" أحوازنا العربية بين مطرقة

القمع الفكري وإرهاب التفريس "

لم تكتف الحكومة الصفوية الفارسية بسرقة المكان، واحتلال البقعة الجغرافية العربية الاستراتيجية على سواحل الخليج العربي الشمالية والشرقية “الأحواز”، وسرقة مقدراتها وثرواتها الطبيعية بل اتجهت بأسلوب خبيث إلى سرقة الزمان والفكر والثقافة العربية، ولازالت تلك المحاولات قائمة حتى وقتنا من خلال اتباع أساليب الإرهاب الفكري التي يمارسها الاحتلال الصفوي على شعب الأحواز العربي، بدءًا من تبديل مسميات الأماكن الجغرافية حتى أدرك أسماء الرجال والنساء، إضافة إلى إجبار الناس على التعامل في معاملاتهم الرسمية باللغة الفارسية ومن يخالف ذلك تقع عليه عقوبات مشددة ، بهدف إذلال العرب أولاً، وثانيًا إماتة الروح العربية من جذورها في النشء من سكان الأحواز ، والحقيقة من يعقد مقارنة بسيطة يجد أن ما تطبقه الحكومة الإيرانية المحتلة مع عرب الأحواز يسير حذو القُذَّة بالقُذَّة مع ما يطبقه الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين العربية، فالفكر الاستعماري الخبيث هو نفسه وإن اختلف قليلا إلا أنه يخرج من ماعون واحد، فالحقد والكره لكل ما هو عربي بثقافته وموروثه الحضاري والفكري. لقد مارست إيران أسلوب المحاربة النفسية للعرب وإرهابهم، وذلك بإهانة كل مظهر عربي واحتقاره وإجبار العرب على التزيي بالزي البهلوي والتقاليد واللغة الفارسية، وعمدت إلى تبديل الأسماء العربية الأصلية للمدن والبلدات والأنهار وغيرها من المواقع الجغرافية في الأحواز العربية، فمدينة المحمرة عاصمة الأحواز على سبيل المثال؛ أصبح اسمها “خرم شهر” وهي كلمة فارسية تعنى البلد الأخضر، وأدركت عمليات تغيير الطابع والموروث العربي كافة جوانب الحياة في الأحواز بعـد احتلالها الصفوي وكان هدفها فرض الثقافة الفارسية، فكان على رأس المحرمات التي أقرها الاحتلال الإيراني الفارسي التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة، ومن يخالف ذلك الأمر يتعرض للعقاب؛ لأن التحدث باللغة العربية جريمة يعاقب عليها القانون الصفوي المحتل، فإيران الصفوية قررت بأن تكون مناهج الدراسة في المدارس الأحوازية باللغة الفارسية فقط، ولا يجوز التحدث بأي لغة أخرى ومُنع الأحوازيون من تسمية مواليدهم بأسماء عربية، ومُنِعُوا من لبس الزى العربي، وأجبروا على استبداله باللبس البهلوي الفارسي. وهذا من أسوأ أنواع الإرهاب الفكري والثقافي الذي قد تواجهه الشعوب المغلوبة بالبطش والجبروت، واستكمالا لذلك الإرهاب قامت الحكومة الإيرانية بإصدار جريدة صحفية في مدينة المحمرة وسَمَّتها بجريدة “خوزستان” تصدر بالفارسية ويُلزم أبناء الأحواز بشرائها وقراءتها، وبعد ذلك مَنَعَ الفرس تداول المطبوعات العربية وتقديم من يقوم بتداولها إلى المحاكم الإيرانية باعتبارها من المحرمات والجرائم الكبرى التي يعاقب عليها القانون الظالم.

ومن جملة الحقد الصفوي على كل ما هو عربي أنهم استولوا على جميع المكتبات الخاصة ونقلوا محتوياتها إلى داخل إيران كما أتلفوا كثيرًا منها ورموها في نهر قارون وأغلقوا مطبعة مدينة المحمرة؛ خشية طبع الكتب العربية فيها أو طبع النشرات المعادية للاحتلال الصفوي، وأغلقوا المكتبات التي تبيع المطبوعات العربية وصادروا محتوياتها، ونكَّلوا بأصحابها، وللنظام المجوسي في طهران حيل كثيرة و آلاعيب مخادعة لمحاربة اللغة والهوية العربية، ومن ذلك رفض جميع المعاملات إن لم تكن مكتوبة باللغة الفارسية، ومنعوا الأحوازيين من مراجعة الدوائر الحكومية إن لم يكن التفاهم مع الموظفين باللغة الفارسية، بل لا تقبل شهادة أي عربي في المحاكم إن لم يتكلم الفارسية؛ بحجة أن القضاة لا يجيدون اللغة العربية، ولا يجوز أن تقبل المحاكم أي مترجم عن العرب أمامها، ومن ضمن حيلهم منع أي عربي من الالتحاق بوظيفة حكومية ما لم تثبت إجادته للغة الفارسية، وقد أدى هذا الإجراء إلى تعرض كثير من أبناء الأحواز الذين يرفضون التحدث بالفارسية إلى الهجرة والتشرد خارج الأحواز. تلك المشاهد والصور في الواقع نَشَّطت من ذاكرتنا التاريخية قليلاً، فمثل تلك الممارسات هي امتداد لإيران الشاه إسماعيل الصفوي، بل هي شكل من أشكال هجمات المغول على بغداد عاصمة الدولة العباسية وتدمير حضارتها، وأنموذج قبيح من محاكم التفتيش الفظيعة للعرب في بلاد الأندلس، فالرابط بينها جميعًا هو كره العرب وبغضهم بغضًا لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري.