بأسلوب العقاب الجماعي

النظام التركي يكرِّس المنهج العثماني القديم في التعامل مع الأكراد

يقول الجنوب أفريقي نيسلون مانديلا: “الرجل الذي يحرم رجلا آخر من حريته هو سجين الكراهية والتحيز وضيق الأفق”. وهو ما ينطبق على تعامل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الأكراد على غرار تاريخ العلاقة بين السلاطين العثمانيين والكُرد، وهذا ما يؤكد الثبات التاريخي في تعاطي الأتراك مع القضية الكردية من خلال ثنائية الاحتواء والقمع دون إبداء رغبة صادقة للاستماع إلى مطالب هذا الشعب المسلم، الذي يطالب بوجوده بصيغة تعاقد سياسي تمنحه هامشًا من الحرية لممارسة شؤونه الإدارية والاقتصادية في إطار لا مركزي موسع تحت سيادة تركية.

في هذا السياق، استغل أردوغان الغطاء الأوروبي والغطاء الأميركي، اللَّذَين يصنفان حزب العمال الكردستاني “جماعة إرهابية”، من أجل شرعنة الاستهدافات الوحشية ضد شعب من أقدم الشعوب الأصيلة في المنطقة. ويبدو أن أنقرة استغلت هذا التصنيف من أجل توسيع دائرة حدودها على حساب دول الجوار التي تعيش حالة من الاحتراب الداخلي وذلك تحت مبرر حماية عمقها الحيوي من التهديدات “الإرهابية”.

في 28 من ديسمبر 2011 يناير، استهدف سرب طائرات تركية مجموعة من الأكراد كانوا في رحلة تهريب اعتيادية بين الأراضي الكردية، وهو النشاط الذي كان منتشرًا في هذه المنطقة ويتم أمام مرأى ومسمع عناصر الجيش التركي، والمحصلة قتل 34 كرديًا أغلبهم دون سن الثامنة عشر في عملية وحشية لازالت ذكراها عالقة في مخيلة الأكراد.

رفضت تركيا الاعتراف بجريمة قصف وقتل 34 كرديًّا أكثرهم أطفال سنة (2011م).

رفضت تركيا الاعتراف بالجريمة وتمسكت بأن الغارات استهدفت “العناصر الإرهابية” التابعة لحزب العمال الكردستاني، قبل أن تتراجع تحت تأثير الصور والفيديوهات التي توثق الجريمة، وتحت ضغط المطالبات التي نادت بـ “ضرورة تحقيق شفاف، وإعلان المسؤولين عن الجريمة، وتقديمهم للمحاكمة وتحقيق العدالة”.

وتجدر الإشارة إلى ندرة المصادر الأصلية المعتمدة التي يمكن اللجوء إليها لتوثيق هذه المجزرة بالنظر إلى التعتيم الإعلامي الممنهج الذي مارسته السلطات التركية حول الحادث، باستثناء الكتاب الاستقصائي الذي ألفته الصحفية الهولندية فريدريكا خيردينك بعنوان “مات الأولاد: مجزرة روبوسكي والمسألة الكردية في تركيا”، وهو المرجع الوحيد الذي يوثق لهذه الجريمة بتفاصيل تغني الباحث عن غيره من الكتابات التي تناولت هذا الحدث الوحشي الأليم.

فالدقة التي تناولت من خلالها الصحفية الهولندية الأحداث استفزت السلطات التركية التي أطلقت عليها لقب “عاهرة الإرهابيين”، خاصة بعد الاستنتاجات والخلاصات التي توصلت إليها والتي تتلخص في أن “القتل كان متعمدًا يستهدف الشعب الكردي”. هذه الخلاصة التي صدرت بقلم صحافي محايد دفعت أنقرة إلى طرد الصحفية فريدريكا سنة (2015)، ومنعها من دخول تركيا.

"أنقرة" طردت الصحافية الهولندية فريدريكا خيردينك؛ لأنها أثبتت أن قتل الأبرياء الكُرد كان متعمدًا.

شكل حصار منطقة صور وسط ديار بكر استمرارًا للمقاربة الخشنة التي تتبناها أنقرة في تعاملها مع مطالب الشعب الكردي. وحسب الرواية التركية فإن حصار المنطقة جاء على خلفية إعلان بعض النشطاء في منطقة صور الحكم الذاتي وهو شكل من أشكال اللامركزية الإدارية ولا علاقة له بأي مطلب انفصالي أو استقلالي.

