التشكلات التاريخية والإستراتيجية بعد "ذي قار"

زادت الثقة العربية ورفعت مستوى الإحساس بالقوة في ظل وحدة اللحمة

لا تقتصر أهمية دراسة البيئة الاستراتيجية التي أحاطت بمعركة ذي قار باعتبارها مواجهة عسكرية عادية مجردة، يمكن أن تدخل في إطار التحليل التكتيكي للمعارك، وإنما باعتبار انعكاساتها القوية على اعتلاء العرب (الحاضنة الأولى للإسلام) لمكانة السيادة في المنطقة، خاصة بعدما أعزهم الله بدين الإسلام وبخاتم الأنبياء وسيد الأنام.  

إن التركيز على معركة ذي قار ليس من قبيل الترف الفكري أو المتاع العقلي، وإنما لما فيها من الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من أحد أبرز المعارك التي رسمت خطًا فاصلاً في العلاقات الإقليمية بين العرب والفرس.

فذي قار تعدُّ حدثًا جامعًا مانعًا ارتقى بمجموعة من المعاني وسما بمجموعة من الخلاصات التي يمكن اعتبارها مرجعًا لكل باحث في التاريخ أو الاستراتيجية أو العلاقات الاجتماعية على السواء.

وفي هذا الصدد، وبعد أن بسطناالقول بالرصد والتحليل، للدروس التي يمكن استخلاصها من المعركة، ومفاتيح النصر العربي على الفرس، لابد أن نُكمل مربعات الصورة من خلال تفكيك بيئة –ما بعد ذي قار- وما خَلَّفته من إعادة رسم التوازنات في المنطقة.

إن الاستعلاء العرقي للفرس جعلهم لا يتوقعون نتيجة معركة سيكون لها ما بعدها في تغيير المعادلة الاستراتيجية في المنطقة. وخاصة مع دخول فاعل موحد جديد، وهو دين الإسلام، الذي كان عاملاً مساعدًا في مواجهة كل نظام عرقي يرى في استئصال العرب ضرورة وجودية.

بعد تكبد كسرى خسارة فادحة، ومهينة له ولهيبته وجيشه، لم يكن أمامه من هدف بعد هذه المعركة إلا إنقاذ ماء وجه حكمه، حيث سارع إلى عزل إياس بن قبيصة عن حكم الحيرة وعين عليها حاكما فارسيًّا، وناور لكي يعيد الوضع السابق في السيطرة الفارسية -على الأقل- إلى ما كان عليه قبل المعركة.

ويمكن القول بأن انتصار العرب في ذي قار لم ينعكس فقط على إحساسهم بقوتهم متى ما توحدت لحمتهم، وإنما “بداية عهد لتحرير العرب، أعقبها ذهول في الفرس يدل على تقلص حكمهم ونزولهم إلى أحط الدركات، والباحث يرى أن من أهم آثار هذه المعركة إزالة خوف الفرس من قلوب العرب، ورفع معنوياتهم النفسية وإضعاف معنويات الفرس”.

إن معركة ذي قار ستظل محطة لاستخلاص الدروس واستقراء العبر، وكان يمكن أن تلهم استراتيجيين كبارًا من أمثال الفرنسي أردان دوبيك الذي ألف كتابًا بعنوان “فن المعركة”، يؤكد من خلاله على أن الحروب هي -في الأساس- حرب إرادات وأن صاحب الإرادة القوية الصلبة هو الذي ينجح وينتصر بغض النظر عن تكافؤ موازين القوى.

ذاق الفرس في ذي قار أول هزيمة لهم على أيدي العرب “وكان ذلك حافزًا أيقظ ثقة العرب بأنفسهم وجرَّأهم وهيَّأهم لساعة قريبة أعدها لهم التاريخ وأعدّهم لها…والتاريخ يزن الإرادات ويعتبرها، ولكن له في النتائج إراداته الخاصة، والبرهان أن يوم ذي قار كان مفاجأة للفرس، كما كان مفاجأة للعرب، وغير يسير أن نحكم أي المفاجأتين كانت أشدُّ وأعظم”.

