أراد العثمانيون احتلالها وطالبوا سلطانها بإعلان الولاء

المغرب الأقصى... شوكة في حلق سلاطين الأتراك

بلدًا بعد آخر، ترتوي الأرض بالدماء وتُغلق منارات العلم، وتُطفأ مصابيح المعرفة تحت أقدام المحتل العثماني، الذي لم يجد شرًا إلا فعله في الوطن العربي، ولم يهدأ إلا حين حارب العرب في كل موضع، لذلك ما إن استتب الأمر لهم في الجزائر وتونس وليبيا، حتى بدأت أنظارهم تتجه إلى المغرب العربي.

وتشير الوثائق التاريخية إلى أن نظرة الأتراك للمغرب العربي، جاءت جزءًا من خطة للسيطرة الكاملة على الشمال الإفريقي، ومن هنا بات الصدام وشيكًا مع السعديين الذين يحكمون في المغرب، وكعادة آل عثمان في الاستعانة بالمرتزقة ومجهولي النسب لدعمهم، وإثارة القلاقل ضد السلطات الشرعية، استعانوا بأبي حسون الوطاسي الذي كان في الجزائر، فأمدوه بالقوة اللازمة لمحاربة السعديين وإرجاع الدولة الوطاسية – عدوة الدولة السعدية في المغرب- تحت السيادة العثمانية.

خطة الأتراك نجحت في بداية الأمر، وتمكّن الوطاسي من الوصول إلى فاس، قبل مواجهة السلطان أبي عبد الله السعدي الذي استطاع أن يقضي على الفتنة ويهزم الوطاسي ويستعيد فاس من جديد، لكن العثمانيين لم يستسلموا عند هذا الحد، فأرسلوا من إسطنبول إلى السلطان السعدي، رسالة يطلبون منه الدعاء على المنابر للسلطان العثماني، بصفته الحاكم الشرعي في البلاد الإسلامية، وأن يَسُكَّ اسم السلطان العثماني على العملة في المغرب، وتِلْكُم هي علامات التبعية والولاء، إلا أن السلطان المغربي رفض الانصياع. 

لكن بما أن الطغاة والمجرمين لا يقبلون رفض رغباتهم، استثار ذلك غضب السلطان العثماني سليمان القانوني، فدبّر مؤامرة عن طريق بعض العسكر الأتراك الذين زعموا هروبهم من الجيش العثماني، وطلبوا الحماية والانضمام إلى جيش المغرب، وبالفعل وثق فيهم السلطان المغربي أبو عبد الله الشيخ، لكنهم سرعان ما اغتالوه وقطعوا رأسه وهربوا بها إلى إسطنبول، حيث أمر السلطان العثماني بتعليقها على الأبواب ابتهاجًا بذلك.

ولم تقف محاولات العثمانيين عند ذلك؛ إذ تحرك حسن خير الدين باشا حاكم تلمسان، بجيش كبير في محاولة لغزو المغرب، وبالفعل وصل إلى نواحي فاس، حيث التقى بالجيش المغربي، ودارت المعركة التي أسفرت عن هزيمة الجيش العثماني وفراره.

حاول الولاة العثمانيون في الجزائر، استمالة بعض أفراد الأسرة السعدية، لإحداث انقسام داخل الأسرة الحاكمة، حتى أن بعض الخارجين من الأسرة السعدية ذهب إلى إسطنبول طلبًا لتدخلها لصالحهم، ضد الفرع الحاكم من الأسرة السعدية، وبالطبع انتهز العثمانيون هذه الفرصة لإضفاء نوع من الشرعية على أطماعهم في المغرب الأقصى.

وفي عام (1578)، حدثت المعركة الشهيرة “وادي المخازن” بين الجيش المغربي والجيش البرتغالي الذي أراد غزو المغرب، لكن المغاربة استطاعوا إلحاق هزيمة قاسية بالبرتغاليين، ودعمت هذه المعركة من استقلال المغرب، وأدت إلى تردد كل الدول الكبرى، بما فيها الدولة العثمانية، عن اتخاذ أي خطوة عدائية تجاه المغرب.

