السلطان "الأحمر" بعد العام (1876)

نفَّذ سلسلة اغتيالات في مكة المكرمة والطائف تحقيقًا لأجندته الفاشية

لم تكن مكة المكرمة تحت الحكم العثماني سوى مفتاح للحكم باسم الخلافة الإسلامية فقط، فقد عُومِلت مكة وحُكَّامها وأهلها كجائزة يجب أن تبقى بيد السلاطين، لتعطيهم الشرعية التي يحكمون بها العرب والمسلمين، ولكي تبقى يجب أن يتم التلاعب بها وبولاتها وسكانها، للحفاظ عليها أطول فترة ممكنة، ليس مبررًا لكنه كان ذلك خلاصة تفكير سلاطين العثمانيين.

سيطر العثمانيون على الديار المقدسة حوالي 400 عام، لم تستقل عنهم وتعيش تحت حكم عادل رشيد إلا فترة الدولة السعودية الأولى، لتعود مرة أخرى تحت الاحتلال العثماني حتى سقوطهم، واسترداد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الحرمين الشريفين منهم، ليعم الحكم الرشيد الديار المقدسة مرةً أخرى.

اتفق مؤرخون كُثُر على أن الأسلوب الذي اتبَعه العثمانيون في إدارة حكم مكة المكرمة كان معطِّلًا للحياة، مُفشِيًا للخصومات واقتتال لا ينتهي، وما أن يستقر الأمر بوالٍ يحكم مكة حتى يُعزل وينفى إلى تركيا؛ إذ عمل السلاطين على نقل الحكم من عائلة إلى أخرى، وبثِّ الخصومة والفُرقة والتحاسد بينهم، فضلًا عن الوشايات والشكاوى، وما أن يستقر الأمر لأمير على مكة حتى يفتعل الوالي التركي أمرًا، أو يُحرِّض منافسًا لتشتعل مكة، ويتفشَّى فيه الدم والاقتتال.

عبد الحميد الأحمر ومكة المكرمة:

بالرغم من أن السلطان عبد الحميد مثله مثل كل سلاطين بني عثمان لم يَزُر مكة المكرمة، ولم يعتمر أو يحج ولو لمرة واحدة، لكن أياديه وآثار إدارته الدموية كانت واضحة المعالم في شوارعها ودواوينها وقصور حكامها، إدارة مليئة بالفُرقة، والمؤامرات، والقتل، والترويع، ففي العام (1876) اغتصب عبد الحميد الحكم من أخيه عبد العزيز الذي اتهمه بالجنون، وكان الاتفاق بينه وبين “الدستوريين” الجدد في تركيا أن يتولى الحكم بالشراكة معهم، وينفذ أجندتهم بعد الاتفاق على الإطاحة بأخيه.

امتد الاتفاق بين الدستوريين وعبد الحميد إلى مكة المكرمة، حيث الشرعيَّة المزعومة التي لم يستحقوها يومًا، ولتمرير أجندتهم اتفقوا مع السلطان عبد الحميد على تعيين الشريف الحسين بن محمد واليًا من قِبَلهم على مكة، بالطبع كان الحسين مقيمًا في إسطنبول كما الآلاف من عائلته؛ فقد كان العثمانيون الأتراك يستدعون العائلات من مكة، ويستبقونها لديهم عشرات السنين، ويُرَبُّونهم على منهجهم، ويُغيِّرون طبائعهم، وحينها كان الحسين وزيرًا في مجلس شورى السلطنة، ومقيمًا إسطنبول؛ كان منسجمًا مع الدستوريين الاتحاديين، وهنا جاء دور عبد الحميد ليعيِّنه واليًا على مكة.

والي عبد الحميد على مكة المكرمة:

وصل الوالي المُعيَّن من عبد الحميد الثاني؛ حسين بن محمد إلى مكة المكرمة بناءً على الاتفاق بينه وبين السلطان، خالِعًا أخاه عون بن محمد الذي نُفي بدوره إلى إسطنبول، ليبدأ حسين مسيرته في تنفيذ أجندة السلطان وشركائه الاتحاديين الدستوريين، لكن الشركاء اختلفوا، وظهر الخلاف على السطح، لينقلب عليهم عبد الحميد، بعدما جاؤوا به منقلِبًا على أخيه ووضعوه سلطانًا.

