خالفوا الشريعة الإسلامية صراحةً

العثمانيون سبقوا أوروبا في شرعنة "المثلية "

سنة 1858م

طغى بعض سلاطين العثمانيين، حتى مارس بعضهم ما يخالف الفطرة الإنسانية، حين قفزوا على السلطة في لحظة تدهور للعالم الإسلامي وأصبحوا فجأة حكّامًا في أيديهم مصائر المسلمين، اعتقدوا أنه بات بإمكانهم أن يقوموا بما يريدون من دون أن يحاسبهم التاريخ على جرائمهم.

فمن ضمن الصور الحقيقية لسلاطين الدولة العثمانية أنهم أنشأوا سياجًا من السرية والغموض حولهم، اعتقادًا منهم أنه لن يعرف أحد ماذا يفعلون في قصورهم، ومن هم المقربون للسلطان والمؤثرون في حياة ملايين البشر؟! ومن كان يجرُء على اخترق هذا السياج فإن مصيره القتل الفوري، وكم أهدر بنو عثمان دماء بعض البشر لأتفه الأسباب.

ولأن الزمن كفيل بكشف الحقائق التي حاول كثير من سلاطين العثمانيين حجبها عن الناس، فإن أكثر تلك الحقائق صادمة للمؤرخين الذين اكتشفوها أو كُشفت لهم وكتبوا عنها، وغالبا ما كانت المشاهد أبشع من أن يتخيلها أحد، فلم يكن الغموض والسرية سوى سياجًا لتجنب اكتشاف أن قصور بني عثمان – في أغلب فترات حكمهم – ليست أكثر من ساحات تُمارس فيها الأفعال الماجنة، وتُقام فيها الحفلات الشاذة وتُهان فيها النفس البشرية بأحط الرغبات دناءة، ولعل البعض يظن أن الحديث عن تلك الأمور نوعٌ من التَّجَنِّي من قبل المؤرخين على الدولة العثمانية، لكن الحقيقة أن المؤرخين لم يجدوا في قصور سلاطين الترك سوى الرذيلة والعبودية.

أبرز ما توقفت عنده المصادر التاريخية، أن بعضًا من سلاطين الترك كانت لديهم ميول لغير النساء، وظهر ذلك مبكرًا في الدولة العثمانية التي عمل سلاطينها على التقرب من الطريقة البكتاشية التي تتيح لأقطابها الشذوذ كجزء من طقوس التصوف، ومن ناحية أخرى وجد أقطاب الطريقة البكتاشية أن قربهم من سلاطين الترك سيعود عليهم بالفائدة، فما كان منهم إلا أن اعتبروا بني عثمان أقطاب الطريقة بالبكتاشية وأباحوا لهم ما يخالف الفطرة الإنسانية، باعتباره وسيلة للارتقاء الروحي وتلقى المدد الروحاني من السماء، في أسوأ أنواع استغلال الدين بشكله المشوَّه.

بعد هذا التلاعب انطلق سلاطين الترك لإنشاء مؤسسة كاملة لهذا الغرض المشين، وكانت البداية في عهد السلطان بايزيد الأول (1389-1403)، الذي عُرف عنه ميله للرجال ومشاركة وزيره جاندرالي علي باشا في تنظيم حفلات المجون التي يجلب فيها الغلمان لبايزيد الأول، وقد أصبح كثيرٌ من هؤلاء الغلمان -فيما بعد- من كبار رجال الدولة حتى انتشر داخل الدولة العثمانية مثلٌ يفي بأنه لا يرتفع في المناصب إلا من كان معروفًا في تلك الحفلات الماجنة التي تخالف الفطرة السليمة.

يصف الفرنسي فيليب مانسيل في كتابه “القسطنطينية.. المدينة التي اشتهاها العالم” أن قصر الحكم في الدولة العثمانية كان عالمًا قائمًا بذاته، أما عن الغلمان فكانت لهم طقوس ومراسم، وصفها “مانسيل” بأنه حين يدخل غلام جديد يترك وحده ثلاثة أيام دون أن يتحدث إليه أحد حتى يخبره رئيس الآغاوات بأنه انضم إلى صفوف عبيد السلطان.