لكن العلاقات العثمانية المغربية، سرعان ما توترت من جديد، ويذكر المؤرخون العديد من الأسباب وراء ذلك، ولعل أهم الأسباب وشاية أمير البحر عروج باشا لدى السلطان العثماني؛ إذ كان لعروج خبرة كبيرة بأحوال شمال إفريقيا، ولم ينس أن سواحل المغرب لم تسقط بعد في أيدي العثمانيين، ومن هنا أبحر من إسطنبول على رأس أسطول كبير من أجل احتلال الموانئ المغربية، لكن السلطان المغربي لجأ إلى الدبلوماسية لحل الخلاف وأرسل وفدًا إلى إسطنبول، استطاع هذا الوفد تهدئة الأمور، وأفشل خطة السيطرة على المغرب.

تمكّن الجيش المغربي من صد غزوات العثمانيين والبرتغاليين وبقيت المغرب البلد الوحيد الذي لم يخضع للأتراك في شمال إفريقيا

ومع سقوط الدولة السعدية، وصعود الدولة العلوية في المغرب، حاولت الحامية العثمانية في الجزائر التدخل أكثر من مرة في شؤون المغرب، لكن الأشراف العلويين استطاعوا الحفاظ على استقلال المغرب، وبالفعل، بقيت المغرب البلد العربي الوحيد في شمال إفريقيا الذي لم تستطع الدولة العثمانية احتلاله.

  1. صلاح العقاد، المغرب العربي، ط6 (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1966).

 

  1. شوقي الجمل، المغرب العربي الكبير (القاهرة: مكتبة الأنجلو، 1977).

 

  1. محمود عامر ومحمد فارس، تاريخ المغرب العربي الحديث (دمشق: جامعة دمشق، 2000).

دبّروا اغتياله وعلّقوا رأسه في إسطنبول

بالغدر... العثمانيون قتلوا سلطان المغرب

تدفع بعض الدول ضريبة موقعها المميز، حيث يطمع فيها الغزاة من كل حدب وصوب، ويتطلع إليها مجرمو التاريخ، ذلك ما حدث مع المغرب العربي الذي يعدّ أقرب نقطة إلى غرب أوروبا، بجانب سواحله الطويلة على المحيط الأطلسي.

وبسبب ذلك اتجهت إليه أنظار البرتغاليين والإسبان، وعملوا على احتلال عدد من المراكز على سواحله منذ بدايات القرن السادس عشر الميلادي، مستغلين سوء الأوضاع الداخلية وضعف السلطة المركزية في فاس، وعجزها عن الدفاع عن كيانها السياسي، ما أدى إلى حالة من التشرذم.

وخلال تلك المرحلة انتشرت الدعوة السعدية، التي أخذت في التمدد في المغرب وظهر قادتها على أنهم محررو السواحل المغربية من الاحتلال الأجنبي، ولم يأت عام (1549)، حتى سيطر السعديون على المغرب، وفي نفس الوقت كان الأتراك يسيطرون على تلمسان في الجزائر، ومن ثَمَّ أصبح هناك خط مباشر بين السعديين والأتراك.

وتشير الوثائق التاريخية إلى أن السلطان السعدي أبا عبد الله الشيخ كان حذرًا من الأتراك لمعرفته بإجرامهم، ويقول المؤرخ المغربي، الناصري السلاموي: “إن أبا عبد الله السعدي كان يعزّ عليه استيلاء الترك على المغرب الأوسط (الجزائر) مع أنهم أجانب ودخلاء”.

وزاد من هذا العداء، أن أبا حسون الوطاسي، عدو السلطان السعدي، فرّ إلى الأتراك الذين عملوا على استغلاله، وفي عام (1554) تمكّن أبو حسون مع حاكم الجزائر صالح باشا من هزيمة أبي عبد الله الشيخ وإخراجه من فاس، لكن سرعان ما رد السلطان السعدي باستنفار القبائل وإعادة الزحف، فدارت حروب شديدة كان آخرها النصر لأبي عبد الله الشيخ، مستردًا فاس، ومسيطرًا على أمر المغرب بعد ذلك.