هذا هو أسلوب الحكم في الدولة العثمانية منذ بدايتهم، لذلك اعتادوا على المؤامرات والانقلابات، وما فعله عبد الحميد أن انقلب على الاتحاديين بالقبض عليهم بعد أن ساهموا في تعيينه سلطانًا، وفي مقدمتهم رجل الدستور مدحت باشا وكثير من زملائه، الذين نفاهم إلى الطائف، ثم أعلن عن حربٍ عدوانية عنيفة ضد أنصار الدستور، فأنشأ إدارةً خاصة بالجاسوسية شرعت تتعقَّبهم وتقتلهم، وأخذ السلطان في ملاحقة خصومه حتى على الظن والشُّبهة، وأمعن في النفي والتشريد والاغتيال والقتل حتى ملأ سجونه بخصومه، وقتل الكثير منهم إغراقًا في بحر البسفور، الذين قُدِّروا بالألوف، كما قضى على الكثير اغتيالًا في السجون.

الترويع والقتل في مكة المكرمة:

على الرغم من أن مكة المكرمة جعلها الله حرمًا مقدسًا، وحرَّم أن تُقطع فيها شجرة أو يروَّع فيها كائن حي، أو يُفسَد فيها أو يُعمَل فيها بإلحاد، مع ذلك لم تسلم من “بشاعة السياسة العثمانية”، ومؤامرات القصور العثمانية، ولم يستثنِ عبد الحميد مكة المكرمة من حربه على خصومه، ولاحقهم حتى في مكة المكرمة، لتبدأ أولى جرائمه ضد واليه على مكة الحسين بن محمد، إذ أراد عبد الحميد أن يضع حدًّا لإمارة الحسين وعلاقته السابقة بخصومه من الاتحاديين، فدبَّر أمر اغتياله، فهو لا يراه إلا أحد رموز الاتحاديين، ولا بد من قتله في مكة، أو في مكان تسنح فيه الفرصة، وجاءت المؤمرة بإرسال حاج يتجوَّل ويتتبع الوالي حسين بن محمد من مكان إلى آخر، حتى اصطاده في جدة ليطعنه بخنجرٍ مسموم في الوقت الذي كان يترجَّل متهيئًا لدخول القصر، ليقابله رجل أفغاني بهيئة درويش، أقبل عليه كمن يريد تقبيل يده، حتى التصق به وطعنه بخنجرٍ مسموم في خاصرته ليموت بلحظته.

عبد الحميد الثاني اغتال والي مكة المكرمة الحسين بن محمد عن طريق درويش أفغاني

تصفية الحسابات في أقدس أقداس المسلمين:

حادثة اغتيال الوالي الحسين بن محمد في مكة المكرمة على أيدي رسل من الأستانة، لم تكن سوى جزء من الصراع المرير الذي عاشته السلطنة العثمانية بين حُكَّامها وأعوانهم، ما فعلوه في الناس من تحريض وفُرقة ونزع للحكم من هذا ووضعه في ذلك، حصل بينهم أنفسهم وكأنهم يسدِّدون فواتيرهم بأيديهم، ولم يتورَّعوا عن تصفية حساباتهم وملاحقة خصومهم، أو من يَشُكُّون في ولائهم حتى في مكة المكرمة أقدس أقداس المسلمين، وهو يؤكد أمرًا في غاية الأهمية يحاول البعض المرور عليه وإهمال ذِكره، وهو أن مكة بكل قدسيتها لم تكن في نظر السلاطين سوى ولاية من ولايات السلطنة، وأهميتها في كون السلمين يقدسونها، وهي مصدر شرعيتهم فقط، لكن ذلك لم ينتقل إلى تجنيبها خصوماتهم وسياساتهم واقتتالهم، وكثير من المؤرخين أثبتوا ما عانت منه مكة الكرمة وأهلها من تلك السياسات والفتن التي أطاحت بالحكام، ونتج عنها قتل وفوضى.

