يوم المشقر "الصفقة"

هل هو بداية أم نهاية؟

هل كان هذا اليوم من أيام العرب، يومًا أنهى الحقد والجبروت الفارسي من كسرى، وتبدلت العلاقات إلى المهادنة؟! أم استمر الفرس في عنجهيتهم وتعاليهم؟! والمشقَّر اسم لحصن قديم عظيم، كان مكانًا مرموقًا في منطقة هجر بالبحرين.

لقد كان يوم المشقر يومَ انتقام كسرى الثاني، من بني تميم وكان السبب ليس سياسيًّا وإنما كان سببًا اقتصاديًّا، وذلك حين ألغى كسرى دور بني تميم في عقر دارهم من تقديم الحماية الأمنية لقوافل التجارة، وكان الهدف من ذلك أن يستحوذ عليها حتى يفرض ما يفرض من ضرائب وإتاوات، ناهيك عن غض الطرف عمن يتعدى على بعض القوافل لنهبها خاصة ما كانت ملكيتها لعربي من العرب.

لقد كان خط سير القوافل التجارية يبدأ من “المدائن” عاصمة الفرس، إلى الحيرة حيث النعمان، وتقديم الحماية لها، ومن ثم إلى هوذة ومقره اليمامة، وله (جعالة) مقابل مالي، ومن اليمامة تنطلق إلى أن تصل إلى اليمن، وهناك يتقدم لاستلامها من كان كسرى يكلفهم بالإشراف على ذلك.

وتذكر المصادر التاريخية كالطبري في مؤلَفه “تاريخ الأمم والملوك” وغيره، بأن كسرى أنوشروان أرسل إلى عامله باليمن بعيرًا تحمل شجرًا للاستفادة من أخشابها في صناعات متعددة منها السهام، وبوصولها إلى اليمامة ألغى هوذة دور بني تميم في تقديم الحماية، وطبعيٌّ أن تكون ردة فعلهم أن يقفوا للدفاع عن حقهم ووجودهم السياسي في موقعهم، واستطاعوا السيطرة عليهم، ووقع هوذة أسيرًا وافتدى نفسه بما يقارب من 300 بعير، تفرعت الأحداث والأبرز في ذلك بلوغ تداعيات الأحداث إلى كسرى بعد وصول هوذة إليه، فقال كسرى: يا هوذة رأيت هؤلاء اللذين قتلوا أساورتي وأخذوا مالي، واستغل ثأرًا كان بين هوذة بني تميم، وقد قدم كسرى الدعم لهوذة، لكن قوة بني تميم في مواقعهم وجغرافيتهم كانت محل ذعر هوذة وأساور كسرى، فجاء المقترح بأن تُمنع عنهم الميرة -القوافل الغذائية-، وكانت تلك السنة سنة جدب وقحط، ويلاحظ أهمية بني تميم ومكانتهم السياسية، وفي الطرف الآخر التربص واستخدام أسلحة الغدر والقهر للعرب حتى تأتي إلى الأكاسرة صاغرين. لكن هيهات هيهات، فالعربي يقدم نفسه هينة على ألا تُمَسَّ كرامته أو يُنْتَهَك حِمَاهُ.

توالت الأحداث وعيَّن كسرى رجلاً، يقال له “المكعبر” قد اشتهر بقطع الأيدي والتمثيل بمن يسلبونه حق الدفاع عن نفسه، وليست تلك شجاعة أن يجرد الأشخاص من أسلحتهم، ويستخدم ضدهم أبشع أنواع القتل والتعذيب، نجح هوذة بمساعدة كسرى في أن يستدرج بني تميم لطلب الميرة، وكانت روائح البطش تعم المكان، وقد فرضوا على كل من يأتي أن يترك سلاحه في الخارج ويدخل إلى حصن المشقر، وتنادَوا، ولكن البطولات العربية بحكمة رجالها لا تتوقف وإن كانت النهاية هزيمة لكنها كانت مقابل رفض الغدر والذل أو التذلل لكسرى وأشباهه.

صاح رجل من بني تميم بقومه ألا تدخلوا مسلوبي السلاح، فما بعد السلب إلا القتل، واستل سيفاً قطع به سلسلة كانت على باب المشقر، وقطع يد من كان يحرسه، وكان الجزاء من جنس العمل، واستمر هوذة في استغلاله كل ما يمكن أن يقضي به على قوة بني تميم فساوم في رجال من خيرة الرجال، وقُتل الكثير في ذلك اليوم.

هو يوم تأكد فيه أن طغيان الأكاسرة لا يمكن أن يُنال بالغدر وإشاعة الذعر بالقتل وسفك الدماء العربية للخلاص من قوتهم، وبسط توسعهم وإمبراطوريتهم التي اتسعت بقهر الشعوب.