الحقد والعنصرية الفارسية متأصلة منذ عصورٍ مبكرة

أحدثت حملة "سابور" تغييرًا في جغرافية السكان العرب في العراق والشام

لم تكن العداوة بين العرب والفرس حديثة العهد، بل قديمة في التاريخ، فبعدما حلّت الأسرة الساسانية محل البارثيين سنة (225م)، سار الساسانيون على نهجهم في التسلط والاعتداء على الحدود الغربية للإمبراطورية، وذلك بعد أن أسس الساسانيون موانئ بحرية ونهرية للتوسع ومد نفوذهم السياسي والتجاري والديني في المنطقة.

أما ملكهم سابور الثاني (310-379م) فقد وصفه المؤرخ اليوناني الذي عاصره أمانيوس ماركلينوس بأنه “ملك فارسي همجي”، خاصةً بعد أن تعامل مع القبائل العربية بالفتك والقتل الوحشي ومهاجمتهم في شرق الجزيرة العربية، نتيجة تمدد قبيلة إياد من سواد العراق إلى جنوبي إيران، تحديدًا منطقة الأحواز العربية المشرفة على الخليج العربي. خاصةً أن القبائل العربية أصبحت سيدة الموقف، ولها السلطة العليا وباتت تهدد الهيمنة الساسانية في فارس نفسها، وهذا ما أثبتته المصادر الكلاسيكية التي أكدت أن العرب كانوا رواد النشاط التجاري البحري، ذلك ما أثر سلبًا على السلطة الساسانية واقتصادها.

فاجأ سابور الثاني قبيلة إياد في سواد العراق بهجومٍ مفاجئ، ولم يفلت من بطشه سوى من هرب إلى أرض الروم. وكان لهذا الهجوم إرهاصات لم يتَنَبَّه إليها عرب إياد، حيث وردهم تحذير من أحد سجناء الفرس من العرب “لُقيط” الذي أرسل لهم قصيدةً شعريةً قال فيها:

لم يشفِ هجوم سابور الثاني على إياد غليله ضد العرب، بل قرر مهاجمتهم في شرق الجزيرة العربية، حيث يُشار إلى أنه هاجم خلقًا وأفشى القتل في هَجر، التي كانت تقطنها تميم وبكر بن وائل وعبدالقيس. وقد بالغت بعض المرويات في أنه توغل غربًا في الجزيرة العربية حتى وصل اليمامة وأحدث فيها مقتلة، إلا أن هذا يتعارض مع حال الجزيرة العربية وقتها، فمن غير المنطقي أن تتجرأ قوى العالم القديم على غزو وسط الجزيرة الذي كان مهلكةً للغزاة.

ومما هو متداول عن حملة سابور الثاني على شرق الجزيرة العربية أنه اتخذ خطة عسكرية خبيثة، طمر فيها المياه وردم الآبار، ليُحدث جدبًا بين العرب ويضيق عليهم، ثم عاد نحو بلاد بكر و تغلب فيما بين مملكة فارس و “مناظر الروم” بأرض الشام، ففعل بها ما فعله بغيرهم، وأحدث تغييرًا في جغرافية سكان المناطق التي هاجمها حيث أسكن من كان من بني تغلب من البحرين دارين، وعبدالقيس وطوائف من بني تميم هَجر، وبكر بن وائل كرمان، وهم الذين يدعون بكر بن أبان، ومن كان من بني حنظلة “الرميلة” من أرض الأحواز.

يصف ابن جرير الطبري حملات سابور الثاني العسكرية بأنها كانت واسعة، شملت أراضٍ بعيدة، بدأت بمن نزل أرض فارس من العرب ممن أناخ على أبرشهر وسواحل أردشير وأسياف فارس، ثم السواحل المقابلة لإيران من بلاد العرب، وهو ما يؤكد أن الحملة تضمّنت تغييرًا ديموغرافيًا للقبائل العربية بالقوة والجبروت والوحشية المطلقة.

وسواء كانت تلك الحملات الوحشية ضد القبائل العربية بهدف إخضاعها، أو إعادة بعضها للنفوذ والسيادة الساسانية من الناحية السياسية أو الدينية، إلا أن الجانب الاقتصادي كان حاضرًا بقوة، لما تميزت به جزيرة العرب من الإشراف على الطرق التجارية البحرية والبرية، باعتبارها ملتقى الطرق التجارية في العالم القديم، وقد ذهبت القبائل العربية ضحية لتلك السياسات القمعية من قبل سابور الثاني، الذي لقبته القبائل العربية باسم (ذي الأكتاف) لوحشية تعامله مع زعماء القبائل العرب المعارضين؛ لأنه كان يخلع أكتافهم  بصورة غير إنسانية، وقيل لأنه يثقب أكتاف الأسرى ويربطهم ببعضهم.

لم يكتف سابور الثاني بملاحقة العرب المتاخمين له بل تشفَّى بقتلهم والتمثيل بهم.

  1. محمد الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبوفضل إبراهيم (القاهرة: دار المعارف، 1968).

 

  1. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط2 (بغداد: جامعة بغداد، 1993).

 

  1. عبد عون الروضان، موسوعة تاريخ العرب، ( عمّان: الأهلية، 2004).

 

  1. محمد بيومي مهران، دراسات في تاريخ العرب القديم (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 2000).

 

  1. منيرة الهمشري، “حملة سابور على شرق الجزيرة العربية: نظرة من خلال المصادر الكلاسيكية والعربية”، مجلة بحوث الشرق الأوسط، جامعة عين شمس، ع. 30 (2012).