أحدثته الفوضى العثمانية
الملك عبدالعزيز قضى على الانفلات الأمني في الأحساء سنة (1913)
مع بدايات تشكل التاريخ السياسي السعودي الذي بدأ في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي (1744) مع قيام الدولة السعودية الأولى؛ كانت الأحساء الإقليم الوطني الذي يمثل العمق الاقتصادي والتجاري، لذلك تعددت المحاولات الاستعمارية التي حاولت السيطرة على الأحساء، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل؛ لقوة الارتباط الوطني من أهالي الأحساء الذين كانوا عائقا في طريق الغُزاة.
ويمكن القول بأن الأهمية الاستراتيجية للأحساء، جعلت منها هدفًا ثابتًا للقوات الاستعمارية، التي كانت ترى في إخضاعها تحقيقا لهدفين استراتيجيين؛ أولهما فصلها عن عمقها الوطني، والآخر الاستفادة من ثرواتها الطبيعية وموانئها واستغلالها في عمليات التوسع نحو باقي مناطق الخليج العربي. لذلك استساغ والي العراق مدحت باشا محفزات غزو الأحساء بقوله: “إذا كان لتلك المناطق من خلاص بقوة الدولة ومعونتها فإن تشكيل متصرفية في المنتفك مثلا يتيح الاستفادة ماليا من القطيف والأحساء اللتين تبلغ وارداتهما وحدهما مائتي ألف ريال”.
إن بداية ظهور أعراض سقوط الدولة العثمانية (الرجل المريض) بعد هزيمتها أمام إيطاليا وانشغالها بحرب البلقان، بالإضافة إلى عجز المتصرف العثماني في الأحساء عن حفظ الأمن، كلها عوامل دفعت أهالي الأحساء إلى مكاتبة المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه) من أجل التدخل لوضع حد للفوضى التي تعيشها المنطقة، وإعادتها لحضنها الوطني السعودي.
كان الملك عبد العزيز قادر على دحر القوات العثمانية في الأحساء، إلا أن دهاءه السياسي جعله يتبنى تكتيكات “دبلوماسية المحاور” من أجل تفادي أي هجوم تركي يكون مصدره سواحل الأحساء. ومن الناحية الأمنية كانت الأحساء ملجأً لبعض المخربين الذين امتهنوا النهب والسلب بمباركة الفوضى العثمانية، فجعلوا من المدينة ملاذًا يحميهم من وفق التخريب، هذا المعطى تؤكده الرسالة الجوابية للملك عبدالعزيز إلى المتصرفية العثمانية، إذ جاء فيها بأن المخربين “قاموا بنهب العربان التابعين لعشائره، وهدفه من هذه الحملة هو استعادة هذه الممتلكات وردها إلى أصحابها”، وذكر كذلك أنه يوجد على مسافة أربع وعشرين ساعة من الأحساء.
فشلت جميع المحاولات الاستعمارية العثمانية في فصل الأحساء عن الحاضنة الوطنية.
الانفلات الأمني الذي كانت تعاني منه الأحساء كان على مرأى ومسمع من العثمانيين الأتراك الذين عجزوا عن فرض الأمن في المنطقة، بل ساهم بعضهم في تكريس هذا الواقع الأمني المتدهور. لذلك استرد المؤسس الملك عبدالعزيز الأحساء بمساعدة أهلها الذين بايعوه البيعة الشرعية لتتم مراسلة المتصرف العثماني وقومندان العسكر بضرورة الاستسلام والتسليم بالواقع الجديد، فوافقا على ذلك واشترطا أن يكتب المشايخ وأعيان البلد أنهم لا يرغبون في بقاء العسكر، وأنهم يفضلون ولاية ابن سعود على ولاية الترك، وأن يضمن لهم ولمن معهم الأمان على أنفسهم وأموالهم، وأهليهم، وجميع ما لديهم من الأسلحة والذخائر والمؤن الحربية التي للحكومة.