  1. أحمد السِّباعي، تاريخ مكة في السياسة والعلم والاجتماع (الرياض: دارة الملك عبد العزيز، 1999).

 

  1. أحمد دحلان، أمراء البلد الحرام (بيروت: الدار المتحدة للنشر والتوزيع، د. ت).

 

  1. جيرالد ديغوري، حكام مكة، ترجمة: محمد شهاب (القاهرة: مكتبة مدبولي، د.ت).

بين الصفا وباب الوداع في الحرم المكي

أطلق العثمانيون نيران رصاصهم على الأهالي سنة (1908)

  عانى الحجاز منذ احتلاله من قِبَل الدولة العثمانية ازدواجية السلطة والإدارة فيما بين شريف مكة المكرمة وسلطة الوالي التركي في جدة، وكان لهذه الازدواجية آثارها السلبية على استقرار الأوضاع الإدارية والأمنية، وذلك لعدم التوافق بين الطرفين من الناحية الإدارية والفكرية، مما كان يؤدي في كثير من الأحيان إلى النفرة والتصادم فيما بينهما، حتى وصفتها تقارير القنصلية البريطانية في جدة بأن ازدواجية السلطة في الحجاز مصدر من مصادر القلاقل والاضطراب الأمني. 

ومما كان يثير القلاقل في الحجاز فرض الضرائب الدائمة والمؤقتة لأهداف معينة من أجل التطوير، أو عمل إصلاحات عمرانية وغيرها، وبعض الضرائب المؤقتة التي قد تستمر لأكثر من عشرين سنة، والتي بدورها تَمسُّ الحُجَّاج والمقيمين في الحرمين الشريفين، واتخذت أشكالًا وطرقًا مختلفة، بل قد تكون تلك الضرائب منشأ خلاف الوالي التركي وشريف الحجاز، ومَن يتمعَّن في دراسة الضرائب في الدولة العثمانية سيجد أنها تنوعت من ولاية إلى ولاية، وحسب تسلط الولاة والإداريين فيها.

جاءت ثورة أهالي مكة على العثمانيين بسبب فرض ضرائب على دفن الموتى

ومن تلك الضرائب التي أثارت جدلًا واسعًا وقلقًا لدى الناس في مكة المكرمة، وأدَّت إلى إعلان الثورة ضد الأتراك، ونشبت بسببها معركة استُخدم فيها السلاح الناري والرمي بالرصاص الحي، مما تسبب في حدوث مقتلة سنة 1326هـ (1908)، حيث ثار الأهالي في مكة لأن رجال الدستور من العثمانيين قرَّروا استيفاء ضريبة خاصة على دفن الموتى، وقدرها خمسة ريالات مجيدية، لتصرف على تعمير الجدار المحيط بالمقابر، وعمارة القبور المتهدمة، واستحضروا لذلك الأمر شيخ القبوريين أحمد القبوري ليبلغوه استيفاءها من أهالي الموتى، فاستنكر القبوري أمر الضريبة، وخرج من دار الحكومة صائحًا، فاجتمع إليه الناس، وأبلغهم الأمر في صورة استثارت شعورهم، وكانوا لم يعتادوا على مثل تلك الضرائب الغريبة، وصاح صائحهم بالجهاد في سبيل الله، فخرجوا بأسلحتهم ينادون بالثورة ضد الأتراك، وهاجموا المواقع العسكرية، وجرى إطلاق الرصاص فيما بين الصفا وباب الوداع بالمسجد الحرام، وقتل في هذه الفتنة عدد من  الأهالي وبعض العساكر.

لم تخمد الفتنة إلا بعد أن تدخل بعض الأشراف ووكيل الإمارة لإخمادها، وشارك في ذلك بعض أعيان مكة بعد ساعات من نشوبها، وقامت الإدارة التركية في مكة بعد ذلك بالقبض على أحمد القبوري، وعشرين من أعوانه، واتُّهِم محمد علي بن عبد الواحد، كاتب الشريف،  واتُّهِم أمير مكة الشريف علي بن عبد الله بالدعوة إلى الثورة ومساعدتها.