أما هيئة هؤلاء الغلمان، فكان شعرهم يقسم إلى ضفائر بالقرب من آذانهم ويعاملون معاملة الكلاب المقيدة بمقود من رقبتها، وكانوا إذا خالفوا قاعدة يضربون ضربًا مبرحًا، أما أوسم أربعين غلامًا فكانوا يُختارون للخدمة في غرفة السلطان الخاصة، وكانت أسرّتهم توزع على زوايا الغرفة الأربعة وفي هذا المكان ارتكبت كل الموبِقَات المخالفة للفطرة السليمة.

هؤلاء الغلمان كان يتم تهيأتهم بعد ذلك من خلال تسميتهم بأسماء زهور، كنرجس، وورد، وكلها ذات دلالات أنثوية، كما أجبروا على تعلم العزف على الموسيقى والرقص ووضع مساحيق التجميل وارتداء بِدل الرقص كالنساء.

فرضوا على الغلمان ملابس النساء.

أتفيانو بون، سفير إيطاليا في الدولة العثمانية خلال الفترة (1604-1608)، يكشف في كتابه الذي صدر منتصف القرن السابع عشر الميلادي “سراي السلطان”، أن علاقة سلاطين العثمانيين مع بعض الغلمان لم تمر مرور الكرام، فالسلطان محمد الفاتح (1444-1481)، ارتبط بعلاقة مع أحد الغلمان واستمرت تلك العلاقة حتى بات الناس يتهامسون بها، لكن لم يستطع أحد منهم قول شيء خشية القتل، رغم ذلك لم يأبه “الفاتح” بأي حديث وظلت علاقته مستمرة.

أما تفاصيل تلك العلاقة فتعود إلى عام (1433) حين استطاع السلطان مراد الثاني أن ينتصر على أمير الصرب وأخذ 70 ألفًا من الأسرى، كان منهم ولدان لأحد القادة المتعاونين مع أمير الصرب، وهم “فلا تبس” و”رادو الوسيم”، وحين تولى محمد الفاتح الحكم خلفًا لأبيه أطلق سراح “فلا تبس” لكنه احتفظ بـ “رادو الوسيم” وتعلق به ونشأت بينهما علاقة استمرت لسنوات طويلة دفعت المؤرخين إلى وصف محمد الفاتح بأنه كان مركبًا من التناقضات المحيرة.

“الفاتح” لم يكتف بذلك، فبجانب علاقته مع “رادو الوسيم” كان يختار أجمل الأطفال المخطوفين من أوروبا للعمل في غرفته، ووصل به الأمر إلى الدرجة التي دفعته إلى إجبار غلمانه على ارتداء النقاب بعد أن تملَّكته الغيرة عليهم، ما يدلل على أن مخالفة الفطرة منتشرة داخل القصر العثماني.

وفي الوقت الذي كان العالم كله يُحرم المثلية، وقد نهى عنها الإسلام بنصوص صريحة وواضحة، كان محمد الفاتح هو من أمر بتقنين الفسق بإسقاط عقوبة “اللواط” واعتبارها مباحة مع الغلام الجميل الذي يعتبر دليلاَ على جمال خلق الله!

غيرة "الفاتح" على غلمانه جعلته يجبرهم على لبس النقاب.

أما مراد الرابع (1623-1639)، فكان الأغرب من بين سلاطين الترك، ليس لكونه صاحب ميول شاذة بل لكونه رفع شعار الفضيلة والشرف فطارد شاربي القهوة، وحرَّمها، وجلد من يشرب الخمر، وأصر على جعل شواربه بصورة تجعله قويًّا ومهابًا، ولم يكن ذلك أكثر من محاولة لتعويض ما كان يشعر بافتقاده، إذ كشفت الوثائق التاريخية أن مراد الرابع كان يعشق غلامًا يدعى موسى جلبي، وكانت العاصمة العثمانية تعرف ذلك وتتندر عليه في الجلسات الخاصة بين الأهالي.

