التآمر

بدأه الصفويون بالتحالف مع الاستعمار البرتغالي في الخليج العربي

من الأمور الواضحة في التاريخ العربي طبيعة العداء الذي يُكِنُّه المشروع الصفوي الفارسي والمشروع الصهيوني للعرب، ومن المثير أنه إذا أجرينا دراسة في مجال التاريخ المقارن في هذا الشأن سنجد تشابهًا -بل ربما تطابقًا- بين المشروعين، سواء من حيث الأيديولوجية أو المشروع، أو الاستمرارية التاريخية حتى وقتنا المعاصر.

وإذا بدأنا بالمشروع الصفوي سنجد أن بدايات الفكر الصفوي أيديولوجيًّا كانت على يد الشيخ صفيِّ الدين في شمال فارس في القرن الرابع عشر، هذا الشيخ الذي بدأ في الدعوة إلى مذهبه الباطني ونشره، ومن المثير أن هذا الشيخ ليس فارسيًّا، بل إنه تركي الأصل، وإذا وصلنا إلى الشاه إسماعيل الصفوي المؤسس الحقيقي للدولة الصفوية في نهايات القرن الخامس عشر سنجده أيضًا من أصول تركية، ولا ينتمي للعرق الفارسي، من هنا كان إسماعيل الصفوي “ملَكيًّا أكثر من الملك”، متعصبًا بشدة للمذهب وللقومية الفارسية حتى ثبَّت أقدامه في فارس.

المشروعان الفارسي والصهيوني متماثلان ومتحالفان ضد العالم العربي.

بدأ الشاه إسماعيل الصفوي خطواته في هذا الاتجاه بفرض المذهب الباطني على إيران، وجعله المذهب الرسمي لها، بعدما كان المذهب السني هو السائد هناك، ووظَّف إسماعيل الصفوي المذهب الصفوي كأيديولوجية لإيران منذ ذلك الوقت، ولكن الأخطر من ذلك هو مشروعه السياسي الذي لم يكتفِ بالتوسُّع على حساب أقاليم فارس الكبرى، ولكن امتد عداؤه الشديد للعرب، ومحاولات فرض نفوذه على العالم العربي، والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

تتشابه الصفوية عقائديًّا وسياسيًّا مع الصهيونية؛ إذ نشأت الصهيونية العقائدية أساسًا بين يهود أوروبا، ولم تنشأ بين يهود الشرق أو حتى يهود فلسطين، ثم جرت محاولة نشرها بين عموم اليهود في العالم، وهنا التشابه بين نشأة الصفوية العقائدية خارج منطقة المركز الفارسي، ثم فرضها على عموم السكان في أقاليم فارس، بل وخارجها، كما يتشابه المشروع الصفوي السياسي مع المشروع الصهيوني السياسي في محاولة فرض التوسع والهيمنة على المنطقة العربية، فضلًا عن الاستعانة بقوى خارجية لتحقيق الأطماع السياسية لكليهما.

وإذا عُدنا إلى تتبُّع المشروع الصفوي السياسي ومحاولته لفرض الهيمنة على المنطقة العربية، فعلينا البدء بعصر مؤسِّس هذا المشروع، وهو الشاه إسماعيل الصفوي، ويرى البعض أنه على الرغم من الهزيمة القاسية التي تكبَّدها إسماعيل الصفوي في معركة جالديران (1514) على يد سليم العثماني، إلا أن ذلك لم يصرف الصفوي عن تحقيق آماله ومشروعه السياسي في المنطقة؛ إذ سرعان ما بدأ إسماعيل الصفوي في البحث عن حلفاء خارجيين لمساعدته على اقتحام العالم العربي والوصول إلى شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر.

من هنا لم يستنكف الشاه إسماعيل الصفوي القائد الإسلامي، ومؤسس دولة مسلمة كما يدعي، أن يتحالف مع أشد القوى خطورة على العالم العربي والإسلامي في زمنه، وهي البرتغال التي كانت تُعربِد آنذاك في المياه الإسلامية الجنوبية، ويرى عبد العزيز نوار، وهو أحد أهم مَن درس تاريخ العراق والخليج العربي في العصر الحديث: “بينما كان البرتغاليون يخشون من وجود جبهة إسلامية قوية ضدهم في المياه الإسلامية، وجدوا أن هناك من يريد أن يتعاون معهم”.

والأكثر من ذلك أن الشاه إسماعيل الصفوي حاول أن يعقد اتفاقًا مع البرتغال على أن يُطلق يدهم في السيطرة على جزيرة هرمز، وبالتالي مضيق هرمز الذي يتحكم في الخليج العربي في مقابل موافقة البرتغال على أن يسيطر الشاه إسماعيل على منطقة الأحساء في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية، إلا أن هذه الصفقة لم تتم؛ لأن البرتغاليين سيطروا على هرمز ولم يسمحوا له بالسيطرة على الأحساء، ومن ناحية أخرى وضع الشاه إسماعيل أسس السياسة الصفوية الفارسية المستمرة حتى الآن، وكان على رأسها السيطرة على العراق، ليكون مدخلًا للتغلغل في العالم العربي، ويرى البعض أن سياسة إيران الثابتة هي “ابتلاع العراق”، ويشير هؤلاء إلى دور التعصب الصفوي في هذا الشأن، وكيف قام الشاه إسماعيل عند دخوله بغداد، بذبح أئمة السُّنة الموجودين، وهدم مقابر الغابرين منهم، “في محاولة للقضاء على المذهب السني”. 

ويرى البعض أن المشروع الصفوي العقائدي والسياسي ما يزال مستمرًّا حتى الآن، بل إنه يشكِّل خطرًا على المجتمعات العربية: “الصفوية بإيجاز شديد هي عقيدة الولاء لإيران عبر انتماء مذهبي مرتبط بنوع من التشيُّع ظهر مع قيام الدولة الصفوية، وهو مذهب يتلوَّن ويتشكَّل بألوان وأشكال متعدِّدة على مدار تاريخه، ليكون مؤثرًا وقادرًا على خَلْق أتباع ومريدين للاستقواء بهم سياسيًّا، وتكمن خطورة الصفوية في أنها منذ البداية أُلبست ملبسًا دينيًّا، وسرقت من المذهب الجعفري اسمه، فأساءت إليه أقصى درجات الإساءة لارتباط الصفوية بنزعة عرقية وعنصرية وباطنية قائمة على الحقد والانتقام من العرب”.

ويشير هؤلاء إلى المتحور الجديد من الصفوية مع اندلاع الثورة الخمينية في عام (1979)، ومحاولات نشر ذلك في العالم العربي من خلال: “غِلّ طائفي يرمي بظلاله السياسية على كراهية العرب والعروبة الممثَّلة في الطائفة السُّنية الأوسع انتشارًا في العالم العربي.

كما عقد البعض مقارنة بين المشروع الصفوي العنصري والمشروع الصهيوني العنصري من حيث التطهير العرقي لعرب الأحواز، وعرب فلسطين، كما يؤكد البعض عودة الصفوية من جديد مع الثورة الخمينية: “جذور الصفوية تشكِّل اليوم رأس حربة المشروع الإيراني الفارسي في منطقة الخليج والوطن العربي ككل”، وكما تحالف المشروع الصهيوني مع أمريكا، لا ننسى تعاون إيران مع أمريكا في غزوها لأفغانستان، وكذلك التعاون المشترك بين إيران وأمريكا أثناء الغزو الأمريكي للعراق في عام (2003).

هكذا تؤكد كل هذه الشواهد من الماضي والحاضر التماثُلَ بين المشروعين الصفوي والصهيوني، وخطرهما العقائدي والسياسي على المنطقة العربية.

  1. عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (القاهرة: دار الشروق، 1999).

 

  1. عبد العزيز نوار: تاريخ الشعوب الإسلامية في العصر الحديث (القاهرة: دار النهضة العربية، 1998).

 

  1. عبد العزيز نوار، داود باشا والي بغداد (القاهرة: دار الكاتب العربي، 1968).

 

  1. مأمون كيوان، اليهود في الشرق الأوسط (عمَّان: الأهلية، 1996).

المشروعان الصفوي والصهيوني

متفقان على التحالف في الخفاء

قوميتان تعيشان على ضفاف العالم العربي، لكل منهما أجندتها ومصالحها وأحلامها التي تعتقد جازمةً أن مَن يقف أمام تحقيقها هم العرب، ومنذ وقت مبكر – أي قبل الإسلام- اصطدمت هاتان القوميتان مع العرب، في محاولات عدة لإقصاء العنصر العربي وتهميشه، وإبقائه داخل جزيرته العربية، بل وتحميله وِزْرَ الحياة البدوية، وتصنيفه على أنه في طبقة اجتماعية أقل من الفرس واليهود.

أهم صدامَين للعرب المسلمين مع اليهود والفرس حصلا في وقتين متقاربين، لم يتجاوزا عشرة أعوام، ففي العصر النبوي حصل أول تصادم بين القوميتين العربية واليهودية، وبعدها مباشرة أسقط الفُرسان العرب الإمبراطورية الساسانية في معركة القادسية.