كان الاتحاديون في إسطنبول قد بلغهم ما قيل عن الشريف علي في مساعدته لثورة القبوري، فأصدَروا أمرًا بعزله في ٢٨ رمضان عام 1326ه (1908)، وتولية عبد الله بن محمد بن عبد المعين بن عون، الذي كان يقيم في إسطنبول، فشرع يجهِّز أمره للسفر إلى مكة، لكن المنية عاجلَته قبل أن ينتقل في ٣ شوال من السنة نفسها، وقيل إنه كان ضعيف البنية أنهكَته الأمراض، كما قيل إنه مات مسمومًا.

  1. أحمد السباعي، تاريخ مكّة.. دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران (الرياض: مكتبة العبيكان ، 1999).

 

  1. محمد الشعفي، التجارة الخارجية لمدينة جدة في العهد العثماني (الرياض: د.ن، 1991).

 

  1. محمد مغربي، أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر والخامس عشر للهجرة وبعض القرون الماضية (جدة: دار تهامة، 1404).
تشغيل الفيديو

أكثر ما خلَّفه العثمانيون في الحجاز:

الصَّمت الحضاري السَّحيق والقمع والتنكيل

إذا كان الحَمَلة الحقيقيون للإسلام قد فتحوا الأمصار وأسَّسوا لحضارات قائمة الذات في كل من العراق وإيران والشام والأندلس، فلأنهم اعتبروا هذه المناطق جزءًا لا يتجزأ من تربة الإسلام، وعملوا على إدماج أهلها حتى صاروا أشد دفاعًا عن الدين وهوية المسلمين.

على الجانب الآخر لم يكن جزاء الإحسان هو الإحسان، ولم يتشبَّع الأتراك ثقافة العرفان، فكان القوم الذين أنعم الله عليهم بالإسلام هم أشد بأسًا على أهله ومهبط وحيه. ورغم أنهم ادَّعَوا الخير والانتصار للدين، والدفع من أجل خير الإسلام والمسلمين، إلا أنهم أفسدوا ولم يُصلِحوا وأهلكوا الحرث والنسل انتصارًا لعِرق ادَّعى الإسلام من أجل ذبح أهله، وأعلن الإيمان من أجل استباحة أرضه، ولم يَردَعه دين، ولم يُوقِفه خُلق، فجعل من مهبط الوحي فضاءً للسلب والنهب والقتل والتنكيل، ليرسم صورة قاتمة عن التواجد التركي في بلاد الإسلام.

شكَّل التعامل الاستعلائي التركي تجاه العرب مقدمات لمراكمة حالة الرفض للاستعمار العثماني بالجملة، وخلق رِدَّة فِعل عكسية تجاه هذا الاحتلال الذي أراد أن يمسح الهوية العربية للمنطقة، وهو ما فضح حقيقة المشروع العرقي الذي استغل الدين من أجل أهداف التوسع والانتشار، وليس لأهداف البناء والإعمار.

وإذا كانت المواجهات بين العرب والأتراك حتمية خلال القرن الماضي، فإن مقدماتها كثيرة ومتعددة، انطلاقًا من “منع العرب عن التكلم باللغة العربية وإجبارهم بالتحدث باللغة التركية.. وتراجُع الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر بين العرب، بينما كان حُكام وأعيان الدولة العثمانية يستغلون خيرات البلاد العربية ويتمتعون بها، وهو ما شلَّ النهضة العربية في النصف الثاني من القرن 19، وتسبَّب في خَلْق ثغرة كبيرة في التطور العلمي والفكري والاقتصادي ما بين الدول العربية والدول الأوروبية”.

نَشط العثمانيون في محاولة تتريك العرب من خلال مدارسهم التي فشلت فشلاً ذريعًا أمام الرفض العربي في الحجاز

ويمكن القول أن التغيرات السياسية التي ضربت إسطنبول لم تغيِّر من العقيدة الإقصائية للأتراك تجاه العرب، بل أخذ هذا الحقد شكلاً مؤسساتيًّا، فقد “نشطت في هذا العهد الدعاية الطورانية نشاطًا مشهودًا، فصدرت في الآستانة كتب تركية مختلفة حملت مطاعن جارحة في عظماء الإسلام العرب، وقام خطباء الترك يدعون إلى نبذ كل ما هو عربي، وإحياء كل ما هو طوراني”.