كذلك كان على نفس النهج سليم الثاني (1566-1574)، والمعروف بالسكّير، فبجانب إدمانه الخمور احتفظ لنفسه بنحو 1500 من أجمل الغلمان والآغاوات، وبلغ به الأمر إلى درجة إهداء أحد غلمانه قصرًا كانا يلتقيا فيه بشكلٍ دوري، هذا في الوقت الذي كان يجوع فيه ملايين المسلمين بسبب الفقر الذي عاشوا فيه تحت حكم بني عثمان، وعهد السكير تحديدًا.

ولأن بعضًا من سلاطين العثمانيين تعاملوا مع مخالفة الفطرة الإنسانية بتساهل وشاع بين الأتراك اقترافهم لذلك في فترات متفرقة من تاريخهم، فقد أخذ الأمر بُعدًا عامًّا في العاصمة العثمانية إسطنبول، إذ اقتُرفت المثلية بدعم غير مُعلن، وكأن فقر سكان العاصمة وقهرهم لم يكن كافيًا حتى يغرقونهم في هذا المستنقع بتذليل كافة العقبات وجعل الأمر طبَعَيًّا في حُكم المُباح.

ونتيجة ذلك تحولت الحمامات العامة والخانات إلى أوكار، وراح أصحابها يطوفون أسواق النخاسة التي روّج لها سلاطين الترك، يشترون أجمل الغلمان، خاصة الأطفال القادمين من أوروبا.

هذه الظاهرة العثمانية في مخالفة الفطرة الإنسانية لم تؤثر فقط على الناس من الناحية الدينية بل من الناحية الاجتماعية، وقد كشفت رسالة الأميرة فاطمة سلطان التي أرسلتها إلى والدها سليم الأول تشكو فيها زوجها مصطفى باشا المنغمس في الشذوذ قائلة “يا والدي السلطان، إن الدنيا ضاقت بي فقد تزوجت شخصًا لا يهتم بي ولا يعتبرني في أهمية الكلب، فكل اهتمامه هو معاشرة الغلمان وقضاء أوقاته معهم”، وتلك الرسالة عدّها مؤرخون لسان حال كثير من النساء في كثير من فترات حكم الدولة العثمانية بعد أن أصبحوا مهددين في ظل تصاعد مخالفة الفطرة.

أما عبدالمجيد الأول (1823-1861)، فقد وصل الأمر به أن أقرَّ السلطان في عام (1858) الشذوذ الجنسي من خلال فرمان قضى بإلغاء أي عقوبة للشذوذ، إذ كانت مجرد حبر على الورق، لكن بمقتضى هذا الفرمان بات الأمر أكثر رسمية، وإذنًا بفتح أماكن رسمية لذلك.

وبموجب هذا القانون تكون الدولة العثمانية قد سبقت الكثير من الدول الأوروبية والغربية في إباحة ممارسة المثلية، فبريطانيا أقرّت الشذوذ بين النساء في 1886 بعد الدولة العثمانية بنحو 3 عقود، وإيطاليا ألغت تجريم المثلية في 1890 أي بعد 32 عامًا من إلغاء العثمانيين تجريم المثلية، ولا يزال هذا التشريع ساريًا حتى بعد تأسيس جمهورية تركيا الحديثة وإلى يومنا هذا، لذلك فإن الشيء الوحيد الذي سبقت فيه الدولة العثمانية العالم كله كان الاستعباد ونشر الفسق والفجور.

  1. فيليب مانسيل، القسطنطينية.. المدينة التي اشتهاها العالم 1453-1924، ترجمة: مصطفى قاسم (الكويت: عالم المعرفة، 2015).

