العثمانيون دفعوا الأكراد للقتل بالنيابة عنهم!!

هل يمكن لوم الأكراد على تجنيد العثمانيين لهم ضمن فرق الموت التي أطلقها وشكلها السلطان عبد الحميد تحت مسمى (الكتائب الحميدية)، تلك الفرق التي خلفت وراءها مئات الآلاف من القتلى ومثلهم من المشردين، بالطبع لم تمارس الكتائب الكردية كل تلك الجرائم، فقد عمد العثمانيون على تجنيد كل من كان تحت احتلالهم لتنفيذ رغباتهم المتوحشة..

الإجابة بلا شك: لا يمكن لوم الشعب الكردي المحتل المضطهد، وهو مثله مثل الشعوب الأخرى، عندما فرض عليه المحتل الانخراط ضمن كتائبه القتالية، وإلا فسيكون مصيره الموت وتهجير أبنائه ونسائه.

كان الهدف التركي العثماني -بلا شك- خلق فتنة بين الشعوب التي يحتلونها، فقد كان ذلك أساس السياسة العثمانية، وقد مارستها ببراعة تامة بين الشعوب والقبائل، حتى بين الأسر والعائلات، إذ يحرضون بعضهم على بعض ويدفعونهم للتناحر والاقتتال، بهدف إبقاء خلاف بينهم لا ينتهي، ومن ثم الاستفادة السياسية من تلك الخلافات، وهو ما جعل امبراطوريتهم العنصرية تبقى لقرون طويلة (400 عام) في الشرق لوحده.

لقد عانى الأكراد أنفسهم من المذابح والويلات، والذاكرة الكردية مليئة بقصص الموت والتشريد والاضطهاد الذي قام به العثمانيون، وهم في طريقهم إلى العراق أو في خلال عودتهم إلى إسطنبول، لقد كان قدر ديار بكر- موطن الأكراد- أن يكونوا عرضة للترويع الذي مارسته الجيوش العثمانية وقادتها الغلاظ.

ولعل مذبحة “بدليس” التي ارتكبها السلطان العثماني مراد الربع  1639م كشفت عن طريقة التفكير وردات الفعل الكردية فيما بعد، ودفعت بعضهم للموافقة على الالتحاق بالكتائب الحميدية المنسوبة للسلطان عبد الحميد وتنفيذ أوامر قادتها العثمانيين.

أما المعاناة الأرمنية فهي من البشاعة بحيث لا يمكن وصفها بدقة، لكن المُلفت أن مجموعات من الأكراد اعترفوا بمشاركة بعض المجندين الكرد بأوامر من الدولة العثمانية في الجرائم التي ارتكبها السلاطين وقادة الجيوش العثمانيون بحق الأرمن، وما نتح عنها من إبادة جماعية شارك فيها بعض الأكراد إلى جانب العثمانيين الأتراك.

إلا أن الملفت أن قبائل وعشائر كردية عديدة عارضت تلك المذابح ورفضتها وتشير المصادر إلى قيامهم بإخفاء الأرمن الهاربين وحمايتم من ويلات آلة القتل العثمانية.

كانت خطة العثمانيين تقضي بتهجير الأرمن من ديارهم الأساسية، باتجاه العراق وسوريا، لتتلقاهم الكتائب الحميدية، ثم تقوم هي أيضا بالأعمال القذرة والإبادة الجماعية.

غادر الأرمن بلادهم عبر إيران، لتعترضهم القوات الكردية كما خططت لهم إسطنبول، لكن الجنود العثمانيين كانوا ينفذون أوامر قادتهم من بشوات الجيش الذين كانوا يقتلون كل من يرفض طاعة الأوامر.

وبالرغم من تعهد العثمانيين للأوربيين بحماية الأرمن، إلا أن نيتهم المبطنة كانت تهدف لمعاقبتهم وقتلهم؛ لأنهم حسب الرواية التركية المزعومة، ساعدوا الروس في هزيمة العثمانيين، بالرغم من أنهم كانوا -أي الأرمن- مجرد مدنيين يعيشون بلا حيلة تحت احتلال السلطنة العثمانية، لكن السلطات العثمانية كانت تبحث عن كبش فداء لكرامتها التي تمرغت بوحل الروس والهزائم المريرة التي تلقوها.

وفي اعتراف نادر ذكر الصدر الأعظم محمد طلعت باشا – وهو بمنزلة رئيس الوزراء – ، ومن أهم صانعي السياسة في الدولة العثمانية في الفترة من 1908م حتى 1918م، في مذكراته التالي:

مع أننا عاقبنا العديد من المذنبين، إلا أن معظمهم لم يمسهم أحد. هؤلاء الأشخاص الذين يمكن أن نسميهم خارجين عن القانون، بسبب موقفهم غير القانوني في تجاهل نظام الحكومة المركزية، انقسموا إلى طبقتين. بعضهم كان يتصرف بدافع الكراهية الشخصية أو لتحقيق منفعة فردية. كان أولئك الذين نهبوا بضائع الأرمن المرحلين يعاقبون بسهولة، ونحن نعاقبهم. ولكن كانت هناك مجموعة أخرى اعتقدت بصدق أن المصلحة العامة للمجتمع تقتضي معاقبة الأرمن الذين ذبحوا “المحمديين” الأبرياء وأولئك الذين ساعدوا قطاع الطرق الأرمن في تعريض حياتنا الوطنية للخطر.

هذه المزاعم حتى مع تهاويها لكنها تعترف بالعقاب الجماعي الذي ارتكبه العثمانيون بحق الأرمن، زاعمين أنه كان على أيدي العشائر والشعوب المحلية، بينما تؤكد الوقائع أنها جريمة منظمة وممنهجة ودُرست بدقة، وأسفرت عن مقتل وتهجير أكثر من مليوني أرمني، حاول العثمانيون التنصل منها وإلصاقها بالأكراد.