في هذا السياق، ورغم أن هذه المبادرة كانت مصادرها بعض العناصر الكردية إلا أن الأتراك فرضوا حصارًا خانقًا على أجزاء كبيرة من مدينة ديار بكر، وهو ما نتج عنه العديد من القتلى المدنيين الذين تقدر أعدادهم، حسب إحصائيات منظمة العفو الدولة، بـ 368 شخصًا بالإضافة إلى تهجير أكثر من 24 ألف شخص من صور لوحدها.

استمر حصار هذه المناطق من كردستان إلى أكثر من ثلاثة أشهر، وكانت كافية لخنق اقتصاد المنطقة وتجويع سكانها ودفعهم قسرًا إلى مغادرة بيوتهم في ظروف سيئة. هذا الوضع يصفه تقرير منظمة العفو الدولية في يناير (2016) بالقول: “سكان يقطنون مناطق لا يستطيع مراقبون من الخارج دخولها حاليًا، تُظهر الظروف الصعبة التي يكابدها هؤلاء السكان حاليًّا نتيجة للإجراءات القاسية والتعسفية”.

لجأ النظام التركي إلى نهج أسلوب العقاب الجماعي في حق سكان مدينة ديار بكر بالنظر إلى رمزيتها السياسية والتاريخية، وهو ما أجج مشاعر العداء تجاه نظام أردوغان في ظل سياسة التجويع والحصار التي مارستها أنقرة، والتي وصفها جون دالهوسين مدير برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية بالقول: “إن عمليات قطع إمدادات المياه والتيار الكهربائي، مضافًا إليها مخاطر الحصول على الطعام والعناية الطبية؛ بينما تتعرض تلك المناطق لإطلاق النيران تؤثر كلها بشكل كارثي على السكان”.

من خلال واقعة قصف روبوسكي وحصار ديار بكر يتبين أن النهج التركي تجاه مطالب الأكراد يمثل استمرارًا للسياسة الاستئصالية التي مارسها الساسة الأتراك لقرون في حق شعب سبقهم إلى التاريخ وإلى الأرض، وكانت له مساهمة حاسمة في بناء أركان الدولة العثمانية عندما كان المؤسسون الأوائل على هامش التاريخ وخارج إطار الجغرافيا.

  1. بدرخان علي، “لأننا كُرد”: حكاية مذبحة “روبوسكي” وخُرافة النظام القضائي التركي”، مقالة علمية نشرت على موقع حفريات، 9 يناير (2020).

 

  1. فريدريكا خيردينك، “مات الأولاد، مجزرة روبوسكي والمسألة الكردية في تركيا”، ترجمة: كيفورك خاتون وانيس (بيروت: دار الفارابي، 2018).

 

  1. تقرير منظمة العفو الدولية (يناير 2016) حول حصار منطقة صور مركز مدينة ديار بكر.

بسياسة شيطنة الأبرياء

أردوغان كسر "غصن الزيتون" بغاز "النابالم" السام في "عفرين"

تقف خلف عملية غصن الزيتون التي أطلقها الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان مدينة كردية سورية صغيرة اسمها عفرين، التي تُعد مفتاح احتلال سوريا الكبرى عندما تحين الفرصة التاريخية التي يتخيلها العثمانيون الجدد. ولأن الترك يرون في الأكراد العقبة الكبرى في طريقهم لاحتلال البلاد العربية جنوبًا، فكان لا بد من إزاحة عفرين من طريقهم تحت مسميات وحيل كبرى، أبرزها عملية “غصن الزيتون” أو كما يحلو للكثير تسميتها بـ”سيف الزيتون”؛ لأنها لم تحافظ على الدم السوري الكردي بل أراقته وقتلته وهجرت سكانه.

بحسب دراسة لقسم الدراسات العلمية التابع للبرلمان الألماني “بوندستاغ”، فإن التدخل العسكري التركي في منطقة عفرين السورية يُعدُّ اختراقًا للقانون الدولي، حيث خلصت الدراسة إلى أن “عملية غصن الزيتون” تفتقد للشرعية استنادًا إلى قانون 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك لغياب الأدلة على وجود تهديد على أمن تركيا القومي. وقد كشف عن نتائج هذه الدراسة مكتب القناة الأولى الألمانية في العاصمة التركية أنقرة.

