التأثير السياسي الفارسي في الخليج العربي

وتحالف نابليوني بائس

في ذروة الحروب النابليونية الاستعمارية قادت مخاوف بريطانيا من غزو فرنسي محتمل للهند عبر بلاد فارس إلى مفاقمة تدخُّلها في الخليج.

وخلال الحروب النابليونية (١٨٠٣-١٨١٥) كانت ممتلكات بريطانيا الاستعمارية في الهند هدفًا مُغريًا لفرنسا، حيث كانت الهند مصدرًا مهمًّا لثروات بريطانيا، وكان لتهديد مُقنَّع أن يَتكفَّل بتحويل اهتمام بريطانيا ومواردها بعيدًا عن النزاع في أوروبا، ولذلك سعى نابليون إلى غزو الهند عبر بلاد فارس، وتُميط سجلات مكتب الهند اللثام عن رد بريطانيا، الذي جرَّها إلى المزيد من التدخل في كل من بلاد فارس والخليج.

فكَّر نابليون بمهاجمة الهند في وقت مبكر يرقى إلى عام ١٧٩٨م، في نفس الوقت الذي كان قد غزا فيه مصر وسورية، وحاول تشكيل تحالف مع سلطان ميسور، السلطان تيبو، ضد البريطانيين. وفي عام ١٨٠٥م سنحت فرصة أخرى عندما سعى شاه بلاد فارس، فتح علي شاه قاجار، لطلب مساعدة عسكرية وتحالف لمواجهة الإمبراطورية الروسية.

وفي خضم تلك الأحداث التمس الشاه المساعدة البريطانية والفرنسية، وذلك استغلالًا لقوات دولتين تتنافسان على الوجود في منطقة الخليج العربي، وفي أعقاب غزو روسيا للمقاطعات القوقازية التابعة لبلاد فارس عام ١٨٠٤م، وحرصًا منه على اغتنام الفرصة، أرسل نابليون مبعوثين اثنين عام ١٨٠٥م، راقبهما البريطانيون بحذر، وتتضمَّن مذكرات مقيمية بوشهر للعامين ١٨٠٦-١٨٠٧م عددًا من التقارير عن وصول أحد المبعوثين، بيير أميدي جوبير، إلى طهران في أكتوبر ١٨٠٦م.

وتأتي نتيجة الطموح للتحالف الفارسي الفرنسي بأن أُعجب الشاه بانتصارات نابليون في أوروبا، ووافق على إرسال مبعوث له، وعليه اجتمع ميرزا محمد رضا خان قزويني مع نابليون في قصر فينكينشتاين في النمسا، حيث وقَّعَا على معاهدة تحالف في مايو ١٨٠٧، ووافق نابليون على تقديم مساعدة عسكرية ودبلوماسية ضد روسيا، بينما وافق الفرس على قطع العلاقات مع البريطانيين، والسماح للجيش الفرنسي بالزحف عبر بلاد فارس إلى الهند.

أرسل نابليون على الفور حملة عسكرية بقيادة الجنرال كلود-ماثيو دو جاردان، حيث وصلت الحملة إلى طهران في ديسمبر ١٨٠٧، وكان على جاردان تقديم المساعدة العسكرية، وتقييم جدوى غزو الهند عن طريق البر.

وكان التمركز البريطاني في الخليج

وقد أثارت تقارير عن تعميق العلاقات الفرنسية-الفارسية القلقَ في كل من لندن وبومباي؛ إذ كان البريطانيون قد بدأوا بإدراك الأهمية الإستراتيجية للخليج للدفاع عن الهند إبان حملة نابليون السابقة في مصر وسورية، ولتقويض النفوذ الفرنسي في المنطقة أقامت بريطانيا مقيمية بغداد عام ١٧٩٨م، وأرسلت مبعوثين إلى بلاد فارس، مهدي علي خان عام ١٧٩٨م، وجون مالكوم عام ١٨٠٠م، وأسفرت حملة مالكوم، الحملة الأسطورية في بلاد فارس لعظمتها، عن توقيع معاهدة سياسية وتجارية عام ١٨٠١م.

 

وبحلول عام ١٨٠٧ كانت التقارير الاستخباراتية البريطانية تدق ناقوس الخطر عن زحف جيش مؤلَّف من ١٢٠٠٠ جندي، بقيادة الجنرال المخضرم جاك-فرانسوا مينو، باتجاه الهند عبر بلاد فارس، وفي نوفمبر كتب القائم بأعمال المقيم البريطاني في بغداد، جون هايند، إلى المقيم في بوشهر، نيكولاس هانكي سميث، عن الوصول المرتقب لمبعوث الجنرال جاردان إلى طهران، محذرًا من أن “الفرنسيين يحتشدون في بلاد فارس”.

تسارعت الأحداث، وذلك بإرسال حملات عسكرية ضد الفرس، ومنها حملة مالكوم إلى بوشهر في مايو ١٨٠٨م، وبصحبته قوة مرافقة من ٥٠٠ جندي، وهنا قام الفرس باعتقاله بسبب وجود جاردان في طهران، ولأنه كان محبَطًا من التأخير، هدَّد مالكوم باحتلال خارج، أبلغ نيكولاس هانكي سميث المقيم في البصرة، صمويل مانيستي، بأن مالكوم كان قد نوى التقدم نحو خارج، إلا أنه كان ينتظر الأوامر التي تسمح له بالتصرف بصرامةٍ أكبر تجاه الحكومة الفارسية في حال اقتضت الظروف، وستأتي ضربة قاضية ضد المكر الفارسي والفرنسي، حيث شهدت مغادرة جاردان تراجُع آمال نابليون بغزو الهند عن طريق البر، وبحلول شهر مارس كان جونز قد أبرم معاهدة أولية مع بلاد فارس، مُقصيًا بذلك الفرنسيين، وأرست المعاهدة التي تمت المصادقة عليها عام ١٨١٤ الأساسَ لعلاقات أنجلو-فارسية مستمرة ووثيقة.

ونتيجة لتلك الأحداث، ورغم تحالف نابليون مع بلاد فارس وإن كان عابرًا، فقد كانت له تبعات دائمة، حيث إن الأهمية الإستراتيجية للمنطقة دفعت الحكومة البريطانية إلى إخراج فرنسا من بلاد فارس بشكل نهائي، وعزَّز اهتمام حكومة الهند الخفي بتأسيس قاعدة في الخليج.

قد تُستغرب الأحداث وأبطالها، ولكنه تاريخ..