ويمكن الجزم بأن معركة ذي قار أبرزت للفرس دهاء العرب وذكاءهم في إدارة المعارك والحروب، كما يمكن أن تشكل مصدر إلهام للعرب في وقتنا الحاضر من خلال ضرورة “تناسي خلافاتهم وتوحدهم اتجاه العدو الخارجي خاصة عندما يدركون أن وجودهم وقيمهم تصبح مهددة، وقد برز هذا الحس القومي واضحًا في معركة ذي قار فذكر أبو عبيدة (إن أسرى من تميم كانوا في بكر بن وائل قريبًا من مائتي أسير فقالوا: خلوا معنا نقاتل معكم فإنما نذب عن أنفسنا”.

وبما أن نخوة العرب ودفاعهم عن شرفهم شكَّل جزءًا أصيلاً من الشخصية الرئيسة للعرب، فإن ذي قار كانت انتفاضة عربية ضد أي مساس بشرف المرأة العربية، إذ لم يجرؤ بعدها الفرس على التطاول على بنات العرب مرة أخرى.

هي دروس في الحرب والمناورة والتكتيك والاستراتيجية والوحدة العربية والارتقاء بمعاني النخوة والشرف…كلها معاني لخصتها معركة ذي قار التي يجب العودة إليها بمزيد من التأمل.

كانت معركة النخوة العربية والدفاع عن الشخصية المبنية على الشرف والإباء.

  1. خالد الدوري، المقاومة العربية للنفوذ الساساني في الحيرة من 226م إلى موقعة ذي قار، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة تكريت (2003).

 

  1. عبد الوهاب عزام، الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2012).

 

  1. هوما كاتوزيان، الفرس: إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة، ترجمة: أحمد حسن المعيني (بيروت: دار جداول، 2014).

 

  1. جواد علي، المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط4 (بيروت: دار الساقي، 2001).

 

  1. رئيف خوري، مع العرب في التاريخ والأسطورة (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2019).

في يومٍ للشجاعة والكرامة

ذابت هيبة كسرى الفرس تحت رمال الصحراء العربية

لم يكن ليتخيل “كسرى” فارس المزهو بعرشه وإيوانه أن يأتي أولئك الأعراب من أواسط الصحراء مُلْحِقِين به وبجيشه هزيمة مريرة، بل هي فضيحة تاريخية لا يزال يتردد صداها حتى يومنا الحالي، وبالعودة إلى تلك الحقبة التاريخية والمقارنة بين الأمتين العربية والفارسية، سنجد أن العرب لم يتجاوزوا في خبراتهم الحضارية وإمكاناتهم العسكرية حدود صحرائهم القاحلة بلا موارد ولا حد أدنى من مقومات الحياة، بينما عاش الفرس على موارد هائلة بسبب مجاورتهم الأنهار والبحار.

في دراسة تاريخية أعدها عبد المنان شفيق بعنوان “معركة ذي قار دراسة تاريخية تحليلية”، يقول عن أسباب الانتصار العربي في معركة غير متكافئة: يحار القارئ حينما يدرس هذه المعركة ويعلم أن العرب البدو استطاعوا بالفعل هزيمة الدولة الساسانية في هذه المعركة، وتصيبه الدهشة والذهول حينما يعرف أن فارس كانت أعظم دولة آنـذاك، وكانت قد بسطت نفوذها على منطقة شاسعة من الأراضي، وكانت في أوج عزها وقوتها في عصر كسرى أبرويز الذي هزم الدولة البيزنطية، وقام بفتوحات واسعة، وأطلق على نفسه لقب أبرويـز بمعنى المظفر، في المقابل كان العـرب خائفين من القوة الفارسية حينها، وكانوا منهزمين نفسيًّا، وكانوا يعتقدون أنهم منهزمون لا محالة، ولا أَدَلُّ على ذلك من قول هانئ بن قبيصة الذي أشار في بداية الأمر على قومه بالفرار والنجاة بالنفس إلى الفلاة، وكما يدل على هذا طواف النعمان بن المنذر في القبائل العربية طلبًا للجوار، ولم يكن أحد يقبل أن يجيره، حتى قالت له قبيلة طي: لولا صهرك لقتلناك فإنه لا حاجة بنا إلى معاداة كسرى ولا طاقة لنا به، ويبدو من هذا أن العرب كانوا منهزمين نفسيًّا وكانوا خائفين من بطش كسرى وجيشه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد بين الطرفين بونًا شاسعًا في العدة والعتاد، وأن هنـاك جيشًا نظاميًّا يقابله جيش غير نظامي، ورغم هذه الظروف القاسية غير الملائمة، والتفاوت الكـبير استطاع الطرف الأضعف تحقيق النصر الرائع وهزيمة الفرس هزيمة منكرة، فهذا يعني أن هذا النصر لم يأت عن فراغ ولا عشوائيًّا، بل هناك تخطيط وتفكير وأسباب وعوامل قادت العـرب إلى النصـر وأدت إلى هزيمة الفرس، أهمها سببان:

  1. التخطيط والاستراتيجية الحربية الفائقة التي قام بها العرب قبل بداية المعركة وفي أثنائها، منها: توزيع أسلحة النعمان بن المنذر، وتعجيلهم بلقاء الفرس، وقيامهم بقطع الطرق، ووضعهم كمينًا للفرس، واستقاؤهم الماء لمدة نصف شهر، والتحريض والتشجيع والقيادة المُثْلى وغيرها مـن التخطيطات الأخرى التي ساعدت العرب كثيرًا في كسب المعركة وهزيمة الفرس. ولا شك أن الفرس أيضًا قاموا بالتخطيط ووضعوا الاستراتيجية اللازمة، ولكن فاقتهم العـرب من هذه الناحية في هذه المعركة.
  2. قاتل العرب في هذه المعركة بحماسة فائقة النظير واستماتوا في القتال خاصة بعد ما عرفوا أن مصيرهم الموت في جميع الأحوال، لأنهم إذا تركوا ولاذوا بالفرار إلى الفلاة ماتوا جوعاً وعطشاً. وإذا سلموا أمرهم إلى الفرس قتلوا وسُبِيَت نساؤهم وذراريهم، فأيقنوا أن موت الكرامة والشجاعة والعز في ميدان القتـال أحسن وأفضل بكثير من موت الذل والهوان والصَّغَار والتيه، ومن هنا استمدوا قوتهم ودافعوا عـن أنفسهم دفاع الاستبسال ونجحوا في المعركة.

في المقابل كان الفرس على يقين من النصر على العرب، لكنهم انهزموا؛ لأن المعركة لم تكن بالنسبة لهم مصـيرية حاسمة، لذا لم يبذلوا ما بذله العرب ولم يقاتلوا عن حماسة، ومن ثم خسروا المعركة.

أعلت “ذي قار” مكانة العرب، وهزَّت عرش الفرس ونفوذهم، وتصف الباحثة رهف سلام في بحث منشور لها عن الآثار التي خَلَّفتها هذه الحرب، قائلة: إنها جعلت حدود الدولة الساسانية التابعة لكسرى هدفًا لهجوم القبائل العربية، كما أنّ هذا الانتصار رفع المعنويات العربية وكسر هيبة الفرس في نظرهم.

لم يتقبل كسرى أبرويز خسارة المعركة فاستشاط غضبًا وقام من فوره بتحميل غيره الخسارة، ولم يكن غير العربي إياس بن قبيصة حاكم الحيرة  الذي عزله من فوره، إذ عده الفرس مسؤولاً عن الهزيمة، لكونه القائد الأعلى للجيش المحارب فيها، لكن إياسًا هرب من وجهه، كما تقول الرواية العربية، إذ انفصل عن المعركة عندما أدرك الخسارة التي لحقت جيشه، وذهب إلى كسرى، وأخبره بدهائه أن النصر للفرس فيها، خوفًا من أن يخلع كتفه كما فعل بمن أتاه قبل ذلك بأخبار مشؤومة عنها ولاذ بالفرار.

كان إياس بن قبيصة يعلم أنه سيكون أول ضحايا الهزيمة التي تكبدها كسرى، لذلك سارع إليه قبل أن يصل إليه أحد قائلاً: “لقد هزمنا بكر بن وائل ومن حالفهم وأَتيناك بنسائهم”، فابتهج كسرى وأمر له بكسوة، ثم استأذنه إياس لزيارة أخيه قيس بن قبيصة الذي ادعى أنه كان مريضًا بعين التمر، فأذن له كسرى، فلاذ بالفرار، ثم وفد رجل من أهل الحيرة على كسرى وهو بالخورنق، بعدما علم أن إياسًا قد سبقه إلى الملك، فظن أنه أخبره بهزيمة الفرس، فدخل عليه وتحدث معه حول هزيمة الفرس وانكسارهم وأسرهم، فأمر بقتله في الحال، وبعد ذلك أصبحت الحيرة تحت الحكم المباشر للفرس بعزل إياس الذي خدع كسرى.

على إثر ذلك حكم الفرس الحيرة حكمًا مباشرًا وعُيِّن عليها الفارسي آزاذبه بن ماهان، إلا أنه لم يتمكن من  بسط نفوذ الفرس الذين اهتزت مكانتهم بعد الهزيمة، ولم يتمكن من إعادة الثقة التي كانت بين المناذرة والأكاسرة، ولا من تحسين العلاقة التي ساءت بين العرب والفرس، فتمردت بكر بن وائل التي استقلت بالبحرين فتبعتها قبائل أواسط الجزيرة العربية. مما اضطر الفرس أن يعيدوا حكم الحيرة إلى أحد أبناء النعمان وهو المنذر المغرور في محاولة لعودة الأوضاع إلى ما قبل المعركة.

لم يستطع الفرس استعادة هيبتهم الإمبراطورية عند العرب بعد ذي قار.

لم يستطع كسرى أن يعيد هيبة الفرس التي اكتسبوها بحكمهم الغاشم، وتفننهم في تعذيب مخالفيهم، والبطش والتنكيل بهم، بل مطاردتهم وخلع اكتافهم، لقد ذابت تلك الهيبة المزعومة تحت كثبان الرمال وأصبحت تذروها رياح الشجاعة العربية. ولأن الشعر ديوان العرب، ومرجعهم التاريخي فقد وثَّق الأعشى في معلقته نتائج تلك المعركة مفتخرًا بها:

  1. توفيق برو، تاريخ العرب القديم، ط2 (بيروت: دار الفكر، 1996).

 

  1. جواد علي، المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط4 (بيروت: دار الساقي، 2001).

 

  1. خالد الدوري، المقاومة العربية للنفوذ الساساني في الحيرة من 226م إلى موقعة ذي قار، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة تكريت (2003).

 

  1. عبدالمنان شفيق، معركة ذي قار دراسة تاريخية تحليلية (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، د.ت).

 

  1. عبدالوهاب عزام، الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2012).

 

  1. رئيف خوري، مع العرب في التاريخ والأسطورة (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2019).

 

  1. هوما كاتوزيان، الفرس: إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة، ترجمة: أحمد حسن المعيني (بيروت: دار جداول، 2014).
تشغيل الفيديو

ذي قار

جعلت الفرس يختبئون خلف الشعوبية والزندقة ويمارسون المكائد والدسائس

كانت معركة “ذي قار” فاصلةً بين القبائل العربية – خاصة قبيلة بكر بن وائل ومن تحالف معها – التي عانت كثيرًا من تسلط الإمبراطورية الساسانية وجبروتها لسنوات بعيدة على مكانتها ومقدراتها، بل حتى على معتقداتها الدينية، فقد جعل الفرس من قبائل العرب وقودًا للصراع الدولي بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، من خلال تكوين إمارة عربية حدّيّة تحمي حدود القوة الكبيرة، ورغم ما حصل عليه بعض أمراء الحيرة العربية لدى العرش الكسروي من تفضيل وحرية نسبية إلا أن النظرة السائدة إلى العرب كانت نظرة استعلائية دونية، وأنهم أتباع ورعايا وأدوات يُسْتَخْدَمون في المُلِمَّات والأزمات ووقت الحاجة فقط.

وتكمن أهمية ذي قار في مظاهرها القومية، فقد جرؤ العرب -لأول مرة- في التاريخ على لقاء الفرس في معركة سافرة كبيرة، فقويت معنوياتهم. ومع أن عددًا من القبائل العربية كانت في جانب الفرس، غير أن شعورهم كان مع العرب، وقد دل على ذلك خذلان قبيلة إياد للجيش الفارسي في اللحظة الحاسمة من المعركة، وتضامن بني السكون وبعض بني تميم مع بكر بن وائل وشيبان ضد الفرس.