 

  1. أتفيانو بون، سراي السلطان، ترجمة: زيد الرواضية (أبو ظبي: مشروع كلمة، 2014).

 

  1. أحمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، ط2 (القاهرة: دار الشروق، 1986).

 

  1. شرعنة «المثلية».. من العثمانيين إلى الإخوان– صحيفة عكاظ الجمعة 10 يوليو 2020.

بعد كشف المسكوت عنه في "حرملك" العثمانيين

ما هو "ثالوث" مخالفة الفطرة الإنسانية؟

من الناحية اللغوية، تعني كلمة شذوذ، تشوّه الخلقة والخروج عن الفطرة السليمة، ووصف “العثمانية” بالدولة الشاذة ليس أكثر من وصف حقيقي لبعض سلاطين الترك.

والشذوذ في الدولة العثمانية لا يقتصر على أمر واحد خالفوا فيه الفطرة السليمة أو حتى قوانين الدول التي سبقتهم ولحقتهم، بل إن المنظومة بالكامل خالفت المألوف، سواء من الناحية الإنسانية بتأسيسهم أول مؤسسات عبودية بالكامل لاسترقاق البشر، أو من خلال النظم الاجتماعية التي عملت على تجويع الناس وإفقارهم، ووصولًا إلى قوانين القتل التي شرعنوها فقتلوا إخوتهم وأبناءهم قبل أن يسفكوا دماء المسلمين.

لذلك فإن كشف المستور عن الحرملك وتحويله على يد سلاطين العثمانيين إلى ساحة يرتكبون فيها الأفعال المخالفة للفطرة السليمة، ليس أكثر من جزء يكمل الصورة الكاملة عن بني عثمان.

ورغم أن سلاطين الترك حين أسسوا الحرملك ليجعلوه مكانًا مخصصًا لنسائهم وجواريهم، فرضوا عليه السرية التامة والقوانين الصارمة؛ بل قتلوا كل رجل غريب حاول أن يعرف ماذا يدور في هذا الجزء الغامض من قصر الحكم، إلا أنه في النهاية ظهرت الوثائق التاريخية التي كشفت كل شيء.

تلك الوثائق أوضحت أن الخروج عن الفطرة السليمة سيطر على أضلاع مثلث الحرملك الثلاثة وهم “الأطفال، الجواري، العادات الحرملكية”.

فمن ناحية الأطفال، كان السفير الإيطالي في الدولة العثمانية أتفيانو بون أول من كشف عن منظومة الأفعال المنافية للفطرة السليمة داخل الحرملك في كتابه “سراي السلطان” الذي أصدره منتصف القرن السابع عشر. ويسلط بون الضوء على العبيد والأطفال الذين تعرضوا للإخصاء كشرط للعمل داخل الحرملك، فيقول أن سلاطين الترك أطلقوا على هؤلاء الأطفال الخصيان أسماء زهور مثل ورد، نرجس، قرنفل، وهي كلها أسماء لها دلالات أنثوية أصر بنو عثمان عليها.

أجبر العثمانيون أطفال الحرملك على التسمي بأسماء ذات دلالات أنثوية.

لكن ما ذكره أتفيانو بون، ليس إلا مقدمة لسلوكياتٍ أبشع، ومشاهد لم ترد إلا في الحكايات، فكما توضح المصادر التاريخية، فإن سلاطين العثمانيين ابتدعوا ظاهرة الـ “كوجيك” منذ القرن السادس عشر، والمقصود بها الأطفال الصغار الذين يتم تربيتهم وتدريبهم على الرقص الماجن المثير، ويُجبرون على ارتداء ملابس النساء ووضع أدوات الزينة الكاملة، وكانت ملابسهم عبارة عن سترة مخملية مطرزة حمراء اللون وبنطال فضفاض فوقه تنورة طويلة وحزام من ذهب.