لقد شكَّل اللسان العربي عقدة للعثمانيين، وعائقًا أمام شرعنة خلافتهم المزعومة، وبالتالي فقد جعلوا من القضاء على اللغة العربية إنهاءً للتفرد العربي بالفهم والاستيعاب والتفكيك والاستنباط، الذي جعلهم المؤتمَنين على الرسالة، والحاملين لعِظَم هذه الأمانة.

وهنا نسجل أن محاولات تتريك القبائل العربية قد وجدت طريقها إلى المناطق التي أخضعها الأتراك لحكمهم، ووصلت بهم الجرأة إلى محاولة طمس معالم اللغة العربية حتى في قلب الجزيرة العربية، بل وفي مكة المكرمة، تلك البقعة الطيبة التي نزل فيها الوحي على الرسول الكريم بلسان عربي فصيح.

في هذا الصدد قام الأتراك ببناء “مدرسة على الطريقة الحديثة (المدرسة الرشيدية)؛ لتعليم اللغة التركية والرياضيات والتاريخ، ونُدِب للتدريس فيها بعض الأتراك… وكانوا يُلقِّنون دروسهم باللغة التركية، حتى إن قواعد اللغة العربية كانوا يشرحونها باللغة التركية، وقد قيل يومها: إن غرض الأتراك من إنشائها هو تتريك العرب”.

من التتريك إلى التجويع، ومن القمع إلى الترحيل، هكذا عاش العرب تحت نير استعمار تفنَّن في أساليب الترهيب والتغريب، ووصل الاستعلاء ومحاولات الاستعباد إلى محاولة طمس كل ما هو عربي، سواء تعلق الأمر باللسان أو بالإنسان، وذلك من خلال توطين اللغة التركية في البلاد وإخلاء الأرض من العباد، وهنا سجَّلت كتب التاريخ كيف “اشتدت عزمة فخري باشا على ترحيل أهل المدينة بعسف ما بعده عسف، رحَّلوا امرأة وابنتَيها وتركوا أباهم في المدينة يهرب إلى ينبع، ما سألوا كيف تعيش الأم وبناتها في الشام، ومن يتولى الرعاية، ماتت الأم، وضاعت البنت، ورجعت إلى المدينة بنت وحدها، فسألوها عن أبيها في ينبع وقد وصلت بالباخرة مع أهل المدينة، عرفوا أباها، فسلَّموها إليه”.

إن واقع الحال الذي عاشه العرب تحت الحكم العثماني جعلهم يستنهضون الهمم، ويتداولون واقع الحال، خاصة بعد انفتاحهم على باقي الأجناس والثقافات، وعلى إثر ذلك “استبان العرب مبلغ ضياع حقوقهم في ظل دولة لا تحفل إلا بكيانها الخاص، وعنصرها الحاكم، وتسلُّط خليفتها المطلق، وتحت الضغط والقمع كان لزامًا أن يحدث الانفجار كنتيجة حتمية ومآل طبيعي لأية سياسة قمعية لم تَرعَ في العباد إلًّا ولا ذِمَّة، ورأت في الإسلام جسرًا نحو التوسع، والعربية عائقًا أمام شرعنة الاحتلال التركي الأعجمي.

لقد خرج الاستعمار التركي من البلاد العربية كما دخل، حتى إنك لا تكاد تجد له الآن أثرًا، فلم يكن العثمانيون أهل حضارة وبناء، وإنما قوم تخريب وهدم، لتعيش البلاد العربية تحت الاحتلال العثماني حالة من “الصمت الحضاري السحيق” لم تخرج منه الأمة إلا بعد تضحيات سطر فصولها عشرات الآلاف من الشهداء.

  1. أمين سعيد، أسرار الثورة العربية الكبرى (بيروت: دار الكاتب العربي، د.ت).

 

  1. أحمد السباعي، تاريخ مكة.. دراسة في السياسة والعلم والاجتماع والعمران (الرياض: مكتبة العبيكان، 1999).

 

  1. محمد حسين زيدان، ذكريات العهود الثلاثة (بيروت: دار جداول، 2011).