مؤلف "ممالك النار" محمد عبدالملك يكتب لـ "حبر أبيض":
على "العرب" أن يفسحوا المجال
لصنَّاع الدراما التاريخية
مقاومتنا للدراما التركية لم تزل سلبية... وعمل واحد لا يكفي لمواجهة غزوها الممنهج.
آفات صناعة الدراما لا زالت تسكن جذور أعمالنا كعفن مزمن، المهم هو النجم، هو الذي تشتريه القناة وهو الذي تأتي الإعلانات باسمه، ومن ثَمَّ ينفتح المجال لكي يتدخل النجم ويسيطر، ويصبح كل فريق العمل تروسًا في ماكينة صناعة اسمه ونجوميته، أحلامه أوامر وطلباته مجابة، فالبيع قد تم بمجرد توقيعه على العقد، وبصورة يأخذها المنتج بصحبته لتنتشر على السوشيال ميديا، أما صناعة المسلسل نفسه فمجرد تحصيل حاصل. كيف لنا بالله علينا أن نصنع دراما تنافس على مستوى عالمي – أو حتى إقليمي – في ظل نظام العربة المقلوبة هذا؟!
لا تنقصنا الكوادر من كتابة وتمثيل وإخراج وديكور وتصوير وموسيقى وخلافه، تنقصنا المنظومة، وكلما تحدثنا أغضبنا القائمين على الصناعة (أو التجارة بمعنى أدق) الذين اعتادوا على العمل وجنى الأرباح بهذه الطريقة، غير عابئين بأن النتيجة النهائية ستكون كسادًا كبيرًا، وتوقف حتمي لعجلة الإنتاج الدرامي آجلاً أم عاجلاً.
إن أي تجارة لا تُربح فاشلة بكل المقاييس، ولا أحد يطالب العاملين في هذا القطاع بالخسارة. إن الفن مسألة جدليَّة ليس مكانها صناعة الدراما الهادفة للربح، إلا في هوامش ربما تحتمل المغامرة إن كانت المنظومة تربح في الأصل، ومن منطلق الحديث عن الربح والخسارة من منظور اقتصادي بحت (بزنس)، نرى اليوم أن الدراما التركية عادت تحتل شاشاتنا، بعد تعريبها بممثلين وكوادر عربية، لا بمجرد دبلجتها كما كان يحدث قديمًا، ونرى المسلسلات التركية تحتل منصات عربية تتابع الجديد منها ومعدلات مشاهدتها في تركيا وصعودها وهبوطها، ويقبل عليها المشاهدون في منطقتنا العربية إقبالاً عظيمًا.
وكأننا لم نفعل شيئًا، فالسوق العالمي سيظل خاضعًا لقانون العرض والطلب، والمنصات العالمية الشهيرة تعرض أعمالاً أصلية مصنوعة في تركيا تثير لدينا الكثير من الشجون والأسئلة فيما يخص آليات الصناعة المعطلة عندنا، إن البزنس في البداية والنهاية هو الطريق المضمون للغزو الفكري والثقافي والسياسي.
قلناها مرارًا وتكرارًا وها نحن نعيدها، صناعة مسلسل تاريخي واحد وحيد ليس أمرًا كافيًا في مواجهة سيل الأعمال التركية المشابهة، وعلى المنطقة العربية أن تنتفض وتعطي للصناع المجال لكي يعيدوا قراءة التاريخ للمشاهدين على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم، هذا إن كنا نطمح للمنافسة، ولمد خطوط الأمن القومي والثقافي حول مجتمعاتنا أمام غزو درامي مستمر، لعلنا ننجو.