خضع هؤلاء الأطفال للرغبات الدنيئة لبعض سلاطين الترك بشكل شبه يومي في الحرملك، ونتيجة ذلك أصيب كثير من الـ “كوجيك” باضطرابات نفسية نتيجة إجبارهم على مخالفة فطرتهم.

وإذا كان هذا حال الأطفال والغلمان، فإن الجواري لم يَكُنَّ أفضل حالًا، فالمصادر التاريخية امتلأت بالحديث عن جواري سلاطين الترك وكيف تحولن إلى زوجات، لكن السؤال الذي لم يطرحه كثيرون ماذا عن الجواري الذين لم ينلن رضا السلطان.

ظاهرة الـ"كوجيك" دلالة على فجور بعض السلاطين.

تحدثنا المرويات التاريخية أن سلاطين الترك لم يكتفوا بقوانين الاستعباد المفروضة على الجواري داخل الحرملك، فأصدروا أول قانون في العالم يعاقب الجارية التي لا تعجب السلطان، فقد ابتدع سلاطين العثمانيين قانونًا قضى بأن الجواري اللاتي لم ينلن استحسان السلطان يُجمعن في غرف متقاربة ليقضين حياتهن مع بعضهن البعض حتى الموت.

هذا القانون الشاذ كان هو السبب في أن آلاف الجواري قضين حياتهن داخل الغرف المغلقة لا يعرفن أحدا ولا يعرفهن أحد، محرومات من أبسط حقوق العبيد، وفي النهاية تُقتل أحلامهن وتنتهي حياتهن دون أي اكتراث من السلاطين الذين تفننوا في استعباد الناس وخرجوا عن أي مألوف.

أضف إلى ذلك الحفلات الماجنة التي كان يقيمها سلاطين الترك داخل قصور الحكم، التي امتلأت بمشاهد الفسق والفجور، ويكفي القول أن العثمانيين أول من ابتدعوا الأحواض الكبيرة التي تمتلئ بالحليب ويجلس فيها الجواري قبل أن يأتي السلطان للاستحمام، ولأن بعض الجواري لم يكن لهن أي علاقة اختلاط بالرجال قبل دخول الحرملك، فإن تلك المشاهد خلقت فيهن اضطرابات نفسية جعلتهن غير سويَّات نفسيًّا طيلة أعمارهن.

فالخروج عن المألوف عند سلاطين العثمانيين لا حدود له، فخير الدين آغا، رئيس الآغوات في عهد عبد الحميد الثاني (1876-1909)، يكشف في مذكراته التي حملت عنوان “أسرار الحرم”، أن حوائط الحرملك مكتوب عليها الكثير من الأشعار الماجنة التي تساهم في الإثارة الجنسية، بل وصل الحد إلى أن بعض المؤرخين الغربيين خجلوا من تدوين كل ما كان يُكتب على تلك الحوائط لأنه فاق تصوراتهم كثيرًا.

الضلع الثالث من أضلاع المثلث، أي العادات الحرملكية التي وُصفت أيضًا بالشاذة والخروج عن المألوف، فيروي الإيطالي أتفيانو بون في كتابه “سراي السلطان” أن الشذوذ وصل إلى سلوك فتيات الحرملك حتى في طريقة تناولهن الطعام، إذ كان يُقدم لهن فوق الجلود البلغارية والأرائك، ولا بد من الجلوس بطريقة فيها إغراء للسلطان؛ ليراهن ويختار منهن من يريد.

حتى الأعياد لم تسلم من الخروج عن المألوف أيضًا، ويتضح ذلك في أحد أعياد الحرملك المُسمى “البايرام” وفيه تتحلى السلطانات بأبهى الحلي والفخامة غير المحدودة، لكن مقابل ذلك يخضعن الجواري للفقر والجوع لكي يستمتع السلطانات، كيوم خصصه سلاطين الترك للقهر والظلم.