أجابهم الملك عبدالعزيز إلى شرطهم الأول باعتباره يؤكد سيادته على الأحساء، ورفض الثاني وبذلك عادت الأحساء إلى حاضنة الوطن من جديد وعادت كما كانت جزءًا لا يتجزأ من تراب المملكة العربية السعودية.
استرد الملك عبدالعزيز الأحساء بمباركة أهلها وبيعتهم.
- أمين الريحاني، تاريخ نجد وملحقاته، ط4 (بيروت: دار الريحاني، 1970).
- حافظ وهبه، جزيرة العرب في القرن العشرين (د.م: لجنة التأليف والترجمة، 1935).
- خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1985).
- عبد الله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ط 12 (الرياض: مكتبة العبيكان، 2003).
- محمد بن عبدالله العبدالقادر الأنصاري، تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد، ط2 (الرياض: مكتبة المعارف، 1982).
- مذكرات مدحت باشا، ترجمة: يوسف كمال حتاته (القاهرة: المطبعة الهنديّة، 1913).
بشهامة الملوك وخلق العظماء
الملك عبدالعزيز طرد الحامية العثمانية من الأحساء من غير أن يريق قطرة دم واحدة
لم يكن استرداد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه) للأحساء، استردادًا محقًا لمُلك آبائه وأجداده فحسب، بل تحولًا استراتيجيًّا عميقًا في الصراع بين أبناء الجزيرة العربية والمستعمر العثماني، سمع صداه في الجزيرة العربية كلها، ولعل المدينة المنورة كانت أولى تلك المدن بعد الأحساء، التي انتفضت في وجه المحتل التركي خلال الفترة من العام (1914- 1918)، بعدما سمعت عن الانتصار المذهل للملك عبدالعزيز على العثمانيين، وبذلك سقطت أسطورتهم وأصبح من الممكن هزيمتهم واستعادة الحرية المغتصبة من المحتل التركي.
كانت الأحساء إقليمًا أصيلًا من أقاليم الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، بل كانت عمقًا استراتيجيًّا للدولة، في ظل التغيرات الدولية التي كانت تدور في العالم العربي في تلك المرحلة التاريخية العصيبة، فالإنجليز أصبحوا على شواطئ الخليج العربي، ومن الخطر إبقاء الأحساء لقمة سائغة يمكن أن يحتلوها ذات يوم، والفرنسيون على وشك الدخول إلى الشام، والعثمانيون- الرجل المريض- يتراجعون ويهزمون في كل المعارك السياسية والاقتصادية والسياسية، وتئن دولتهم من وطأة الانهيار السريع، وهي التي لطالما اغتصبت الأراضي العربية، وساومت عليها بل قايضت بها ملكها كما حصل في ليبيا وفلسطين والعراق.
كانت الحامية العثمانية في الأحساء جزءًا من ذلك التمدد، وذراعًا لبطش العثمانيين على سواحل الخليج العربي، ولذلك استرد المؤسس الملك عبدالعزيز الأحساء ليستتب الأمر فيها. ونظرًا لانقطاع التواصل بين الحاميات التركية، ووالي الترك في العراق، تحوّلت الحاميات إلى مكونات عسكرية مجردة هامشية معزولة وسط الصحراء، ليس لها قيمة استراتيجية، خاصة مع وصول الأخبار عن هزائم الدولة المركزية في البلقان وليبيا وأرمينيا وعلى الحدود الروسية، لكن الأتراك كما هم، لا يتغيرون، فقد حاولوا كثيرًا إحداث الفرقة ونشر الفتن بين السكان من حاضرة وبادية، من أجل تفريق كلمتهم، وضمان بقائهم تحت سيطرة المحتل.
كانت الأحساء عمقًا استراتيجيًّا مهمًّا للدولة السعودية في وجه المطامع الاستعمارية سواء من العثمانيين أو الدول الكبرى
لكن ذلك دفع الوضع إلى مزيد من التدهور، فحوّل ذلك أفراد الحاميات التركية إلى شركاء لقطاع الطرق، وأعانوا اللصوص على الغارات، واقتسموا معهم ما سلبوه، وعلى الأرض كان السكان المحليون متململين جدًا، يعانون أشد المعاناة من ذلك الانفلات الأمني، والضرائب المجحفة، وتعسف العثمانيين في تعاملهم معهم، وأضحوا يتوقون للخلاص على يد المؤسس ليعيد إليهم الأمن والأمان ويزيح عنهم الاحتلال البغيض.
