كانت البداية باضطهاد نصارى العرب

تعاليم "سابور" أهم أولويات "حكماء قُم" العنصرية

العداء التاريخي للفرس ضد العرب قديمٌ ومستحكم، بدأه سابور ذو الأكتاف، الذي ترجم الغضب الفارسي الذي لم يتخيل أن عرب الجزيرة سيمدون نفوذهم في أرض الفرس يومًا، لذا كانت حملة سابور مبدأ الأزمة الفارسية تجاه العُقدة العربية التي ترجمها بحملته البربرية على العرب، والتي أثرت في تحول كبير في العداء إلى صراع دائم ومستمر على مر التاريخ إلى يومنا الحالي.

مارس الفرس منذ صراعهم الأول مع العرب الإرهاب فالتطرف، إذ إن التطرف مرحلة متطورة من الإرهاب بالقيام بأفعال مادية تعد تعبيرًا طَبَعِيًّا عن نمط تفكير شاذ، تغذى من المجتمع أو السلطة أو التلقين الذاتي.

من هذا المنطلق، فإن الحشد العرقي الذي راكمته وأجَّجَته الديانات الفارسية القديمة، قد أضيفت إليه رغبة الفرس في طرد العرب من جنوب أرضهم، ثم إخضاع مناطق الخليج العربي، وهو ما جعلهم يخططون لاحتلال الجانب المقابل للخليج باعتباره مقدمة لـتحقيق الأمن والاستقرار للدولة الساسانية، خاصة في ظل صعوبة استغلال الساحل المقابل للعرب.

التاريخ يكشف عقلية الفرس وأسباب حقدهم تجاه كل من هو عربي

وارتباطًا بنقطة البحث يمكن القول بأن سابور الثاني، أو ذي الأكتاف، تبنى سياسة عِرقية واستعمارية أخذت تتسع في الاتجاهات الأربع، وخاصة نحو جنوب فارس ومنه إلى الجزيرة العربية، التي خصها بحملة عسكرية في بداية حكمه، ويبدو أن أولى الأهداف التي وضعها سابور نُصب عينيه اجتثاث العرب وغزو أراضيهم وهو لا يزال ابن 16 من عمره.

لذلك اختار سابور ألفًا من صناديد جنده وخاطبهم بلهجة انتقامية، وأمرهم بقتل من يقابلوه من العرب، وهو ما حدث بالفعل، ناهيك عن الأسر بطريقة تخالف الفطرة والإنسانية، حينما رفض الفداء في أسرى عرب شرق الجزيرة العربية.

أمعن سابور في قتل العرب والتمثيل بجثثهم وضرب رقابهم، ذلك ما عكس بنية الفرس السلوكية العنصرية الحاقدة على كل ما هو عربي، خاصة إذا ما علمنا أن سابور الثاني انتهج هذه السياسة الدموية وهو في مقتبل العمر، هذا المعطى يؤكد بأن سابور تربى على عقيدة كراهية العرب والرغبة في استئصالهم ونهب أراضيهم.

ولتتبع أصل هذا الكره العنصري لسابور تجاه العرب، فلا بد من تفسير سياسة سابور الأول تجاه العرب الذي يُعد أول من بدأ اضطهاد نصارى العرب في دولة فارس.

في هذا الصدد، يرسم لنا ابن جرير الطبري صورة قاتمة عن القرن الرابع الميلادي فيقول: “ثم مضى على وجهه، فورد هجر، وبها ناس من أعراب تميم وبكر بن وائل وعبد القيس، فأفشى فيهم القتل، وسفك فيهم من الدماء سفكا سالت كسيل المطر…ثم عطف إلى بلاد عبد القيس، فأباد أهلها إلا من هرب منهم…ثم أتى اليمامة، فقتل بها مثل تلك المقتلة، ولم يمر بماء من مياه العرب إلا عوّره، ولا جبّ من جبابهم إلا طمّه”.

وفي محاولة تشريح البنية السلوكية لسابور الثاني فإننا أمام شخصية دموية متشبعة بعقيدة دينية-عرقية متطرفة، اجتهدت في تحويل بلاد فارس إلى أرض خالصة للفرس المتشبعين بعقيدة الشمس وتعاليم الزرادشتية، لذا كان تنكيل سابور الثاني بنصارى العرب وبدئه بهم، حيث قام بمذبحة رؤساء الكنيسة العرب، ثم انتقل إلى عموم النصارى، وتعبيرًا عن عميق حقده عليهم أمر بعدم دفن الضحايا وإبقائهم تحت الشمس طعامًا للطيور، وأقسم بالنار والشمس ألا يتوقف عن قتل النصارى حتى يتخلوا عن ديانتهم ويعبدوا الشمس.

وبعملية ربط ومقارنة السياسة العرقية للسياسة الإيرانية بعد سابور الثاني إلى يومنا نفهم منشأ تشكُل العقيدة العرقية الفارسية، التي تُعد المفتاح لفهم السياسة العدائية الإيرانية ضد جميع التشكيلات العرقية، كما تفيد المادة التاريخية بأن استغلال المعطى الديني في خدمة المشروع السياسي الفارسي ليست وليدة اليوم، وإنما هي استمرار لقرون من المراكمة العرقية والسلوكية.

ولهذا لم يكن غريبًا أن ينجح “حكماء قم” في تطويع المذهبية وتزييف رواياتها ولي عنق النص القرآني أو حتى “استبعاده” من أجل خدمة عقيدة عرقية استعلائية لا ترى مكانًا لغير الفرس في المنطقة…بل في العالم متى استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وهي سياسة خلقت -في النهاية- شعورًا لدى العرب وفهمًا صحيحًا لما يُكِنّه الفرس تجاههم على مر العصور، سواء حقد عِرقي أم تاريخي.

  1. جواد علي، المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط4 (بيروت: دار الساقي، 2001).

 

  1. شاكر الشطري، تاريخ الإمبراطورية الفارسية القديمة ومراحل حكمها في العراق قبل الميلاد وبعده (بغداد: مكتبة العمية، 2015).

 

  1. عبدالحكيم الكعبي، الجزيرة الفراتية وديارها العربية (دمشق: دار صفحات، 2009).

 

  1. محمد الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق :محمد أبوفضل إبراهيم (القاهرة: دار المعارف، 1968).

 

  1. نورة النعيم، “علاقة الدولة الساسانية مع قبائل شرق ووسط الجزيرة العربية في القرنين الخامس والسادس الميلاديين”، مجلة المؤرخ العربي، اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، ع.25 (2017).