دراسة "البرلمان الألماني" أثبتت اختراق أردوغان للقانون في سوريا.

كما أكدت الدراسة إلى أنه لم يعثر على أي أنباء أو تقارير إعلامية، لا تركية ولا دولية، توثق اتهام الأكراد بإطلاق الصواريخ كما تزعم تركيا في تبريرها للهجوم على عفرين. بينما تسعى تركيا في حربها ضد أكراد سوريا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف حسب دراسة نشرتها دور فكر عربية.

وبحسب الباحث بدرخان علي فإن الحكومة التركية تطمح من منطلقٍ تَوَسُّعيٍ في المنطقة إلى تحقيق مخيلة تاريخية فضفاضة، وذرائع أمنية إلى السيطرة على مناطق واسعة من شمالي سوريا والعراق، وخصوصًا الكردية منها، لمحاربة النهوض الكردي في الداخل التركي أو خارجه بحسب زعمهم. حيث تكتسب منطقة عفرين أهميةً خاصةً لدى تركيا، وذلك لقربها من لواء إسكندرون، الذي يعدُّ عربيًّا بحسب التاريخ، والذي يمثل أهمية البالغة، وقد احتلته تركيا عام (1939) في فترة الانتداب الفرنسي على سوريا، بالتواطؤ مع السلطات الفرنسية.

الخيال السياسي للنظام التركي يعاني من طموحات فضفاضة ثمنها فقدان الإنسانية والتعايش.

يُشكّل المكوّن الكردي غالبيةً مطلقة في المنطقة بنسبة أكثر من 95% بحسب تقديرات الكثيرين من الباحثين وسكان المنطقة. بينما كانت تسمى في العصر العثماني بـ”كرداغ” (جبل الأكراد باللغة التركية)، وبقيت هذه التسمية إلى بدايات العهد الوطني في سوريا ثم استبدلت بتسمية جبل الأكراد. وتتميز المنطقة بتضاريسها الجبلية الصعبة التي ضاعفت من الامتعاض التركي إزاء وضع هذه المنطقة.

نشر الإعلام التركي موادًا كثيرة حول هذه الجزئية وجرى تضخيمها بناءً على تصورات تزعم أنّ هناك دولة كردية تتشكل، وسيكون لها منفذٌ بحري على المتوسط عبر الساحل السوري، أو عبر ميناء إسكندرون على البحر المتوسط المحتل من الأتراك، وتطمح لبيع النفط مباشرة عبر هذا الميناء.

وفي 8 أكتوبر (2017) صرّح الرئيس التركي أردوغان بوضوح: “لن نسمح أبدًا بممر إرهابي يبدأ في عفرين ويمتد حتى البحر المتوسط”، علمًا بأن هناك مسافة حوالي 150 كم تفصل عفرين عن الساحل السوري، تتوسطها محافظة إدلب وريف اللاذقية الشمالي التي تخلو من سكانٍ أكراد.

وتحت هذا القناع تختفي سيوف أردوغان التي تنفذ أبشع عمليات التطهير العرقي لأكراد سوريا، رغبة في تغيير الجغرافيا والتاريخ لصالح أحلام وأطماع تركيا في الاندفاع جنوبًا نحو الشام ثم بقية البلدان العربية. وكعادة المحتل أينما حل، تحل معه الكوارث والمجازر وتجريف التاريخ، ولأن الأتراك لا يعترفون بالكرد كأمة؛ فهم أيضا لا يعترفون بكل تراثها وتاريخها.

فقد جاء تدمير “معبد عين دارة” الأثري في هذا السياق، وهو المبني خلال عصر الحديد في الحقبة الآرامية (بين 1300-700 قبل الميلاد)، فدُمر جزء كبير منه وأصيب بأضرار جسيمة جراء القصف الجوي التركي المقصود، وفقًا لما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي كشف أن نسبة التدمير التي تعرض لها المعبد بلغت أكثر من 60%.

ورغم ذلك، تفاقم القتل والترويع خلال الهجوم التركي على عفرين وجاءت الأرقام صادمة للمجتمع الدولي الذي اضطر لعقد اجتماع لمجلس الأمن لمناقشة القيم الإنسانية، وإن حاول الجيش التركي إخفاءها فإن الجنائز فضحت ما استتر من أعداد ضحايا الهجوم التركي على عفرين، وقد أكدت كثير من المنظمات الإنسانية في بيانات متفرقة مصرع المدنيين والمقاتلين بنحو 140 شخصًا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء.