خلَّد العرب انتصارهم على الفرس في الذاكرة التاريخية والأدبية.

وقد افتخر العرب وخلَّدوا انتصارهم العظيم على الفرس في قصائد شعرية كثيرة في الجاهلية وفي الإسلام، وتأتي بعد قصيدة الأعشى؛ قصيدة أبي تمام مادحًا أبا دلف العجلي:

زال الخوف من نفوس العرب بعد ذي قار، وارتفعت معنوياتهم حتى أصبحوا يهددون حدود الإمبراطورية الساسانية، وانعكست آثار المعركة الخالدة على زيادة اللُّحمة والترابط بين القبائل العربية ووحدتهم لأول مرة ضد العدو الفارسي المجوسي بكل قوة ورباطة جأش، فهزيمة الفرس كانت ضربة موجعة لكسرى، الذي لم يتمكن من استعادة هيبته مرة أخرى على الجزيرة العربية، التي استطاعت توحيد القبائل والاستقرار في البحرين، فالعرب لم يعودوا يخشون الفرس كما كانوا، ولعل هذه الهزيمة الكبرى التي تلقاها الفرس كانت لحكمة يعلمها الله جل شأنه، فمن ينظر إلى تاريخ وقوع المعركة بحسب ما ذكر  كثيرٌ من الإخباريين بأنها وقعت قبيل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقليل، وهذا أمر يثير التساؤل عن توقيت تلك المعركة؟ فلا شك أن العرب كان ينتظرهم أمر عظيم وحدث كبير ومسؤولية جسيمة أُلقيت على عاتقهم بدخول الإسلام، بإبلاغ رسالته للعالمين بعدما اصطفاهم الله عز وجل على جميع أمم الأرض، هذا من جانب ومن جانب آخر حتى لا تكون هناك هيبة كما كانت للفرس وإمبراطوريتهم، ومن يقرأ في سير الصحابة الفاتحين يدرك تمامًا كيف نُزِعَت تلك الهيبة من الفرس، وأن من نتائج معركة “ذي قار” أنها وضعت أساسًا ممهدًا لبداية جديدة ومنطلقًا لمعارك الفتح الإسلامي لبلاد فارس منذ عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق  رضي الله عنه، وبقيادة الصحابي الجليل خالد بن الوليد حتى كان فتح العراق، وتحول خالد بن الوليد إلى الجبهة الشامية لمحاربة الروم، ولكن استمرت غارات الفرس على العراق حتى استردوا أكثرها، فعاد المسلمون إلى محاربة الفرس بقيادة سعد بن أبي وقّاص، وكسرت هيبة الفرس في معركة القادسية وخسر الفرس الجزء الغربي من إمبراطوريتهم، ولكن الغارات الفارسية لم تتوقف، فقرر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تركيز الجهود العسكرية الإسلامية على الفرس بعد معركة القادسية حتى أخضعوا بلاد فارس بأكملها في أقل من عشر سنوات، وبذلك انتهت الأسطورة الساسانية الفارسية التي استمرت في إرهاب العالم القديم من روم ويونانيين وعرب وغيرهم ممن جاورهم.

ولا مناص من أن معركة ذي قار بنتائجها المتحققة وأثرها الواسع حطمت الكبرياء الفارسي المجوسي إلى الأبد، ذلك الذي ظل مختبئًا خلف كواليس الشعوبية والزندقة وغيرها من الادعاءات الكاذبة الرنانة، وأصبح يمارس الدسائس والمكائد ضد العرب والإسلام من الخلف، بطرق ملتوية فلم يعد قادرًا في الواقع على المواجهة المباشرة من جديد. 

  1. توفيق برو، تاريخ العرب القديم، ط2 (بيروت: دار الفكر، 1996).

 

  1. السيد عبد العزيز سالم: تاريخ العرب في عصر الجاهلية (بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، د.ت).

 

  1. لطفي عبد الوهاب يحيى، العرب في العصور القديمة (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1996).

 

  1. محمد سهيل طقوش، تاريخ العرب قبل الإسلام (بيروت: دار النفائس، 2009).

 

  1. ياقوت الحموي، معجم البلدان (بيروت: دار صادر ، 1957).