في وسط تلك القوانين الشاذة وحياة الفسق والفجور واستعباد الجميع، لم يكن من الغريب أن يصيب الكثير من الجواري والغلمان الجنون، وهو ما يكشف عنه خير الدين آغا في مذكراته، أسرار الحرم، فأوضح أن سلاطين الترك احتجزوا الآلاف من العاملين في الحرملك فيما يشبه مستشفى الأمراض النفسية بسبب التشوهات التي حدثت لهم نتيجة ما شاهدوه وأُجبروا عليه، وظل كل هذا طي الكتمان حتى سقطت الدولة العثمانية وعرف الجميع ماذا كان يدور في هذا الجزء الغامض المسمى الحرملك في قصور الحكم.

تسببوا في إصابة الآلاف من عاملي الحرملك بأمراض نفسية.

  1. أتفيانو بون، سراي السلطان، ترجمة: زيد الرواضية (أبو ظبي: مشروع كلمة، 2014).

 

  1. أكمل الدين أوغلي وآخرون، الدولة العثمانية تاريخ وحضارة (إسطنبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، 1999).

 

  1. خير الدين آغا، أسرار الحرم في البلاط العثماني مذكرات رئيس الأغوات في قصر السلطان عبد الحميد الثاني (طرابلس: مكتبة السائح، د. ت).

 

  1. ماجدة مخلوف، الحريم في العصر العثماني (القاهرة: دار الآفاق، 1998م).

 

  1. -محمد أبوعزة، عصر السلطان عبد الحميد (بيروت: المنارة، 1997م).
  2. محمد جميل بيهم، أوليات سلاطين تركيا المدنية والاجتماعية والسياسية (صيدا: مطبعة الوفاق، 1930م).

 

  1. محمد سهيل طقّوش، تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، ط2 (بيروت: دار النفائس، 2008م).
تشغيل الفيديو

قنّنوا البغاء ونشروه في بلاد المسلمين

"العثمانية"...

الدولة التي أصدرت الفتوى الشرعية لممارسة "الرذيلة"

هل كان ما فعله سلاطين الترك من إشاعة الفسق والفجور وترويج البغاء بين المسلمين والعرب، يعود إلى طبيعتهم البشرية المُنحلّة رغم زعمهم الحكم باسم الإسلام؟، أم أن هذا منهج اتبعه بنو عثمان لتدمير العرب الذين حقدوا عليهم بعد أن تسيّد العرب العالم وحكموا بالعدل والإنصاف؟

هذا السؤال توقف عنده مؤرخون كُثر أدهشهم ما وصلت إليه الدولة العثمانية من استعباد الجسد البشري، رغم أنها ادّعت الحُكم بالإسلام الذي كرّم الإنسان وصان جسده وروحه، وسُمي سلاطينهم -زورًا- بـ”الخلفاء”.

ورغم أن ظواهر الشذوذ والدعارة قديمة قدم الإنسانية وعرفتها كل إمبراطوريات التاريخ، لكن في النهاية ظل الأمر ظواهر مجردة مُستهجنة من أصحاب الفطرة السليمة، وفي أوقات كثيرة خضع من يرتكب تلك الأفعال إلى العقاب، لكن الدولة العثمانية كانت الأولى التي لم تفعل ذلك بل قننّت الفسق والفجور وأباحته للجميع وفوق ذلك توسعت فنشرت البغاء، وهو مفهوم أوسع من الشذوذ والدعارة.

منظومة القوانين التي أباحت البغاء وشجّعت عليه لم تصدر في عهد سلطان واحد أو حقبة زمنية لها ظروف بعينها مثلًا، بل إن كثيرًا من سلاطين الترك ساهموا في ذلك وهو ما دفع المؤرخين إلى اعتبار أن بني عثمان كانوا سلاطين البغاء قولًا وعَمَلًا.