لذلك تتقاطع وتتضارب المصالح الإيرانية والإسرائيلية في الإقليم، وتتحرك بناءً على تقدُّم مشاريعهم الإستراتيجية وتأخُّرها، لكنهم يتفقون على كراهية العرب ومحاولة القضاء عليهم، وهم أيضًا يختلفون في بعض الملفات التي تخص نظرتهم التوسعية، لكنهم بلا شك يرون أن  صراعهم مع العرب ضرورة تاريخية تنطلق من عنصرية صفوية تكره العرب، وتنطلق من رغبة مُلِحَّة في القضاء عليهم لاستعادة الإرث الفارسي والإمبراطورية الساسانية، وفي المقابل يحاول الإسرائيليون المعتمدين على الأيديولوجيا الصهيونية إقامة دولتهم الكبرى من الفرات إلى النيل، وإقامة الهيكل في مدينة القدس، والهيمنة على العالم العربي.

ولأن العالم العربي بموقعه الإستراتيجي، ووجوده بين قوميتين عنصريتين لا تقبلان بوجود أي مكون آخر غيرهما؛ أصبح قَدر هذه المنطقة من العالم صراع قاتل لا ينتهي، فإسرائيل الكبرى كما تخطط الصهيونية لفرضها بالقوة على الجغرافيا والتاريخ في العالم العربي، ورد تعبيرها -المزعوم- في السياق التوراتي للإشارة إلى أرض الميعاد، كما ورد في سفر التكوين 15:18-21 أو أرض إسرائيل، وسُمِّيت أيضًا “بأرض إسرائيل الكاملة”، وقد ورد في المحتوى التوراتي “تعريفات جغرافية” لأرض إسرائيل، الأول: في سفر التكوين 15:18-21، ويبدو أنه يعرف الأرض التي منحها الرب لنسل إبراهيم، ومن بينهم إسماعيل، عمران، يفشان، مدين، … إلخ، ويحدِّد هذا النص أراضي ضخمة، “من نهر مصر إلى الفرات”، التي تتألف اليوم من الأراضي الفلسطينية، لبنان، سوريا، الأردن، والعراق.

كذلك الإيرانيون الخُمينيون أو الصفويون يرون أن عليهم مسؤولية تاريخية في استعادة الإمبراطورية الفارسية أو إيران الكبرى على حساب العرب، وهي حسب التعريف المناطق التي تأثرت إلى حد كبير بالثقافة الإيرانية، وهو يطابق تقريبًا ما يسميه الجغرافيون “الهضبة الإيرانية”، التي تعني حسب المفهوم الصفوي كل الأراضي العليا المحيطة بدولة إيران الحالية، والتي تمتد من القوقاز إلى نهر السند باتجاه العراق ثم الخليج العربي.

صراع الهويات موجَّه ضد العرب فقط

يقول الكاتب صلاح المختار في كتابه “صراع الهويات القومية”: لإخفاء الطبيعة القومية للتوسعية الفارسية أُسقط الشاه القومية الفارسية، ونصب بدلًا عنه الخميني ونظام الملالي، وهو نظام فارسي قومي الجوهر، لكنه أراد التخفي خلف الدين لإبعاد شبهة الدفاع القومي الفارسي، وتضليل بعض العرب والمسلمين.

والكاتب هنا يرى أن سقوط الشاه لم يكن فعلًا عفويًّا، بل مقصودًا من القوى الغربية، خاصةً الأمريكان الذين كانوا حلفاء الشاه، لكنهم تخلوا عنه لتنفيذ أجندات الغرب بطريقة مختلفة، خاصة وأن الشاه لم يكن يحمل أيديولوجية إسلامية يختفي وراءها في محيط يقتات على تلك الأيديولوجيا، لذلك فشل في تسويق عنصريته الفارسية، وكان من الضروري استبدالها بعنصرية ذات غلاف ديني طائفي، وهو ما نجحت فيه إيران الخمينية.

بينما يشير الكاتب علي حسين باكير بعد استعراضه لكتاب “التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران وواشنطن”، وهو كتاب يبحث في أسرار العلاقة بين ثلاثة أطراف تُظهر العداء فيما بينها، بينما الحقيقة أنها تتخادم في ملفات عدة، حيث يعرض المعلومات الدقيقة لطبيعة العلاقات والاتصالات التي تجري بين هذه البلدان (إسرائيل- إيران – أمريكا) خلف الكواليس، شارحًا الآليات وطرق الاتصال والتواصل فيما بينهم في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات والخطابات والسجالات الإعلامية الشعبوية والموجَّهة، ويعالج الكتاب العلاقة الثلاثية بين كل من إسرائيل، إيران وأمريكا ليَنفُذ من خلالها إلى شرح الآلية التي تتواصل من خلالها حكومات الدول الثلاث، وتصل من خلال الصفقات السريّة والتعاملات غير العلنية إلى تحقيق مصالحها على حساب العرب، بالرغم من الخطاب الإعلامي الاستهلاكي للعداء الظاهر فيما بينها.

