
اليهود في فلسطين
فتح بايزيد الابواب وفرش عبد الحميد السجاد!!
بين السلطان العثماني بايزيد الثاني والسلطان عبد الحميد حوالي 400 عام، عاش فيها اليهود واحدة من أفضل فترات حياتهم طوال التاريخ، فقد سمح لهم بايزيد الثاني بالدخول إلى بلاده بعشرات الالاف هربا من الاضطهاد المسيحي في الأندلس، ومكنهم عبد الحميد من تراب فلسطين.
بالرغم من ان ذلك لم يكن قرارا عاطفيا، بل كان مصلحيا بالدرجة الأولى، فقد كان اليهود القادمين تجارا وأثرياء للغاية، يحملون معهم أطنانا من الذهب الفضة والمجوهرات الثمينة، إضافة الى حرف يحتاجه العثمانيون الذين كان معظم شعبهم اما مزارعين او محاربين، بنما اليهود هم صاغة وفنيين وتجار.
الأسلوب الذي ادار به بايزيد الثاني مأساة الاندلس تشرح ببساطة كيف ان الاخوة في الدين الاسلامي لم تكن على أولويات السلاطين العثمانيين وخاصة من تعامل منهم مع الازمة الاندلسية التي امتدت لعقود، فصرخات العرب الأندلسيين لم تكن تعني احدا في السلطنة العثمانية، ولم تحرك ساكنا أبدا، بالرغم من الرسل الذين وصلوا الى عتبات القصور السلطانية يطلبون النجدة، الا ان ذلك لم يغير شيئا بل إن اقصى ما حصلوا عليه كان لا يتعدى السماح لهم بالصعود للسفن التجارية العثمانية المنشرة في البحر الأبيض المتوسط للانتقال بواسطتها إلى الضفة الأخرى في بلاد المغرب العربي.
لقد دخل اليهود من ابواب اسطنبول واحتضنتهم السلطنة ومكنتهم وقربتهم حتى وصلوا الى اعلى مراتب القرار الاقتصادي والإداري في السلطنة، ثم انتهوا في مزارع طبريا وموانئ حيفا ويافا وفي حارات وشوارع القدس العتيقة، هذه ببساطة قصة استيطان اليهود في فلسطين خلال 400، عام وحتى قبل وصول الانتداب البريطاني، الذي جاء ووجد ان هناك مكونا يهوديا واسعا لم يكن سببا فيه بل العثمانيين الذي احتضنوا ورحبوا وسهلوا الوجود اليهودي في البلاد العربية التي احتلوها وخصوصاً (فلسطين).
يقول السلطان بايزيد الثاني في حديث له مع أحد الاوربيين الذين زاروه خلال حكمه متهكما على “فرناندو” الحاكم الإسباني الذي هجر اليهود: “لقد أفلس بلاده وتسبب في ازدهار بلادنا”، وهنا كان يقصد بايزيد كيف انه استغل هجرة اليهود الاغنياء ووظفها لصالح اقتصاد بلاده، بينما لم يلتفت للعرب الأندلسيين فقط، لانهم فقراء ولم يكونوا اغنياء.
هكذا فضل السلطان بايزيد الثاني اليهود، على العرب واعطاهم الامتيازات وجنبهم مآسي الهروب والهجرات، بل منحهم الحرية الدينية وحقوق العمل والتجارة التملك والسكن والانتقال بحرية في سلطنته، امتيازات امتدت بعد ذلك على ايدي السلاطين التاليين له إلى بقية البلاد العربية التي يحتلها العثمانيون ومنها فلسطين.
ولعل مصطلح ان اليهود لم يهبطوا على فلسطين بالبرشوت سيكون دقيقا جدا هنا، فمن فتح ابواب السلطنة العثمانية واسعا لاستقبال اليهود وجعلهم متساوين في حقوق التملك والبيع والسكن مع العرب – من مسيحيين مسلمين – هو من مكنهم من التوسع في الاستيطان داخل المدن الفلسطينية.
لقد استغرق ذلك 400 عام من التهيئة والسماح بالتراكم الاستيطاني اليهودي، والذي كان يأتي على شكل هجرات متتالية من اوروبا وروسيا واوكرانيا إلى الأراضي العثمانية ليستقر بهم المطاف اخيرا في فلسطين.
ولعل من الدقيق ان نقول: “لقد فتح بايزيد الثاني الأبواب لليهود، وفرش عبد الحميد السجاد” عبر اتفاقه مع مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل، وتول الامر من استيطان تعايش جنبا الى جنب مع العرب الى انشاء وطن مستقل لليهود، كيف لا وقد اصدرت “الفرمانات” المتتالية التي سمحت لليهود بتملك العقارات والمزارع دون تحفظ، وازيلت القوانين المعيقة لها، بل ووبّخ العاملون الذين كانوا يتحفظون على تلك الامتيازات.
انها قصة تشكل المكون اليهودي في فلسطين عبر قرون من الاحتلال العثماني، قبل ان يقوم مزورو التاريخ الذين صنعوا سردية تبرئ العثمانيين من التواجد اليهودي في فلسطين وترمي بالتهمة على الانجليز ثم العرب.