سليمان القانوني (1520-1566) قنن الدعارة بموجب فتوى أصدرها من مفتي دولته أبو السعود أفندي عام (1531)، مكملاً في ذلك مسيرة محمد الفاتح (1444-1481) في إسقاط عقوبة اللواط، وفي فترة متأخرة عهد عبدالمجيد الأول (1823-1861) الذي أمر بفتح بيوت لأفعال الشذوذ دون أي عقوبة.

سليمان القانوني أصدر أول قانون لإباحة البغاء.

أما كيفية تقنين البغاء في عهد سليمان القانوني، فإنه بالعودة إلى السياقات التاريخية في عام (1531) تمرَّدت القبائل الغجرية ضد سلاطين الترك، ولإحتواء تلك الأزمة بحسب ما ذكر المؤرِّخَينِ “أحمد آقكوندوز وسعيد أوزتورك”، وهما من أبرز المدافعين عن بني عثمان،  في كتابهما “الدولة العثمانية المجهولة”، لجأ سليمان القانوني لتأسيس “سنجق الغجر” وهو قانون يقضي بتشكيل كتائب عسكرية من الغجر تحت ولاية حاكم الغجر وهو ما عرف فيما بعد بـ “قانون الغجر في إيالة روم إيلي”. وتضمن هذا القانون -لأول مرة- فرض ضرائب على الممارسات الجنسية غير المشروعة للغجريات، وهو أول تقنين رسمي للبغاء، وبلغت الرسوم وقتها مائة أقجة شهريًّا من نساء الغجر.

ورغم محاولات المؤَرِّخَين “أحمد آقكوندوز وسعيد أوزتورك”، إظهار أن تقنين البغاء كان لظروف بعينها أرغمت سلاطين الترك لاتخاذ هذا القرار، فإن الحوادث التي وقعت بعد ذلك تقول: إن هذا غير صحيح وأن نشر الفجور لم يكن إلا منهجية لدى سلاطين الترك، فبعد أن تحوّلت بلادهم إلى حانات وبيوت للدعارة، بدأوا في الترويج لذلك في الوطن العربي.

وأسباب كثيرة تشير فيها المصادر التاريخية إلى هذا الفعل العثماني، منها أنهم قصدوا بتصدير البغاء، تفكيك وحدة الأسرة الإسلامية ونشر التَّفَسُّخ والرذيلة مقدمةً للتحكم في الجميع، بالإضافة إلى خلق جيل جديد ليس لهم هَمٌّ سوى الملذّات وتلبية الرغبات، هو أمر يصب في النهاية في مصالحهم، وكما أكدت المرويات التاريخية فإن هذا كان أحد أسباب ضعف العالم العربي حتى القرن العشرين قبل أن يُطْرَدَ الأتراك منه.

الشام كانت الساحة الأقرب والأكبر التي استطاع فيها باشوات الدولة العثمانية نشر الظواهر الشاذة، وكما يوضح المؤرخ السوري أحمد البديري في كتابه “حوادث دمشق اليومية”، فإنه في عصر الدولة العثمانية “زاد الفساد وظُلِم العِباد وكَثُرَت بنات الهوى في الأسواق في الليل والنهار كاشفات الوجوه سادلات الشعور”.

ولم يكن نفوذ بائعات الهوى بالخفي عن أحد، رغم وجودهن في مجتمعات محافظة كبلاد الشام، لكن في النهاية هن في حماية سلاطين الترك الذين لم يكترثوا لأحد، ويروي “البديري” أن هناك واحدة من بنات الهوى عشقت غلامًا تركيًّا فمرض، فنذرت على نفسها إن عوفي لتقيمن له مولدًا وحين عوفي الغلام، جمعت مومسات البلد ومشين في أسواق الشام حاملات الشموع والقناديل وهن يغنين ويصفقن بالكفوف فما كان من الأهالي إلا الصياح بـ”الله أكبر” قاصدين أن الله قادر على تخليصهم من بني عثمان سلاطين البغاء.