وفي بيانات متتالية وصفت المجازر الواحدة تلو الأخرى بأنها الأعنف بعد الاستخدام المفرط للقوة، الذي هدفه ترحيل السكان الأصليين قسريًّا، وهو أيضا أسلوب تركي معتمد منذ عصر العثمانيين، واستخدم في المدينة المنورة وأرمينيا والشام وليبيا، ولم تكن القذائف الصاروخية تتساقط على رؤوس الأبرياء وعلى المستشفيات فقط، بل قصف الجيش التركي بالطائرات الحربية التي وجَّهها مدنيين بلا أسلحة.

لم يكن الأكراد وحدهم من اتهم تركيا باستخدام غاز النابالم المُحرَّم دوليًا في قصفها على المدنيين في عفرين، بل حتى منظمات دولية شاركتهم هذا الاتهام، فالأكراد قالوا بأن الجيش التُركي استهدف قرية أراندي في ناحية راجو غرب مدينة عفرين بقذائف الغاز السام، الذي أدى الى إصابات وحروق بين الأطفال والنساء.

استخدم الأتراك كل أساليبهم الإعلامية للخروج من الأزمة دون اتهام بالرغم من أن أيديهم ملطخة بالدماء، فكالعادة دفعوا بالمقاتلين السوريين -وهم مقاتلون يعملون لصالح الأتراك- ليكونوا هم جيش المقدمة في الهجوم على البلدات الكردية، كما أنهم سخروا المنصات الإعلامية لقلب التهمة على المقاتلين الأكراد المدافعين عن أراضيهم بأنهم هم المتسببين في قضية عفرين، بينما كانوا في حقيقة الأمر هم الضحايا، إنها أحد أساليب الحرب الإعلامية التي يستخدمها العثمانيون الجدد في شيطنة خصومهم وتبرير عمليات إبادتهم.

  1. قسم الدراسات العلمية التابع للبرلمان الألماني”بوندستاغ”، حقيقة عملية غصن الزيتون.

 

  1. موقع المنيتور الإخباري.

 

  1. بدرخان علي، عفرين: الأهداف التركية والدور الروسي والمقاومة المحلية، مقالة منشورة في موقع جدلية، 7 إبريل (2018م).

 

  1. مجموعة مواقع إخبارية.
تشغيل الفيديو

بتحالف الأكراد والقوى التركية المعارضة

انتخابات (2019) أثبتت ضعف قدرات الرئيس التركي الحالي

في اللحظة التي تذوق فيها طيب رجب أردوغان طعم الهزيمة في الانتخابات المحلية؛ ارتكب أول معاصي الديموقراطية، وهي إنكار النتائج، فقد سقطت إسطنبول المدينة السحرية لأردوغان وحزبه والتي حكمها لمدة عقدين من الزمان، لكن الصوت الكردي يبدو أنه حسم المعركة لصالح منافسيه، فلقد أعلن حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه أردوغان، رفضه للنتائج بإعادة الانتخابات في المدينة.

سياسة أردوغان ضد الأكراد جعلتهم يبطلون وصفته السحرية التي فاز بها قبل تسلمه الرئاسة.

أردوغان نفسه وصف الهزيمة في الانتخابات البلدية بإسطنبول بأنها “جريمة منظمة”، على إثر فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض بالانتخابات، ولقد نزل رئيس الجمهورية التركية من عرشه إلى أصغر دائرة انتخابية في إسطنبول ليعلن دعمه لفوز مرشح حزبه ومحاولة التشويش على فوز المعارضة.

فور انتهاء المعركة الانتخابية بفوز المعارضة في أكثر من مدينة تركية وعلى رأسها إسطنبول، خرج أردوغان عن طوره، لأن المؤشرات تدل على أن الأكراد كانوا الصوت الذي قلب معادلة الانفراد بالسلطة التي اختطفها أردوغان وحزبه في تركيا، وفي سعيها إلى الانتقام من الهزيمة الانتخابية لعام (2019) ولضرب اصطفاف المعارضة؛ شنت حكومة الرئيس التركي الحالي خلال الأسابيع التالية للانتخابات موجة اعتقالات تعسفية واسعة، هدفت منها أنقرة إلى زيادة الضغط على الأكراد وممثليهم السياسيين.