وتكشف الوثائق التاريخية احتقار أبي عبد الله الشيخ للسلطان العثماني سليمان القانوني، الذي أسماه بسلطان القوارب في إشارة إلى قراصنة المراكب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تمكّن السلطان السعدي من الوقوف بقوة واعتزاز، أمام الأطماع العثمانية وتمسّك باستقلال بلاده وحريتها، ولكن بما أن الأتراك لم يعرفوا معاني الفروسية والشرف، لجأوا -كعادتهم- إلى الغدر والقتل غيلة، وهو أمر ليس بجديد عليهم، فالاغتيالات سياسة آل عثمان ضد كل من يعترضهم.

استطاع السلطان أبو عبد الله الشيخ الوقوف بقوة واعتزاز أمام العثمانيين ورد عدوانهم عن المغرب

فلما علم السلطان العثماني سليمان القانوني بخبر سقوط حلفائه من بني وطاس، وسيطرة السعديين على المغرب الأقصى، حاول أن يستميل الأخيرين إلى جانبه أولا، فكتب رسالة إلى أبي عبد الله الشيخ يُهنئهُ بالمُلك، ويطلب منه الدعاء له على منابر المغرب وبعث بذلك رسولاً، ولما قرأ السلطان السعدي كتاب القانوني، حمى أنفه وأبرق وأرعد وأحضر الرسول التركي وأزعجه، فطلب منه الجواب، فقال: “لا جواب لك عندي حتى أكون بمصر إن شاء الله وحينئذ أكتب لسلطان القوارب”، فخرج الرسول من عنده مذعورًا يلتفت وراءه إلى أن وصل إلى سلطانه”.

ويقول المؤرخ الناصري السلاوي: “لما خرج رسول السلطان سليمان العثماني من عند السلطان أبي عبد الله الشيخ ووصل إلى الجزائر ركب البحر إلى القسطنطينية فانتهى إليها، واجتمع بالصدر الأعظم، وأخبره بما لقي من سلطان المغرب، فأنهى الوزير ذلك إلى السلطان سليمان فأمره أن يهيئ العساكر لغزو المغرب، فاجتمع أهل الديوان، واتفق رأيهم على أن يعيّنوا 12 رجلاً من فُتَّاك الترك وبذلوا لهم 12 ألف دينار، وكتبوا لهم كتابًا إلى صالح الكاهية، وهو قائد تركي انضم إلى عساكر السلطان السعدي بعد هزيمة بني وطاس، ووعدوه بالمال والمنصب إن اغتال الشيخ وأحضرَ رأسه.

ويتابع الناصري بقوله: “توجهت الجماعة المعينة إلى الجزائر بحرًا، ولما وصلوا اشتروا بغالًا وساروا إلى فاس في هيئة التجّار، فباعوا بها أسبابهم وتوجهوا إلى مراكش، ولما اجتمعوا بصالح الكاهية أنزلهم عنده ودبر الحيلة في أمرهم”.

ويردف المؤرخ المغربي بالقول: “أظهر هؤلاء الأتراك للسلطان أبي عبد الله الشيخ أنهم فروا من سليمان القانوني، ورغبوا في خدمة الشيخ والاستجارة به، ثم إن صالحا الكاهية دخل إلى الشيخ وقال: “يا مولاي إن جماعة من أعيان جند الجزائر سمعوا بمقامنا عندك ومنزلتنا منك فرغبوا في جوارك والتشرف بخدمتك وليس فوقهم من جند الجزائر أحد وهم -إن شاء الله- السبب في تملكها”، فأمره بإدخالهم عليه ولما مَثَلُوا بين يديه رأى وجوها حِسانًا وأجسامًا عِظامًا فأكبرهم، ثم ترجم له صالح كلامهم، فأفرغه في قالب المحبة والنصح والاجتهاد في الطاعة والخدمة، حتى خُيّل إلى الشيخ أنه قد ملك الجزائر، فأمره بإكرامهم وأن يعطيهم الخيل والسلاح، وأن يدخلوا عليه مع الكاهية كلما دخل، فكانوا يدخلون عليه كل صباح لتقبيل يده على عادة الترك في ذلك”.

