الفارسية والفرس

تشير المرويات التاريخية أن ملك الفُرس المُلقّب بـ”كسرى” غضب غضبًا شديدًا عندما سمع رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وتعامل معه بسطحية بالغة، إذ لم يلتفت إلى المعاني التي تضمنتها الرسالة ولا الخطاب، فكل الذي لفت نظره الشكليات فأمسك بالرسالة ومزّقها، وقال في غطرسة فارسية : “عبد من رعيتي يكتب اسمه قبلي، وسب الرسول الكريم، فلما وصلت هذه الكلمات إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (مزق الله ملكه) وكان ذلك، وكانت تلك أُسس وضعها زعيمهم لعلاقات عدائية تتعدد مناحي العداء فيها، كانت وما زالت.

وكسرى أبرويز بن هرمز الثاني ويُعرف باسم خسرو الثاني أو خسرو برويز، وهو آخر ملوك الإمبراطورية الساسانية في إيران، وهم من المجوس عبدة النار وخدامها، القائلين أن للعالم أصلين: نور وظلمة والمجوس مجموعة أديان، لم يبق منها إلا المجوسية الزرادشتية.

أما الفرس فقد اشتهر بأنهم ميّالون إلى عبادة المظاهر الطبيعية، فالسماء الصافية، والضوء، والنار، والهواء، والماء ينزل من السماء، جذبت أنظارهم وجعلتهم يعبدونها على أنها كائنات إلهية، حتى سموا الشمس «عين الله» والضوء «ابن الله»، كما أن الظلمة والجدب ونحوهما كائنات إلهية شريرة ملعونة. 

وهناك فلسفة غريبة تدخل ضمن انحراف عقيدتهم، وهي أن المجوس الثلاثة أو الملوك المجوس أو الحكماء الثلاثة هم من الشرق، وهم ثلاثة أشخاص ذُكروا في إنجيل متّى الذي يقول إنهم أتوا «من المشرق إلى أورشليم». فما العلاقة التي تجمع عقيدة وثنية من الشرق ذهبت لعقيدة أهل الكتاب في الغرب؟

أهل الكتاب: اسم يطلق على اليهود والنصارى بالدرجة الأولى، بينما الصابئة  والمجوس دخلاء على عقائد مختلفة متعددة، وتشكّلت ديانات بعقائد منحرفة ملوثة انعكست على سلوكياتهم وعلاقاتهم الداخلية والخارجية الخارجة عن التعارف البشري والإنسانية.

رأي خطير يسوّق له دعاة العداء للدين الإسلامي والعِرق العربي وهو: ضياع استقلال فارس بالفتح الإسلامي، وأنها أصبحت ولاية إسلامية، وأن كثيرًا منهم وقعوا أُسارى في أيدي العرب، واستُرِقَّ بعضهم ووُزِّعوا على العرب، ودخل كثير من الفرس في الإسلام، وتعلم كثير منهم العربية، فكان منهم في الجيل الثاني من يتكلم العربية كأحد أبنائها، ولكنهم برغم ذلك كله لم يصبحوا في جملتهم كالعرب في عقيدتهم، بل إن منهم من اعتنق الإسلام فصبغه بالصبغة الفارسية المجوسية، ولم يتجرد من كل عقائد الدين القديم وتقاليده، ففهم الإسلام بفلسفة حضارته، التي نشأ عليها، كذلك تعلم كثير منهم العربية، وفي المقابل منهم من لم يترك خياله الفارسي، ولم ينس ما كان لقومه من شعر ومثل وحكمة تتعلق بعرقهم وعقيدتهم، وكان من نتاج ذلك بأنه أثر على دخول طقوس في الإسلام جديدة، ونزعات دينية جديدة، ظهر أثرها فيما بعد، وأبرزها في الإسلام مذاهب منها الباطنية والتصوف المتطرف في نظرياته، ولها مللها ونِحلها، وكان من أثر ذلك أيضًا أن يُغْرق الأدب العربي مثلاً بالحِكم الفارسية، والقصص الفارسية، والخيال الفارسي. والدين الإسلامي لا يمنع أن يأخذ من الآخر ولكن على ألا يتعارض مع العقيدة السليمة التي جاء بها خير البرية المصطفى عليه الصلاة وأتم التسليم.

الخلاصة: العقيدة الفارسية عُقد تتلوها عُقد تتوارثها أجيالهم……