تمجيد السلاطين:

بين سرديات الإسلامويين الجدد وتقديس الأبطال التاريخيين

في السياق المعاصر، أخذت الحركات الإسلاموية الجديدة على عاتقها مهمة تعظيم شخصية السلطان محمد الفاتح، مستخدمةً في ذلك أدوات تحريف التاريخ وتمجيده بأسلوب يكاد يصل إلى مستوى التقديس. تتجلى هذه الظاهرة بوضوح في كيفية تصويرهم للفاتح، حيث لا يتركون صفة إيجابية إلا وينسبونها إليه، ولا يشيرون إلى أي من نواقصه أو أخطائه البشرية الطبيعية.

استكشاف تزوير التاريخ وتصنيف الفاتح كرمز للعثمانية الجديدة.

لماذا يتم اختيار محمد الفاتح كأيقونة؟ الجواب يكمن في استغلال تاريخ “القسطنطينية”، التي فتحها، لتعزيز الأجندة السياسية والفكرية للعثمانية الجديدة. يستخدمون الروايات التاريخية المتناقضة والمليئة بالتأليف لدغدغة مشاعر جماهيرهم، مما يشير إلى محاولات لإعادة صياغة التاريخ لتحقيق مكاسب معاصرة.

علي محمد الصلابي في كتابه “الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط” يُبرز مثالية محمد الفاتح كقائد، مشيراً إلى صفاته كالحزم، الشجاعة، والعدالة. بينما تعرض الدكتورة إيناس محمد البهيجي في “تاريخ الدولة العثمانية” مهاراته اللغوية والشعرية، لكنها تتجاهل الجوانب الأقل إثارة للإعجاب، مثل تحدياته العسكرية.

تتبع هذه الأمثلة كيف يُستخدم التاريخ أحياناً لتلميع صورة الشخصيات لخدمة الأجندات الفكرية، حيث يتم التغاضي عن الحقائق المزعجة أو المتناقضة. محمد مصطفى صفوت يقارن في “السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية” بين الفاتح والإسكندر الأكبر، مما يعكس الرغبة في إظهار الفاتح كبطل ملحمي يشبه الأساطير الكلاسيكية.

المعلومات المغلوطة والتفسيرات المثالية للتاريخ ليست بالأمر الجديد، ولكن ما يثير القلق في الحالة العثمانية الجديدة هو استعداد البعض لتمجيد الفاتح بطريقة تكاد تكون مقدسة، مما يعيد للأذهان تأليه الشخصيات التاريخية كما كان يحدث في الحضارات القديمة مثل الفرس والهندوس. يشير هذا إلى أن التاريخ يمكن أن يُستخدم كأداة قوية للتأثير الفكري والسياسي، وأن الحقائق يمكن أن تُعدّل أو تُهمل بحسب الحاجة.

هذا السلوك يدعو للتأمل في كيفية تعاملنا مع الشخصيات التاريخية وكيف نحكم على تصرفاتهم وأخلاقهم من خلال عدسة العصر الذي نعيش فيه، مع الأخذ بالاعتبار أن البطولات المألوفة قد تكون محفوفة بمزيد من التعقيد مما تظهره الروايات المثالية.

  1. أوزكان، آيتاج. السلطان محمد الفاتح. القاهرة: دار النيل، 2015.

 

  1. البهيجي، إيناس محمد. تاريخ الدولة العثمانية. عمَّان: مركز الكتاب الأكاديمي، 2017.

 

  1. صفوت، محمد مصطفى. السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية. القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2020.

 

  1. الصلابي، علي. الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط. بورسعيد: دار التوزيع، 2001.

استقصاء الدور الديني والقضائي في تبرير

الأعمال العسكرية والتداعيات الاجتماعية لفتح القسطنطينية

في الدور الديني والقضائي في الدولة العثمانية يُعد شيخ الإسلام أحد الأعمدة الرئيسية في النظام العثماني، حيث كان يتمتع بمنصب يتيح له إصدار الفتاوى التي تستند مباشرة إلى الشريعة الإسلامية. على الرغم من الأهمية البالغة لهذا المنصب، إلا أن تأسيسه لم يكن فوريًا بعد قيام الدولة العثمانية، بل جاء بعد مرور أكثر من قرن، عندما تم تعيين المولى شمس الدين الفناري في عهد السلطان مراد الثاني. هذا التأخير يثير تساؤلات حول تقدير الدولة للدور الديني وتأثيره على استقرار وتطور النظام العثماني.

