من بطولات الإمام فيصل بن تركي ضد العثمانيين

صُنْعُ حائِطِ صَدٍّ قويٍّ أمام الأتراك

جاءت نتائج معركة الحلوة عام (1837) مُخيّبة آمالَ الوالي العثماني محمد علي بعد هزيمة قواته هزيمةً عُظمى، إذ وصف المؤرخ السعودي عثمان بن بشر المعركة بقوله: “وسار أهل البلد -أعني أهل الحلوة ومن معهم- على الذين دخلوا البلد وقت الهزيمة فحصل قتال شديد يشيب من هوله الوليد، واستولى أهل الحلوة على المدافع ورموها من رأس الجبل، فنزل النصر من السماء وأول من انهزم الأعراب الذين مع العسكر ثم وقعت الهزيمة على الباقين وهلك أكثر الجنود قتلا وظمئًا وتفرّق الخيّالة في الشعاب، فهلكوا فليس لهم دليل..”.

كما أظهرت معركة الحلوة كُره الأهالي للحكم الأجنبي المتمثل في الترك، وفي الوقت ذاته كانت تلك الأخبار مُشجّعة للإمام فيصل بن تركي لما بلغه خبر اندحار العساكر الأتراك وانتصار السعوديين فيها، وهو في الأحساء، التي كان ينظم فيها القوات ويرسم الخطط ليعيد الكَرَّة على عدوه، فخرج منها وبصحبته أهالي الأحساء وجيش من قبائل مطير والعجمان وسبيع والسهول، ونزل الخرج و انطلق منها نحو الرياض، وحاصر الإمام فيصل الرياض واندلعت الحرب بينه وبين الأتراك، ثم قرَّرَ الإمام فيصل فك الحصار عنها بعدما جاءت نجدات وإمدادات للمُحاصرين.

ويشير المؤرخ السعودي عبد الله بن محمد البسّام في كتابه تحفة المشتاق إلى ذلك بقوله: “وتوجّه إلى الخرج فلما وصل إليه أمرهم بالمسير معه إلى الرياض فسار معه عدد كبير من أهل الخرج فلما وصلوا الرياض نزلوا هناك وثارت الحرب، وكتب فيصل إلى أهل الحوطة والحريق يستنجدهم فأتاه منهم عدد كثير، وكتب إلى أهل المحمل وسدير والوشم فأتى إليه كثيرون منهم، وارتحل فيصل بجنوده من الرياض ونزل منفوحة”، وجرت مراسلات بين الإمام فيصل وخالد بن سعود للصلح ولكن لم ينعقد بينهم صلح.

وأمام تلك التطورات والتغيرات في المواقف العسكرية في نجد قرر محمد علي تعزيز قواته المحاصرة فيها بقوات كبيرة، وكلّف أبرز قادته العسكريين (خورشيد باشا) ليقود تلك الحملة ضد الدولة السعودية الثانية، وضد إمامها فيصل بن تركي، وانطلقت حملته العسكرية من المدينة المنورة، فوصلت إلى نجد في (1838م)، وعسكرت في بلدة الرس في القصيم. وخلال ذلك حاول الإمام فيصل مناورة خورشيد بفتح باب الاتفاق والصلح كي يكسب الوقت.

حاول الإمام فيصل وقف تقدم القوات الجديدة الزاحفة المتجهة إلى الرياض، حتى يتمكّن من القضاء على قوات إسماعيل الموجودة فيها، ولكن فطن خورشيد لما كان يهدف إليه الإمام فيصل، فكان له رأي آخر بأن يرسل مندوبا من جانبه للإمام فيصل يطلب منه الانسحاب من نجد إلى الأحساء، وأن يرسل أخاه جلوي رهينةً عند خورشيد ليضمن تنفيذ الاتفاق، أو ينتظر إعلان الحرب ضده.

وأمام تلك الأوضاع الحرجة لم يكن بوسع الإمام فيصل إلا الانسحاب من منفوحة والتوجه نحو بلدة الخرج؛ إذ إن هناك مؤيدوه وأنصارُه؛ وليتحصّن فيها دون الانسحاب إلى الأحساء، ولذا اتخذ منها قاعدة للمقاومة ضد حملة خورشيد، وأرسل من الخرج إلى كبار قادته في الأحساء وجهات عمان، وإلى الأفلاج ووادي الدواسر من أجل تجهيز قوات عسكرية سعودية، وإعداد الخطط من جديد لمحاربة القوات التركية في الرياض وصد عدوان الحملة التركية المتوقع.

وحدث ما كان يتوقعه الإمام فيصل من الغُزاة، حين زحف خورشيد بقواته الغازية ومن تبعها من أهل البلدان النجدية نحو الخرج، فالتقى الفريقان بقوات الإمام فيصل بن تركي، والتحما في أكثر من معركة حامية الوطيس شهدت خلالها تقديم المئات من القتلى من الفريقين، حتى كاد أن يفنى فيها الجيشان.

قرر الإمام فيصل بن تركي محاصرة الأتراك في الرياض بعد هزيمتهم على يد أهالي الحلوة.

ويقول المؤرخ البسّام واصفًا الحدث: “حصل بين الفريقين وقعة شديدة قتل فيها من أصحاب فيصل عدة رجال .. وقتل من العسكر عدد كثير.. ثم بعد ذلك بأيام حصل بينهم وقعة شديدة قتل فيها عدد كثير من الفريقين ..”.

  • عبد الله بن محمد البسام، تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق (الرياض: دارة الملك عبد العزيز، 1434ه).
  • عبد الفتاح حسن أبو علية، تاريخ الدولة السعودية الثانية (الرياض: دار المريخ، 1991). 
  • عبد الرحيم عبد الرحمن، محمد علي وشبه الجزيرة العربية، ط2 (القاهرة: دار الكتاب العربي، 1986).
  • عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط3 (الرياض: وزارة المعارف، 1974).
  • محمد بن عبد الله العبد القادر الأنصاري، تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد، ط2 (الرياض: مكتبة المعارف، 1982).
  • محمد عرابي نخلة، تاريخ الأحساء السياسي 1818-1913م (الكويت: ذات السلاسل، 1980).
  • محمد بن عمر الفاخري، تاريخ الفاخري، تحقيق: عبد الله بن يوسف الشبل (الرياض: مكتبة العبيكان، 1999).