انطلت الخدعة على السلطان السعدي، حتى صار يبعث بالأتراك إلى شيوخ السوس ليتبصروا في البلاد ويعرفوا الناس، وكان يُوصي الأشياخ بإكرام من قدم إليهم منهم، واستمر الحال إلى أن أمكنتهم منه الفرصة، وهو في بعض حركاته بجبل درن، فدخلوا إليه في غفلة من العسس، فضربوا عنقه، وحملوا رأسه وسلكوا عدة طرق، ووصلوا إلى الجزائر ومنها إلى إسطنبول، فأوصلوا الرأس إلى الصدر الأعظم، الذي أدخله على السلطان سليمان فأمر به أن يُجعل في شبكة نحاس، ويٌعلّق فوق باب القلعة، والحقيقة أنه بعد تأكد اغتيال السلطان السعدي ابن الشيخ، لم يتزعزع يقين أهل المغرب، ولم يؤثر ذلك في إصرارهم على التمسك بالحرية والاستقلال ضد أي محتل أجنبي كائنًا من كان.

  1. بجوي إبراهيم افندي، تاريخ بجوي إبراهيم افندي، ترجمة: ناصر عبد الرحيم حسين (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2015).

 

  1. جمال الدين الرمادي،” المغرب أضواء على تاريخيه السياسي ووضعه الاقتصادي”، (القاهرة: مجلة مصر المعاصرة، م 58، ع 327، 1967).

 

  1. عبد الكريم كريم، المغرب في عهد الدولة السعدية، ط3 (الرباط: منشورات جمعية المؤرخين المغاربة، 2006م)

 

  1. محمد سهيل طقّوش، تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، ط2 (بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، 2008).
تشغيل الفيديو

بطشوا بالأهالي واستباحوا المدينة

جرائم العثمانيين في فاس

لكل دولة أثر، رائحة تُشتّم فيها ممن مرّوا هنا، وحين ترى الأرض ارتوت بدماء الأبرياء، والسجون مُلئت بالمظلومين، والحضارات هُدمت والمساجد دُنسّت، تعرف أن الأتراك كانوا هنا، ذلك دأبهم ودينهم وديدنهم.

و مر الأتراك بفاس المغربية ، لكن قبل كشف جرائمهم، يجب القول بأن المغرب هو الكيان السياسي الوحيد في شمال إفريقيا الذي لم يخضع لآل عثمان، رغم أنه ظل هدفًا استراتيجيًّا ثابتًا في الأجندة التوسعية للأتراك، هذا الاستثناء المغربي يستند إلى حضور عنصر الأمة المغربية المتمايزة سلوكيًّا وتراثيًّا وحضاريًّا.

وكما هي عادتهم دائمًا، تربص الأتراك بالوضع السياسي الداخلي للمغرب، منتظرين ظروفًا تدفعهم إلى التدخل، مثل انشقاقات على مستوى رأس السلطة السياسية، أو وجود مد شعبي يطالب بالانضواء تحت لواء دولة العثمانيين، إذ نشطت الدولة التركية في هذا الباب من خلال محاولة استمالة العديد من الفقهاء إلى طرحها، وتحويلهم إلى طابور خامس يروّج لأجندات الباب العالي في المغرب الأقصى.

في هذا السياق، دعم الأتراك أبا حسون الوطاسي لمحاربة الدولة السعدية، فدخلوا مدينة فاس (1554)، وفور احتلالهم مارسوا جميع أنواع الفساد والقمع، وشاعت بينهم مظاهر الفسق والمجون، ووصل بهم الأمر  إلى محاولة الانقلاب على السلطان الوطاسي نفسه، وهو ما تناوله عبد الرحيم بنحاده، مُحقق كتاب تاريخ الدولة السعدية التكمدارتية، بالقول: “ولما رأى الترك محاسن البلاد أعجبتهم وأخذوا غرتها وكتبوا بذلك إلى الجزائر وأرادوا القيام على أبي حسون، وكانت أحكامه مرفوعة عنهم وكانوا يفعلون ما أرادوا في المدينة، يقبضون النسوان والصبيان وينهبون ما أرادوا، فضاقت الرعية من سوء فعلهم” .