القسطنطينية: فتح أم اقتحام؟ تحليل التاريخ العثماني والتأثيرات الشرعية.

ظهور مشيخة الإسلام في البداية كان متواضعًا، ولكنه سرعان ما نال التقدير والاحترام. أكمل الدين إحسان أوغلو يذكر في كتاباته كيف تطور هذا المنصب ليصبح ركنًا أساسيًا في الهيكل الإداري والديني للدولة. ومع ذلك، كانت الأحكام العرفية تسود في العديد من جوانب الحياة العثمانية، مما يدل على تعقيد النظام القانوني وتفاعله مع العرف والدين.

تأسيس المشيخة جاء ليعكس تحولًا في كيفية إدارة وتطبيق القانون، حيث بدأت السجلات القضائية بالظهور بشكل واضح في عهد محمد الثاني. السجلات التي تم العثور عليها والتي تعود إلى عام 860هـ في محكمة مدينة بورصة تعد من أقدم الأدلة على هذا التطور. ومع ذلك، يظل الكثير من التاريخ القضائي والإداري مفقودًا أو غير موثق بشكل كافٍ.

من المهم أيضًا الإشارة إلى الفتح العثماني للقسطنطينية، الذي يُعتبر واحدًا من أبرز الأحداث في التاريخ الإسلامي. الروايات التاريخية تصف هذا الفتح على أنه إنجاز عظيم، ولكنها تتضمن أيضًا سرديات تعكس الوحشية والعنف الذي شهدته المدينة خلال وبعد الفتح. التناقض بين الصورة المثالية للفتح الإسلامي والواقع الفعلي للأحداث يثير التساؤلات حول الأساليب التي استخدمها العثمانيون لتحقيق أهدافهم.

العبث وأساليب النهب التي تمت خلال الفتح تظهر جانبًا مظلمًا للغزوات التي كان من المفترض أن تكون تحت راية الفتوحات الإسلامية. الاختلافات بين الأعمال المقدسة المزعومة والأفعال الفعلية التي ارتكبت تشير إلى الصعوبات التي واجهت العثمانيين في موازنة بين الطموحات الإمبراطورية ومبادئ الشريعة الإسلامية.

كذلك تجارة الرقيق التي نشطت بعد سقوط القسطنطينية تعكس جانبًا آخر من النتائج غير المقصودة للفتوحات. سوق الرقيق في نقسوس ومدن الأناضول الساحلية يعطي نظرة على كيفية استغلال العثمانيين للأوضاع الجديدة التي خلقتها الفتوحات، حيث تم بيع الأسرى من المعارك ليصبحوا جزءًا من سوق الرقيق الدولي. هذا الجانب من الحياة الاقتصادية في الإمبراطورية يُظهر كيف كان الأتراك يستغلون الظروف الجديدة لتعزيز قوتهم وتأثيرهم في المنطقة.

أخيرًا، فإن الأحداث التي أعقبت الفتح وكيفية تعامل العثمانيين مع السكان المحليين تُظهر التحديات التي واجهت السلاطين في إدارة إمبراطورية متنوعة ومترامية الأطراف. استخدام القوة والعنف في الفتح، وتأثير ذلك على السمعة الإسلامية للعثمانيين، يثير تساؤلات حول الفجوة بين الأهداف الدينية والسياسية في تلك الفترة من التاريخ.

  1. إحسان أوغلو، أكمل الدين. الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي. إسطنبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون، 1999.

 

  1. المحامي، محمد فريد. تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي. ط2. بيروت: دار النفائس، 1983.

 

  1. من تاريخ الأقطار العربية في العهد العثماني: بحوث وقوانين. إسطنبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون، 2000.

 

  1. فليت، كات. التجارة بين أوروبا والبلدان الإسلامية في ظل الدولة العثمانية”. تعريب: أيمن الأرمنازي. الرياض: مكتبة العبيكان، 1425هـ.

 

  1. أورتايلي، إيلبير. إعادة استكشاف العثمانيين. بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2018.

 

  1. كالين، إبراهيم. مقدمة إلى تاريخنا والآخر وما وراء العلاقات بين الإسلام والغرب، ترجمة: أنس يلمان. بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2021.
تشغيل الفيديو