وبدلًا من أن يلتفت سلاطين الترك إلى حدود البلاد وتأمينها ، وتوفير حياة آمنة للمسلمين، خصصوا فرقًا عسكرية كل مهمتها الإشراف على البغاء، وهذا ما حدث في القاهرة كما يوضح المؤرخ العثماني أوليا جلبي، الذي يكشف كتابه “الرحلة إلى مصر والسودان والحبشة” أن مهنة البغاء التي نشرها سلاطين الترك في القاهرة كانت تجري تحت إشراف فرق الأوجاقات العسكرية العثمانية، كما أن شبكات الدعارة في القاهرة اتخذت شكلًا تنظيميًّا ينقسم لبغايا ودياثة وقوَّادين.

ويلقي محمد نيازي في كتابه “جرائم البغاء – دراسة مقارنة” مزيدًا من الضوء على مؤسسات البغاء في القاهرة، فيوضح إنه في الربع الأخير من القرن السابع عشر، كان البغايا يُسَجَّلن في سجلات الشرطة وتحصى أعدادهن، وتحفظ الشرطة هذه السجلات التي تضم أسماء محترفي البغاء من النساء والذكور لأغراض الضرائب.

كما يوضح عبد الوهاب بكر في كتابه “مجتمع القاهرة السري” أن هناك ثلاثة قادة أشرفوا على مهنة البغاء في مصر، أحدهم في القاهرة والثاني في بولاق والثالث في مصر القديمة، وهي مناطق مصرية متفرقة، وكانوا جميعا تحت إدارة قائدة الشرطة، وهو ما يعني أن الدولة العثمانية اعتمدت البغاء ركيزةً أساسية في حكمها.

أصبح "البغاء" تجارة جنوا منها الضرائب.

وفي الجزائر اكتُشف بُعدٌ آخر لمنظومة البغاء عند سلاطين الترك، فالمؤرخ الأميركي وليام سبنسر يقول في كتابه: “الجزائر في عهد رياس البحر” أن مهنة البغاء في الجزائر كانت على أساس الاستعلاء التركي، ففي الوقت الذين جعلوا فيه نساء كافة الأعراق متاحات أمام تلبية الغرائز الحيوانية لجنود العثمانيين، تشددوا في منع التركيات من ممارسة هذا الفعل المشين، ووضعوا حراسة خاصة على التركيات خصيصًا لمراقبتهن.

هذا الاستعلاء العرقي بإتاحة النساء غير التركيات للبغاء، أدى في النهاية إلى خلق ظاهرة أخرى أبشع وهي أن جنود سلاطين العثمانيين -خاصة الإنكشارية-، كانوا يُفَضِّلون الانخراط في الحروب في الشام ومصر والجزائر من أجل الاستمتاع مع البغايا؛ إذ إن التركيات ممنوع عليهن ذلك إلا مع السلطان.

كما تُرجح مصادر تاريخية أن قوام الضرائب الرئيسي في عصر الدولة العثمانية كان يأتي من تجارة البغاء وأسواق النخاسة التي انتشرت في كل البلاد التي حكمها سلاطين العثمانيين الذين شجّعوا هذا ورّوجوا له.

  1. أحمد آق كوندوز وسعيد أوزتورك، الدولة العثمانية المجهولة (إسطنبول، مكتبة عمرو توران، 2008).

 

  1. وليام سبنسر، الجزائر في عهد رياس البحر (الجزائر: دار القصبة للنشر، 2011).

 

  1. أحمد الحلاق، حوادث دمشق اليومية (القاهرة: مطبعة لجنة البيان العربي، 1959).

 

  1. أوليا جلبي، الرحلة إلى مصر والسودان والحبشة (القاهرة: دار الآفاق العربية، 2006).

 

  1. محمد حتاتة، جرائم البغاء – دراسة مقارنة (القاهرة: مكتبة وهبة 1983).

 

  1. عبد الوهاب بكر، مجتمع القاهرة السري 1900–1951 (القاهرة: مؤسسة العربي، 2001).