 وصف موقع دويتشه فيله الألماني ما حصل في هذه الانتخابات التركية بدقة، عندما قال: “لقد أحدث حزب الشعب الديمقراطي (HDP) الموالي للأكراد الفارق في الانتخابات الكبرى الأخيرة في تركيا 2019، وبشكل خاص الانتخابات المحلية التي ساهمت في تأكيد سمعته باعتباره “صانعًا للملوك”.

وفي خطوة ذكية ساهمت في الهزيمة الانتخابية الأولى للرئيس التركي أردوغان وحزبه الحاكم، تمثلت في أن قيادة حزب الشعب الديمقراطي سحبت مرشحيها في بعض المدن وطالبت ناخبيها بالتصويت بدلاً من ذلك لمرشحي حزب الشعب الجمهوري المعارض (CHP)، فبدون الدعم الكردي، كان فوز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات في بعض المدن التركية غير وارد.

ووصف الموقع الألماني تلك الخطوة التي أفادت حزب الشعب الجمهوري المعارض لسياسات أردوغان، حيث سيدفع ثمنها الأكراد، وهو ما حصل فعليًّا في الأشهر القليلة التي تلت الاستحقاقات الانتخابية. فخلال أسابيع، تم اعتقال عشرات السياسيين والناشطين الأكراد.

لم يكن الموقف الكردي مفصولاً أبدًا عن الهمجية التركية في التعامل مع المناطق الكردية داخل سوريا أو حتى داخل تركيا نفسها، لقد وجد الكرد أن داعش وهي أداة عسكرية متطرفة تديرها المخابرات التركية تقتلهم من جهة والجيش التركي يقتلهم ويشردهم من الجهة الأخرى، فلم يجدوا غير أن يسمموا حياة اردوغان السياسية عبر التحالف مع كل معارضيه وأعدائه في الداخل التركي من أجل هزيمته، وهو ما حصل في انتخابات (2019).

نجحت أطياف المعارضة التركية، التي عمل أردوغان وحزبه على إذكاء نار الفتنة بينها وإبقائها منقسمة في حشد قواها ضد حكومة أردوغان. هكذا يصف محرر الشؤون السياسية في موقع دويتشه فيله الألماني، وقد ظهر ذلك جليًّا بشكل خاص في الانتخابات المحلية، حين وحَّدت أحزاب المعارضة -إسلاميين وقوميين وديموقراطيين اجتماعيين وليبراليين يساريين- رغم كل الخلافات السياسية قواها لأول مرة ضد “عدوها المشترك” أردوغان. وبذلك أصبحت تمثل وحدة المعارضة إلى جانب الأزمة الاقتصادية، أحد أكبر التحديات التي تواجه أردوغان للاحتفاظ بالسلطة.

أعقب نتائج الانتخابات حمى التخبط السياسي بحملة اعتقالات ضد المعارضة والأكراد.

إن أهم ما يميز الحياة السياسية التركية التي صبغها أردوغان وحزبه بشخصيتهما، هو الشكل القمعي والاستئصال المنظم لكل من يجرؤ على الوقوف في وجه الزعيم المتجبر الحالي. حيث يقدّر حزب الشعوب الديمقراطي -المختلط من أكراد ويساريين وقوميين- عدد معتقليه بنحو 20 ألف شخص، طالت حتى الرئيسين المشتركين للحزب سابقًا صلاح الدين دميرتاش، وفيغن يوكسكداغ، والسؤال الكبير هو كيف يمكن لمعارضة أن تقوم ورئيس الجمهورية التركية يقوم بسجن معارضيه بمن فيهم زعماء المعارضة؟ بينما يصف مراقبون للشؤون الكردية والتركية أن ما تقوم به أنقرة أشبه بحملة إبادة سياسية منظمة ضد الحزب الذي وإن كان ذي غالبية كردية، لكنه يمثل العديد من التوجهات والقوى الديمقراطية واليسارية التركية غير الكردية.

  1. كرم سعيد، تأمين الهيمنة: لماذا يسعي الحزب الحاكم – التركي- لتعديل قانون الأحزاب في تركيا، موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

 

  1. موقع DW الإخباري الألماني.

 

  1. موقع سكاي نيوز .

 

  1. موقع سي إن إن عربي.