وعند البحث في أسرار العلاقة بين الصهيونية والصفوية، سواء الحديثة منها أو القديمة، فإن أوجهًا كثيرة يمكن فرزها وتبيانها يكشفها الدكتور خالد الشنتوت في كتابه “خطر الصفوية على بلاد الشام”، الذي يقول: “ثمّة فروق حقيقية، ومَشابِه حقيقية، بين الدولتين الصفوية والصهيونية، تضع المراقبَ لكل منهما، الخبير بحقيقة كل منهما، بين الرغبة في المقارنة من منطلق عقلي مشوب بالحذر، واستبعاد هذه الرغبة من منطلق عاطفي مشوب بالتوجُّس، إلَّا أن الإحساس بالمسؤولية إزاء وعي الأمّة، الديني والسياسي والتاريخي.. يدفع الباحث إلى المقارنة، دفعًا لا قِبَل له بمقاومته”.

الواقع السياسي في الشرق الأوسط يؤكد التحالف العملي بين إيران والصهيونية.

ويبقى السؤال المؤرِّق الذي يمكن رصد نتائجه على الواقع العراقي واليمني والسوري والفلسطيني: أيُّ المشروعات الثلاثة أخطر؛ المشروع الصفوي الفارسي، أم المشروع الصهيوني، أم تَحالف المشروعين معًا، واتّفاقهما على اقتسام الهيمنة والنفوذ على الأمتين العربية والإسلامية، وتمزيقهما بين الدولتين؟ بلا شك إنها جميعًا خطيرة، فهي تتفق على عداء المحيط العربي بالرغم من اختلافهم في بعض الملفات.

  1. خالد الشنتوت، خطر الصفوية على بلاد الشام، كتاب منشور على موقع خالد الشنتوت (2013).

 

  1. صلاح المختار، صراع الهويات القومية (لندن: كتب، 2020).

 

  1. علي باكير، التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران وواشنطن، المكتبة الشاملة (2008).
تشغيل الفيديو

سعيًا لتفكيك البُنى العِرقية وضرب السيادة الوطنية

عداء العرب أساس التحالف الفارسي الغربي

عبر التاريخ كان الفرس دائمًا طرفًا في حملة الاستهدافات العدائية ضد العرب، ودائمًا بالارتكان إلى التاريخ نجد أن الفرس لم يواجهوا العرب مواجهة مباشرة، إلا فيما ندر، وهذا المعطى يمكن إثباته من خلال حملات سابور الأول والثاني، وأيضًا بالرجوع إلى قصة البرامكة مع هارون الرشيد، وكذا مؤامرات بن العلقمي ضد الدولة العباسية لفائدة التتار، ووصولًا إلى تواطؤ الفرس مع الغرب لاحتلال عاصمة الخلافة العباسية في التاريخ الحديث والمعاصر، من أجل ترتيب خارطة سياسية جديدة.

لقد كان الفرس دائمًا في قلب المؤامرات على الدول العربية، وهو ما يدفعنا إلى البحث للوقوف على خلفيات هذا التحالف وأهدافه ووسائله، وبالتالي استيعاب الدرس التاريخي الذي يفرض إعادة توحيد الجبهة العربية، وفق محددات تقطع مع التاريخ، وتنظر إلى مستقبل الشعوب التي لا تتحمَّل وزر وأخطاء من سبقوها أو حكموها.

إن إسقاط مُلك الإمبراطورية الساسانية على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتحرير فلسطين من أيدي المسيحيين، شكَّل قاعدة التحالف الموضوعي بين الفرس والغرب، بهدف تركيع العرب وتفكيك كياناتهم تحت محدِّدات دينية أو لغوية أو عرقية، ووفق هذا التوجه قدَّمت إيران نفسها للغرب على أنها النقيض الوجودي للعرب، ولذلك “كلما علا نجم إيران سيكون ذلك على حساب العالم العربي والإسلامي، ولا يعلو نجمها إلا بالتحالف مع الصليبيين ضد المسلمين”.