بمجرد أن احتل الأتراك مدينة فاس نشروا الفساد والفسق وبطشوا بالأهالي خاصة النساء والأطفال

وجد الأمير أبو حسون نفسه في وضع لا يُحسد عليه، فقرر الاستقلال بقراره السياسي وعدم الرجوع إلى الأتراك في أمور الحكم، فما كان من هؤلاء إلا أن ألقوا القبض عليه واحتجزوه، وهو ما كانت له ردة فعل عكسية لدى سكان مدينة فاس الذين أعلنوا العصيان على الأتراك وهجموا عليهم لتخليص أميرهم.

 ومن على أسوار المدينة، خطب أحد الشيوخ ويدعى الساغي قائلًا: “اعطونا السلطان إن كان حيًّا وعليكم الأمان وانصرفوا إلى بلادكم، وإن كان ميتا فانظروا إن كان لكم على من تنادون وتصيحون”، وأمام هذا التهديد لم يجد الأتراك بُدًّا من إطلاق سراح الأمير الوطاسي والعودة إلى الجزائر بعد أخذ المال الذي وعدهم به وغادروا المغرب بعد أن تركوا في المدينة ذكريات أليمة ما زالت تتداولها كتب التاريخ التي تناولت دخول العثمانيين إلى عاصمة المغرب آنذاك.

بعد ذلك، نجح السلطان أبو عبد الله الشيخ في استرجاع مدينة فاس، بعد معركة حامية الوطيس قُتِل فيها أبو حسون الوطاسي، ليعقد العزم بعدها على طرد الأتراك من شمال إفريقيا، وتروي كتب التاريخ قوله: “لا بد لي أن أغزو مصر وأُخرج الترك من أحجارها”، وكان يطلق على السلطان العثماني “سلطان الحواتة” في إشارة إلى عمله مع القراصنة واللصوص.

وظل السلطان العثماني سليمان القانوني، يُرسل الوفود تلو الوفود لإقناع السلطان السعدي بالاعتراف به أميرًا للمؤمنين، والدعاء له فوق المنابر، وسكّ العملة باسمه، إلا أن أبا عبد الله الشيخ رفض ذلك بشكل قاطع، واعتبر مبادرة السلطان العثماني استفزازًا غير مقبول للأشراف المغاربة فرد على رسول سليماني القانوني ردًّا قاسيًا جاء فيه “لا جواب لك عندي حتى أكون بمصر إن شاء الله وحينئذ أكتب لسلطان القوارب”.

بعد هذا الرد القوي، عمل العثمانيون على تحريك كتيبة الاغتيالات المتواجدة في الجزائر، والتخطيط لاغتيال السلطان المغربي، بناء على أوامر سليمان القانوني الذي طلب أن يأتوه برأس السلطان السعدي، ويروي لنا المؤرخ المغربي الإفراني حيثيات اغتيال السلطان المغربي فيقول: “فبعثوا -أي أتراك الجزائر- رجلاً من أبطالهم يقال له صالح الكاهية في شرذمة من أجنادهم، مُظهرين للسلطان السعدي محمد الشيخ أنهم هربوا من العثمانيين ورغبوا في خدمته والتحصّن به ممن طلبهم، ونيّتهم المكيدة والاغتيال حيث أمكن”.

وبعد أن حظي الحشاشون الأتراك بثقة السلطان السعدي أبي عبد الله، استغلوا خروجه إلى جبال درن، ليقوموا بجريمتهم بطريقة بشعة لا تختلف عن الطرق التي تسلكها التنظيمات الإرهابية، إذ ضربوا رأسه بساطور، وقطعوا رأسه وأرسلوها إلى القسطنطينية، وعلقوها على أحد أبوابها، وبقي رأس السلطان معلقًا إلى أن تلاشى بفعل العوامل المناخية المتعاقبة، أما ما تبقى من جثته فحُمِلَ إلى مراكش حيث دفن.

  1. محمد الصغير الإفراني، نزهة الحاضي بأخبار ملوك القرن الحادي، تحقيق: عبداللطيف الشاذلي (فرنسا: مطبعة أنجي، 1888).

 

  1. مؤلف مجهول، تاريخ الدولة السعدية التكمدارتية، تحقيق: عبدالرحمن بنحاده (مراكش: دار المقالات، 1994).

 

  1. أبي العباس شهاب الدين الدرعي السلاوي، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت).