محمد الفاتح..
فاقد الشيء لا يعطيه!!
يعتمد المشروع التركي التوسعي الجديد على بناء السمعة لشخصيات تركية توازي الشخصيات العربية من (صحابة وتابعين) وكذلك شخصيات قيادية ذات سمعة مرموقة في التاريخ العربي خاصة (الخلافة الراشدة، الإمبراطورية الاموية. الإمبراطورية والعباسية)، انها عقدة المثال التي يتفوق بها التريخ العربي على غيره.
الفرس على سبيل المثال مثلا بنوا شخصيات “عربية وهمية” قدسوها وزوجها فارسيات او جعلوا امهاتهم فارسيات لردم هوة العقدة لديهم، بينما الاتراك خلقوا شخصياتهم العثمانية.
المشروع التركي في سعيه لاستعادة الإمبراطورية العثمانية التي سقطت قبل ما يزيد عن مئة عام، يفهم جيدا ان العودة من الباب العسكري او الاحتلال مستحيلة، وان الطريق الوحيد هو من خلال باب “الخلافة المزعومة” والتي يتصورون انها لن تأتي الا بعد صناعة مناخ وهمي يجذب العوام في العالم العربي لفكرة رومانسية.
ومن هنا جاءت الدراما العثمانية في نموذجاها المبهر والخيالي، ومن هنا جاءت فكرة استقطاب قيادات اسلاموية الى تركيا وإتاحة الفرصة لها للعمل على تسويق نموذج الحكم التركي، ومن هنا جاءت إعادة كتابة تاريخ السلاطين على ايدي جماعات الإسلام السياسي والمستلبة للعثمنة، وعلى رأٍسهم محمد الفاتح.
ولخلق ذلك المناخ –لتحقيق الولاءات العابرة- كان لابد من إعادة كتابة السردية التركية بطريقة تعلي من شأن السلاطين الى مرتبة الصحابة، وتعلي من اعمال الإمبراطورية العثمانية الى مرتبة الدولة النبوية الرشيدة، بالرغم من كونه امر لا يستقيم مع التاريخ الدموي والعبثي الذي مارسته السلطنة على الشعوب العربية لأكثر من 400 عام هي فترة احتلالها للأرضي العربية، الا انهم مستمرون في التزوير.
هذا الأسلوب يشرح الى حد كبير هوس العثمانيين بتحويل سلاطينهم الى شخصيات مقدسة، بل وتحريف بعض الأحاديث، واسقاطها عليهم، والجرأة على اضافة ما يدعم السردية التاريخية العثمانية عن سلاطينهم، حتى لو كان ذلك بالتزوير ولوي الأحاديث واسقاطها عنوة عليهم.
فمثلا حديث فتح القسطنطينية الذي يشيرون فيها دائما الى السلطان “محمد خان” الملقب بالفاتح: (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش).
وبالرغم من تضعيف الحديث من بعض المحدثين، الا ان هناك من يرى ان فيه زيادة تبدأ من (فنعم الأمير الى نهاية الحديث) وان الحديث الأصلي للاخبار فقط (لتفتحن القسطنطينية)، وهذا ينفي تماما تلك السردية المقدسة التي أضيفت على السلطان محمد خان، فهو في نهاية الامر حاكم عثماني صادف التاريخ ان تسقط القسطنطينية في عهده فقط، وهذا ربما يشير الى ان الزيادة في الحديث كانت من اجل الانعام على محمد الفاتح بما لا يستحقه من اجل تحقيق القداسة المنشودة ولتقريبه اكثر من مكانة الصحابة والخلفاء العرب الاقدمين.
وهذا ما حصل في الرواية الشعبية المتداولة، فبرغم من تاريخ محمد الفاتح المليء بالسلوكيات غير السوية – انجذابه للغلمان مثلا-، واعجابه بالمسيحية بل وكتابته للشعر اعجبا بها وبالكنيسة، يدفع برواية التقديس جانبا ويلغيها تماما، ويذهب نحو تفكيك “محمد الفاتح” المقدس ليعطينا الصورة الأخرى لمحمد خان الذي يمتلئ تاريخه بالسلوكيات السيئة، ويكشف الحقيقة المغيبة لشخصية غريبة جمعت بين كل المتناقضات، ومع ذلك يقدم على انه اقدس اقداس السلاطين العثمانيين.