في هذا السياق مخطئ مَن يظن أن هناك عداءً صريحًا للغرب تجاه إيران، ومخطئ من يقول بأن أمريكا تريد قصَّ أجنحة الملالي، ولعل الرجوع إلى المراجع المُوجّهة للسياسة الخارجية الأمريكية وإستراتيجيتها في المنطقة تقطع بأن واشنطن تُصنِّف إيران في خانة “المحاور الجيوسياسية”، بل ويذهب سبغنيو يرجنسكي إلى أبعد من ذلك عندما يُصِرُّ على ضرورة حماية النظام الإيراني من السقوط بالنظر إلى طبيعة البنية العرقية الهجينة، وكذا وجود مقدمات موضوعية قد تعجِّل بسقوط نظام الملالي.

إن قراءة سريعة للمشهد العربي، خاصة على الساحتين العراقية والسورية، يقطع بأن استئصال شأفة العرب يبقى الهم الأول للغرب والشرق (في معناهما الأيديولوجي)، ولعل المتابع العربي قد لا يستوعب كيف أن روسيا ساهمت في التمكين لإيران في سوريا، فيما تكلَّفَت أمريكا بالتمكين لإيران في العراق، رغم الادعاء بأن مصالح موسكو وواشنطن على طرفَي النقيض.. فهل بدأنا نستشعر أبعاد هذه المؤامرة الخبيثة؟ وهل استوعب الجميع كيف تحالف الفرس والمعسكر الرأسمالي والاشتراكي على نقطة واحدة ووحيدة، وهي: إخضاع العرب باستعمال السكين الإيراني؟

الفرس دومًا على موعد مع المؤامرة ضد العالم العربي.

لقد أظهرت الأحداث المتسارعة في كل من العراق وسوريا أن هناك ترتيبات تتم في البيوت المظلمة، وبعيدًا عن الأضواء الإعلامية والأقلام الصحفية، وذلك من أجل إعادة ترتيب الأوضاع وتقسيم العالم العربي، المؤهَّل أكثر من غيره لرفض أجندات التمزيق والبلقنة، ولن ينسى العالم الغربي أن المكوِّن العربي هو الحاضنة العرقية للدين الإسلامي الذي نزل بينهم وبلسانهم، وبالتالي فهم يمتلكون أحد أقوى الأسلحة.

إن كتابات المنظِّر البروسي كارل فون كلاوزفيتز تجعلنا نكتشف مركز ثقل التحالف الفارسي الأمريكي الروسي، الذي يكمن في الهدف السياسي الأسْمَى الذي يجمع ويضبط العلاقة بين الأطراف، ويدفعها إلى تحالف موضوعي ولو في مستوى من المستويات.

ويمكن القول بأن هذا التحالف الخبيث يعمل على أجْرَأة إستراتيجيته من خلال ثلاثة مداخل أو نظريات أساسية:

النظرية الأولى: نظرية تفكيك البُنى الديمغرافية، وهذه النظرية تُعدُّ الأكثر خطرًا، وهي ذات أسلوبَين؛ الأسلوب الأول: يتمثل بقتل السكان وتخريب بيوتهم فوق رؤوسهم، والأسلوب الثاني: بالتهجير القسري.

النظرية الثانية: نظرية تفكيك الدول ذات السيادة، وذلك بتجزئتها إلى دويلات عرقية ومذهبية، وذلك حسب نظرية هرتزل التي دعا إليها مع نهاية القرن التاسع عشر، التي نشهد بعض إنجازاتها اليوم بقيام الدول ذات الطابع العرقي.

النظرية الثالثة: نظرية القضاء على المرافق الحيوية في الدولة ذات السيادة.

‎وهذه النظريات الثلاث هي التي تُتبنَّى من قِبل أنصار المشروعين، وهي التي تنفَّذ اليوم.

إن بروز دول عربية قوية لها تأثير حاسم في صياغة القرار السياسي الدولي يفرض عليها الدفع في اتجاه توحيد الرؤى، وتبنِّي مقاربة جماعية، الهدف منها الدفاع عن الوجود العربي، كهدف أدنى، ولما لا والاتجاه نحو فضاء عربي قوي يتجاوز الخلافات الهامشية ليؤسس لاستقلالية حقيقية وسيادة واقعية على القرار السياسي العربي.

  1. حسين صالح السبعاوي، “التحالف الفارسي الصليبي عبر التاريخ”، مقالة نُشرت على موقع “راسام” على الرابط https://rasammerkezi.com/estimate-position/7950/

 

  1. زبغنيو برجنسكي، رقعة الشطرنج الكبرى (د.م: مركز الدراسات العسكرية، 1999).

 

  1. عبد العزيز الحاج مصطفى، “المشروعان الصفوي الإيراني والصهيوني الصليبي.. الرؤية والتحليل”، مركز أمية للدراسات والبحوث الإستراتيجية.