" مظاهر الاختراق الإيراني للمنطقة العربية مراحله"
دائمًا ما يُطرح هذا التساؤل: لماذا وكيف استطاعت إيران الخمينية اختراق منطقتنا العربية بهذه السرعة والسهولة؟ حتى أصبح لها مواطئ أقدام واحتلال دائم لبعض عواصمنا العربية؟ وكي نُجيب عن هذا السؤال لا بد أن نَسبِر أسباب ذلك، وما هي الآلية التي استخدمتها إيران في الولوج إلى منطقتنا العربية.
وفي رأينا أنها كانت لأسباب متنوعة، منها ما هو داخلي، ومنها هو خارجي، فلقد تبنَّت إيران الخميني أهدافًا إستراتيجية للاختراق الإيراني للمنطقة العربية من خلال تصدير ثورتها التعيسة خلال العقود الماضية، مستخدِمة الغطاء الديني والعواطف الدينية والبكاء على ماضٍ ليس له من الحقيقة شيء، وإيجاد بؤر وخلايا في منطقتنا العربية تُغذِّيها بطرق مختلفة.
كما أسهمت التغيرات في النظام الإقليمي للمنطقة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في تشكيل صورة البيئة الإقليمية الجديدة للتوجهات الإستراتيجية الإيرانية، حيث عملت على بلورة توجُّهات القوى السياسية الحاكمة فيها باتجاه المشاركة الفاعلة بسياسات الإقليم، وهذا ما تؤكده الوثيقة المستقبلية التي أعدَّها مجلس تشخيص مصلحة النظام عام 2005، لتحويل إيران إلى قوة إقليمية مركزية في منطقة جنوب وغرب آسيا، وفضلًا عن ذلك تدل كثرة البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية على اهتمام إيران الواضح بالقضايا الإقليمية وبؤر النزاع، فمن بين 919 بيانًا صدرت عام 2014، احتلت البيانات الخاصة بالشأن الإقليمي ما نسبته 90% تقريبًا، كان أغلبها متعلِّقًا بمنطقة الخليج والعراق وسوريا واليمن، الأمر الذي يشير إلى انخراط إيراني وبشكل واضح وكبير في قضايا الشأن الإقليمي.
أما على الصعيد القانوني، فقد تضمَّن الدستور الإيراني نصوصًا تدعو للإشادة بالثورة (الإسلامية) الخمينية باعتبارها حركةً تغييرية جديدة في المنطقة، التي أسهمت في مسار النهضة العقائدية الإسلامية الأصيلة، كما بيَّن في ديباجته نصوصًا واضحة على أهمية تعزيز ولاية الفقيه في العالم الشيعي، ومحاربة الرجعية والديكتاتورية، وتعميم القيم الإسلامية، ومساعدة المستضعَفين في الأرض.
ومن هنا انطلقت إيران الخمينية لتحقيق تلك الإستراتيجية في المنطقة العربية تحت مسميات وأُطُر متباينة بين علاقات سياسية أو ثقافية وعلمية ودينية، وذلك من باب تعزيز الروابط الثنائية، وهو ما يظهر في العَلَن خلافًا لما يُخطَّط له خلف الأبواب المُؤصَدة.
والواقع أنه كان للأوضاع الداخلية التي مرت بها كل من العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، دور كبير في التأثير على استقرارها واستمرارها كدول وطنية، فمنذ استقلالها عن المستعمر الأوروبي سارت باتجاه تعزيز مكانتها كدول وطنية مستقلة ذات سيادة، حيث انشغلت بمسألة تعزيز المركزية السياسية والإدارية الداخلية كقاعدة أولى لتحقيق تنميتها الوطنية، وهو ما نظم حُكم سلطوية، أدَّى ضعفها في النهاية إلى تأجيج خلافاتها العقائدية والتاريخية، قد انعكس ذلك سلبًا على عملية بناء الدولة، وهي العملية التي فشلت فيها النخبة السياسية الحاكمة من ترسيخ فكرة المواطنة، وزيادة معدلات مشاركة الجماهير في الحياة السياسية، وتدعيم قدرة الحكومة المركزية ورفع كفاءتها فيما يتصل بتوزيع السلطة والثروة، فضلًا عن إضفاء الشرعية عليها لتستند إلى أساس قانوني لا سلطوي، مما أوقعها في دائرة الطموح الإيراني الخبيث، الذي وجد في أزماتها القيمية سبيلًا لاختراقها، وقد شكَّلَت كل من معضلات الهوية الوطنية، وشرعية السلطة الحاكمة، وضعف المشاركة السياسية، مدخلًا إستراتيجيًّا لتحقيق الطموحات الإيرانية.
لقد وجدت إيران في أزمة بناء الدولة العربية وسيلة مهمة في اختراق مؤسسات السلطات الرسمية وغير الرسمية لتلك الدول، وقد مكَّنها في ذلك العديد من أذرُعها الخارجية كوكالة المخابرات القومية، أو السفارات الخارجية، أو صناديق التنمية الاجتماعية والدينية، وبشكل عمل على دخولها في بنية المؤسسات في البلد المخترق، وقد ارتبطت شدة ذلك بضعف السلطة أو قوتها، حتى وصل الأمر أحيانًا إلى الاعتراف أو عدم الاعتراف بالمؤسسات الحاكمة نفسها، فإيران أشبه ما تكون بالحية الجميلة ناعمة الملمس في أساليبها واختراقها حتى يتبيَّن مدى خُبثها ومكرها فينفر منها، ولكن الإشكالية التي تواجه منطقتنا العربية هي الأحزاب والأفراد المُؤَدْلَجة والمُشبعة بالفكرة الخمينية الإيرانية، فهم الذين يُمثِّلون الخطر الحقيقي على الأوطان.