قرأ الملك عبدالعزيز المعطيات التي أمامه، والأدوات التي يملكها بعمق ودهاء كبيرين، فوضع خطته الطموحة بناءً على ما يمكن تحقيقه دون مغامرة ولا استعجال، ولكن من خلال بناء عسكري هرمي، معتمدًا على ثلاثة محاور رئيسة.
تحوّل الجنود الأتراك في الأحساء إلى شركاء لقُطَّاع الطرق في سرقة الأهالي كما حاولوا نشر الفتن بين الناس
أولًا: تحييد المتمردين غير الواعين بالتغيرات الكبيرة العميقة على الأرض وتطور القوة العسكرية للملك عبدالعزيز، ولذلك توجه المؤسس بجيشه إلى موقع ماء يسمى العرمة في شمال الرياض فنزل به، بهدف استدعاء المقاتلين غير المنضمين للمشروع الوحدوي نتيجة لقلة الوعي وانعدام المعرفة السياسية، وإبعادهم عن مواجهة تحركاته باتجاه الأحساء.
ثانيًا: استخدام الدهاء في التعامل مع العدو العثماني، فعند اقترابه مع جيشه من الأحساء أرسل إليه المتصرف التركي أحمد نديم، يسأله عن غايته من قدومه إلى هذه الناحية، فأجابه بأنه يريد غزو قومٍ معادين له وأضاف المؤسس رحمه الله: “وأريد شراء الطعام لتموين الجيش”، ولتأكيد الخدعة أرسل بالفعل بعض الرجال فاشتروا كمية من التمر والأرز. لقد كانت خطة محكمة ودهاء عربيًّا لا مثيل له، فالحرب خدعة كما وصفها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان لابد من التخطيط لمعركة مصيرية بمثل هذه التكتيكات التي تصرف نظر المحتل لحين اكتمال الجهد العسكري.
ثالثًا: تمهيد الأرض قبل الدخول من خلال استعادة التحالفات المحلية وولاء العائلات والسكان، ولبناء الثقة معهم أرسل الرسل للعائلات والقبائل التي تحمل الولاء الكامل للمؤسس وآل سعود الكرام قبل وصوله، فقد كانت الأحساء تعاني أشد المعاناة من انفلات الأمن وتصرفات المحتل، وهي تتذكر بكثير من الحنين الأمن الذي سادها في عصر الدولتين السعوديتين السابقتين، وبالفعل استطاع المؤسس بتلك الخطة تسهيل استرداده الأحساء ودخوله دون مخاطرة بالسكان الآمنين.
أما عن أهمية دخول الأحساء فيضعها المؤرخ السعودي عبد الله العثيمين في كتابه تاريخ المملكة العربية السعودية في عدة نقاط:
أولًا: لأنها كانت جزءًا من الدولتين الأولى والثانية، ومن ثم فهو يعيد إقليمًا أصيلًا إلى بلاده.
ثانيًا: أن احتلال العثمانيين عام (1870)، كان بسبب خديعة منهم إذ استغلوا الاضطرابات والخلافات آنئذٍ وتسللوا إلى البلاد السعودية.
ثالثًا: وقف العثمانيون مع خصوم الملك عبدالعزيز، ومن ثم أصبحوا عائقًا أمام تقدمه لاسترداد ملكه وتحرير بلاده.
رابعًا: تلك المنطقة ضرورية لنجد لأنها المنفذ البحري لتجارتها.
خامسًا: أنها غنية بمواردها الزراعية والسمكية، ومُهِمَّة بموانئها البحرية تجاريًّا وجُمْرُكِيًّا.
سادسًا: دخولها تحت رايته تعزيز لقوته أمام خصومه في شمال بلاده وغربها.
وصل المؤسس الملك عبد العزيز إلى الهفوف قاعدة الأحساء الصلبة، وأبقى جزءًا كبيرًا من قواته خارجهًا بحيث يسيطر عليها من الداخل، وتبقى المساندة خارجًا لأي ظرف. وسار بستمائة من رجاله في اتجاه الحامية التركية، مخترقًا نخيل السيفة، وكانت الخطة المتفق عليها بينه وبين أهالي الأحساء تقتضي أن يتجه الملك عبدالعزيز على رأس جماعة مختارة من الجيش نحو فتحة أعدت سلفًا لدخوله من السور الغربي مما يلي مسجد آل عمير، على أن يتعاقب على إثره دخول رجاله في شكل جماعات صغيرة ومتى استكملوا تواجدهم داخل الكوت، صاروا إلى ثلاث فرق تتخذ الفرقة الأولى مواقعها في أبراج السور، وتتجه الفرقة الثانية لافتتاح بوابة الكوت الشرقية التي تلي السوق، كما تكون الفرقة الثالثة على أُهبة لمهاجمة مقر المتصرف العثماني إذا اقتضت الحاجة.
أرسل الملك عبدالعزيز إثر ذلك قوة من جيشه إلى القطيف، استطاعت أن تدخلها بسهولة دون مصاعب ليسترد القطيف والعقير، وبذلك تم استرداد الأحساء جميعها.
بايع جميع السكان الملك عبدالعزيز على كتاب الله وسنة رسوله، وتعهدوا له بالسمع والطاعة، وفي هذه الأثناء كان أتباع الملك عبدالعزيز قد تمكنوا من السيطرة على كامل الحامية العثمانية. واستسلم القائد العثماني هو وحاميته، طالبًا من الملك عبدالعزيز الأمن له ولأفراد جيشه، فأمّنه الملك الشهم، على أن يخرج بدون أسلحته الثقيلة، وبالفعل أرسل للعقير ومنها للبحرين، ثم إلى بلاده.
- أمين الريحاني، تاريخ نجد وملحقاته، ط4 (بيروت: دار الريحاني، 1970).
- حافظ وهبه، جزيرة العرب في القرن العشرين (د.م: لجنة التأليف والترجمة، 1935).
- خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1985).
- عبد الله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ط 12 (الرياض: مكتبة العبيكان، 2003).
- محمد بن عبدالله العبدالقادر الأنصاري، تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد، ط2 (الرياض: مكتبة المعارف، 1982).
- مذكرات مدحت باشا، ترجمة: يوسف كمال حتاته (القاهرة: المطبعة الهنديّة، 1913).
بعد أن انتصر عليهم في جميع مواجهاته العسكرية معهم
العثمانيون رُغمًا عنهم اعترفوا بسيادة الملك عبدالعزيز على جميع المناطق التي استردها منهم
استطاع المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أن يُكبد القوات العثمانية وحلفاءهم في شبه الجزيرة العربية هزائم كبرى، لا سيما في معركتي البكيرية والشنانة، وزاد من حرج الدولة العثمانية في شبه جزيرة العرب انسلاخ كثير من أجزائها عن احتلالها؛ إذ اضطرت الدولة العثمانية على إثر ذلك أن تحد من تواجدها وعملياتها العسكرية في أواسط شبه الجزيرة العربية، وأن تركز جهودها لمواجهة الوضع المتدهور في اليمن مثلاً، ومن هنا أصدرت إسطنبول أوامرها إلى أحمد فيضي باشا بالتحرك إلى اليمن، كما أرسلت إليه إمدادات عسكرية ولوجيستية في سبيل مواجهة التمرد في اليمن.
ومن ناحية أخرى آلت قيادة الحامية العثمانية في أواسط الجزيرة العربية إلى القائد العثماني صدقي باشا، الذي اقتنع جيدًا بضرورة التفاوض مع الملك عبدالعزيز، لتهدئة الأحوال من ناحية، ومن ناحية أخرى إنقاذ القوات العثمانية من هلاكها المحتم في الصحراء.
