)، عبر الدراما وعبر المؤرخين، بهدف ثابت ثبات الحقيقة وهو السعي لاحتلال العرب من جديد، بدءًا باحتلال التاريخ وليس انتهاءً باحتلال الأراضي.