الإمبراطورية العثمانية

كتب عبد العزيز الشناوي في كتابه “الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها” قوله: “وقد عُرفت الدولة العثمانية في التاريخ بعدة أسماء، ففي عصورها الأولى أطلق العثمانيون عليها (دولت عليَّة) ثم أطلقوا عليها (سلطنت سَنية)، كما أطلق عليها بعد اتساع ممتلكاتها في أوروبا وآسيا وإفريقيا (إمبراطور لق عثمانلي)، أي الإمبراطورية العثمانية، وعُرفت باسم (دولت عثمانلي)، وارتاح العثمانيون للاسمين الأخيرَين؛ لاحتواء كل منهما على لقب عثمانلي؛ إذ كانوا يعتزُّون بانتسابهم إلى عثمان الأول…”.

ويُلاحَظ بأن الدولة لم تتخذ في أي عصر من تاريخها غير المسميات التي تُعزِّز للوجود العِرقي، وقد ذكر الشناوي بأنهم استخدموا كلمات كتركيا وأتراك وتركي، وهي مصطلحات ورَدَت من أوروبا، وأن لفظ الدولة العثمانية والعثمانيين بعيد عن الدقة في الصياغة اللفظية حتى أوائل القرن العشرين، ووصل بهم الأمر في الخلط والتخبُّط أن يَصِفُوا الأجناس التركية بأنها متخلفة، وهي التي كانت تقطن في آسيا – وتساؤل اعتراضي من أين هم أتوا؟ – فمثلًا السلاجقة والتركمان والأوزبك يَصِفونهم بالترك المتخلفين، ويتمسَّكون هم بلفظ “عثماني” استعلاءً على تلك الأجناس المتبربرة في نظرهم، وعلى الفلاحين تهكمًا على جهلهم وتحقيرًا، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل عمدوا إلى أن استخدامه ضد العثماني يعني إهانة له، رغم أن لغتهم لم يستطيعوا أن ينعتوها باسم غير اللغة “التركية”.

ويتضح التناقض في الكثير من الاستخدامات للمسميات والمصطلحات التي يحاولون من خلالها كيفية إعلاء وتقديس دولتهم وتاريخها، ودأب على تعزيز ذلك الكثير من المؤرخين الذين وصل بهم تغلغل التاريخ المُمجَّد دون التريث لما هو أبعد من ذلك، وللأسف ليسوا من بني جلدتهم.

من اللافت في تاريخ سلاطين آل عثمان أنه عند اعتلائهم عرش السلطنة – كما يحبون أن يُوصَفوا – التجديد لكل شهادات الألقاب، وإجراء إحصاء مسحي جديد يُبيِّن مصادر الضرائب في كل الدولة، ووضع كل الرعية والاستثناءات الضريبية، وكسب وُدِّ الإنكشارية أمر مهم لتجديد دماء المنتسبين لها، وكيفية ضم المرتزقة كعنصر أساس في حروبهم، وذلك يعني الكثير، فكيف بدولة إسلامية تعتمد على عناصر من المرتزقة، وكيف يمكن أن يتعاملوا مع الولايات الإسلامية عندما يتم توجيههم كقوة عسكرية داخل البلدان، وخير شاهد على ذلك الكيفية التي يتم جمع الضرائب بها، لا سيما الفلاحين ومحاصيلهم الزراعية.

وذكر خليل إينالجيك أن تطوُّر المفهوم العثماني للدولة كان مع تطور الإمبراطورية العثمانية، وكان ذلك منذ أن أصبحت السلطة لهم تُطوِّر المفهوم بواسطة الكُتَّاب الفرس والنصارى، ونقلوا لقب خلافة في كتاباتهم، وتقبَّل العثمانيون ذلك المفهوم، بعد أن تَطعَّم بتقاليد تركية – مغولية من آسيا الوسطى خلال المرحلة الممتدة من القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر الميلادي.

تلك ملاحظات مهمة جدًّا تُبيِّن لنا أن البعض تنادى بأنها دولة خلافة، فلننظر مَن كتب وسوَّق لها  لنعرف السبب ويبطل العجب!!!؟؟؟

تعكس ملحمة شعبية عثمانية مبكرة مكتوبة بتقاليد الغزو مفهومَ الدولة التي تتمتَّع بالعدل، وقد أوضح الدرويش صاري صالتق – حسبما ذكر إينالجيك – أنه نصح عثمان الغازي بالقول: “كن عادلًا ومنصِفًا…”، ولكنها العدالة حسب التقاليد الفارسية، والتي تُفهَم على أنها منحة ربانية للحاكم يتمتَّع بسلطة مطلقة، بينما في المقابل العدالة حسب التقاليد التركية لآسيا الصغرى، تعني التطبيق العادل لما ورد في “التورو” أو “الياسا”، وهي مجموعة قوانين وضعها مؤسس الدولة، وبذلك تصبح سيادة السلطان تعبيرًا مرادفًا لـ”التورو”، وقد كُتِبَت تلك القوانين – الوضعية – سنة 735م، وتتمثل في خانات المغول في إيران، حتى بعد اعتناقهم الإسلام، حيث إنهم يحافظون باحترام كبير على “ياسا” جنكيز خان، ويعودون إليها لتسيير أمور الدولة.

واختم بما أورده أيضًا إينالجيك، وهي قراءة ما بين السطور حتى نستوعب معنى الدولة، أقصد الإمبراطورية، “إن المبادئ الأساسية لنظرية الشرق الأدنى حول الدولة بقيت دون أي تغيير حتى زمن العثمانيين، وذلك على الرغم من تأثير الشريعة والفكر السياسي اليوناني – يلاحَظ هنا خلط آخر في قوانين الدولة – بأن الدولة استندت على تلك المبادئ في كل قطاعات الحكومة، وفي كل أنشطة الدولة.

تلك تأملات في جزئية محدودة مؤرَّخات كُتِبَت لتاريخ الإمبراطورية، وعلينا مراجعة المفاهيم وتصحيحها.