لجأ القائد العثماني صدقي باشا إلى التفاوض مع الملك عبد العزيز آل سعود لإنقاذ الأتراك من الهلاك المحتم
لذلك لجأت الدولة العثمانية إلى سياسة التفاوض مع الملك عبدالعزيز آل سعود، وتدخل في الأمر بعض الأطراف السياسية، وجرت محادثات مع الوالي العثماني للبصرة، ولكنها لم تصل إلى نتيجة مرضية للملك عبدالعزيز، وبعد فترة جرى التوصل إلى مغادرة القوات العثمانية أواسط شبه جزيرة العرب، وامتد نفوذ الملك عبدالعزيز آل سعود إلى منطقة القصيم.
ويشير المؤرخون إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني أرسل في عام (1906) إلى الملك عبد العزيز آل سعود يشكره على معاملته عساكر الدولة العثمانية تلك المعاملة الشريفة، والسماح لهم بالانسحاب في أمان إلى العراق وإلى الحجاز، ويقول المؤرخ المصري السيد رجب حراز: “والواقع أنه منذ عام 1906 فصاعدًا كان عبد العزيز آل سعود هو القوة المسيطرة في وسط شبه الجزيرة العربية”.
وكان الهدف الأكبر للملك عبد العزيز توطيد دعائم الدولة السعودية، ولم شمل جزيرة العرب تحت لوائه، ومن هنا نجح في استرداد الأحساء من المحتل العثماني، كما طردهم منها نهائيًا، وأتاح ذلك وصول الملك عبدالعزيز إلى المناطق السعودية على الخليج العربي، حيث أصبح رقمًا مهمًا في المعادلة الدولية في المنطقة قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام (1914).
تجمعت العديد من العوامل وراء هذا النجاح الكبير، ووصول المؤسس إلى الخليج العربي، منها انشغال العثمانيين بالأحوال المضطربة في اليمن، وكذلك عدم استقرار الأمور الداخلية في بعض الإمارات الموالية للعثمانيين، يُضاف إلى ذلك الصراع الداخلي في إسطنبول نفسها مع وصول الاتحاد والترقي إلى الحكم، والمنافسة التي واجهها العثمانيون من القوى الدولية، لا سيما بعد منح إسطنبول ألمانيا- عدوة إنجلترا- امتياز بناء خط سكك حديد بغداد، وزاد الأمر بلة على الدولة العثمانية انشغالها بالحرب الإيطالية الليبية 1911- 1912، وأيضًا الحرب البلقانية 1912- 1913.
استرداد الملك عبد العزيز آل سعود للأحساء جعلته رقمًا مهمًا في المعادلة الدولية بالجزيرة العربية
لذلك عاودت الدولة العثمانية سياسة التفاوض مع الملك عبدالعزيز آل سعود، ونجحت في الوصول إلى معاهدة تفاهم معه، تضمنت 12 بندًا في 15 مايو (1914)، وكان من أهم بنود هذه المعاهدة الاعتراف بسيادة الملك عبدالعزيز آل سعود على مناطقه التي استردها، منها المناطق السعودية على ساحل الخليج العربي، لا سيما في موانئ القطيف والعقير، كما طلبت الدولة العثمانية دعم الملك عبد العزيز لها في حالة وقوع اعتداء عليها.
هكذا انتهت جولات الملك عبدالعزيز مع الدولة العثمانية باعترافها بسيادته على أواسط الجزيرة العربية، ومن المعلوم أن هذه المعاهدة لم تُنَفذ لأنه سرعان ما اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام (1914)، هذه الحرب الضروس التي استمرت حتى عام (1918)، وفي أعقابها سقطت الدولة العثمانية، وقامت على ما تبقى منها دولة تركيا الحديثة.
- حافظ وهبه، جزيرة العرب في القرن العشرين (د.م: لجنة التأليف والترجمة، 1935).
- خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1985).
- السيد رجب حراز، الدولة العثمانية وشبه جزيرة العرب (1840- 1909) (القاهرة: د.ن، د.ت).
- عبد الله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ط 12 (الرياض: مكتبة العبيكان، 2003).