الأستاذ سيس
قاطع طريق حوَّلته شعوبية الفُرس إلى نبي
لم تقف كراهية بعض الفُرس للعرب عند استكثار أن يكون منهم نبي عربي، بل وصل بهم الأمر إلى منافسة العرب في نبيِّهم، فاخترعوا الأنبياء، وأقاموا الثورات، وحارَبوا الدولة الإسلامية، وناصَروا كلَّ مَن ادَّعى النبوة، وهو أمر شجَّع الكثير من المخبولين والمارقين الذين توهَّموا قدرتهم على مقاومة الإسلام من خلال ادِّعاء النبوة؛ لكي يقاوموا النبي العربي، ويحاربوا رسالته، في سبيل استعادة الحلم الفارسي.
المنصور للخراساني: خرجت علينا فقتلناك
لم يمر مقتل أبي مسلم الخراساني سنة 137هـ (754م) على يد الخليفة أبي جعفر المنصور على الفرس المتطرفين هكذا، بل دفعهم ليكونوا أكثر صدامًا وعنفًا مع العباسيين؛ الخلفاء القادمين من أصول عربية.
وتقول الرواية التاريخية أن المنصور لما قتل أبا مسلم الخراساني وقف عليه فقال: رحمك الله أبا مسلم، بايَعتَنا فبايعناك، وعاهدتَنا وعاهَدناك، ووفَّيتَ لنا فوفينا لك، وإنَّا بايعناك على ألا يخرج علينا أحد في هذه الأيام إلّا قتلناه، فخرَجتَ علينا فقتلناك، وحكمنا عليك حُكمَك على نفسك لنا.
الفتيل الذي أشعل حقد الفرس:
لم يترك الفرس المتمردون فرصة تَسنَح لهم للثورة أو شَنِّ الحروب على العباسيين العرب إلا قاموا بها، وفي العام 150هـ (767م)، وبعد سنوات قليلة من استقرار الأمور للعباسيين اندلع تمرُّد فارسي تحت غطاء نبوة “أستاذ سيس” الذي جمع أكثر من ثلاثمائة ألف مقاتل، احتلَّ بهم المدن، وعاث في الأرض فسادًا، ولم تكن مواجهة جيش بمثل تلك الضخامة، ويحركهم الحقد والكراهية تجاه كل ما هو عربي، إلا بالحيلة، واستطاع الخليفة أبو جعفر المنصور إرسال قوات صغيرة اخترقت صفوف الفرس، حتى وصلت لمُدَّعِي النبوة وأسَرَته، ليُقتَل لاحقًا بتهمة الردة وادِّعاء النبوة، وارتكاب جرائم الإفساد والقتل.
يقول كتاب موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي عن «أستاذ سيس» الفارسي الذي ادَّعى النبوة، وقاد حركة تهدف إلى استقلال فارس عن العباسيين: لقد استطاع بجيوشه الضخمة -بسبب إقبال الفرس على الالتحاق بحركته- بَسْطَ نفوذه على مناطق «سجستان» و «هراة» و«كور خراسان» وغيرها، فحشدت له الخلافة العباسية قوات ضخمة بقيادة «خازم بن خزيمة التميمي»، التي استطاعت القضاء على هذه الحركة، وانتهى الأمر بالقبض على مُدَّعي النبوة «أستاذ سيس» وإعدامه.
ويصف ابن الأثير الفارسي سيس بأنه وأتباعه فُسَّاق قاطِعو سبيل، هكذا يشرح لنا التاريخ كيف أن المتمردين الفرس جاءوا من خلفيات غير سوية؛ فمنهم السارق، وقاطع الطريق، جمعهم حقدهم الدفين على العرب، ومحاولة الاستيلاء على أموال الآمنين بالسلب والنهب والتخريب والثورات.
وعن خطورة الاختراق الفارسي للدولة العباسية ينقل كتاب “وجوه منسية” ما ذكره المستشرق الإسكتلندي “ويليم موير” الذي ألَّف ثلاثة كتب عن الخلافة الإسلامية، منها “تاريخ الخلافة الأولى”، أن الخيزرانة زوجة المنصور هي أخت “سيس”، وهو أمر وإن لم يثبت إلا أنه يشير كيف استطاع الفرس التسلُّل عبر النساء والجواري إلى بيوت الخلافة، وانقلبوا عليها كما فعل البرامكة فيما بعد.
اختلاط الشعوبية بادِّعاء النبوة
تُعَدُّ حركة الأستاذ سيس واحدةً من الحركات الشعوبية العنيفة والمتطرفة، التي اتخذت من قتال الخلافة الإسلامية سبيلًا لمناهضة العِرق العربي، تلك الحركة التي اجتاحت الشرق الإسلامي، خاصةً بلاد الفرس، حيث إن مشاعر شعوبية استقرَّت في فارس وعند كثير من الموالي غير العرب، الذين وجدوا في العباسيين متنفسًا لهم، بعدما كان الأمويون عربًا خُلَّصًا.
لقد تحوَّلت الشعوبية من مشاعر حقد ومقاومة للعنصر العربي إلى مشروع انقلابي ضد الدولة العربية نفسها، كانت أبرز مظاهرها إبعاد العرب عن الحكم والولاية والإمارة في الدولة العباسية، ثم منازعتهم في الخلافة والمكانة، حتى وصل بهم الأمر إلى ادِّعاء النبوة ليكونوا متساوين مع العرب؛ إذ أحسوا أن الإنسان العربي يتفوق عليهم بسبب نبيه العربي، وهو أمر لم يُظهره العرب أبدًا، ولم يخرج في أدبياتهم، لكن الكراهية الفارسية لم تستطع قبول أن يظهر من بين العرب “بدو الصحراء- كما كانوا يصفونهم” نبي يحكم أتباعُه العرب نصفَ العالم المعروف آنذاك.
منطلق التنظيمات السرية ضد العالم الإسلامي في التاريخ بلاد فارس
- مجموعة مؤلفين، موسوعة التاريخ الإسلامي (عمَّان: دار أسامة، 2009).
- مجيد الآلوسي، الأحداث المهمة في تأريخ الأمة (عمَّان: دار أمجد، 2015).
- محمد شعبان، وجوه منسية من التاريخ العربي والإسلامي (القاهرة: دار الوردة، 2022).
- فتحي أبو صافي، المشرق الإسلامي بين التبعية والاستقلال (القاهرة: مكتبة سعيد رأفت، 1978).
المُقَنَّع الخرساني 161هـ (778م)
قاد الحركة الثورية المناهضة للدولة العربية والإسلامية في عصر العباسيين
قبل البدء بالحديث عن هذه الحركة السرية التي ظهرت في العصر العباسي الأول لرجل يُدعَى المُقَنَّع الخراساني، الذي ادَّعى النبوة والألوهية، ونشر أفكاره الفاسدة والضالة في بلاد ما وراء النهر، والذي تأثَّر بالحركات السرية في بلاد فارس، عند استعراضنا لشخصية المُقَنَّع الذي نشأ في قرية من قرى مَرْو تسمى ” كازه كيمن دات”، كان يعمل في بداية حياته في غسيل الملابس التي تعرف بالقصارة، ثم اشتغل بالتعلُّم، وحصل على علوم من كل نوع، ولكنه تفوَّق في الشعوذة حتى أصبح مُبرَّزًا فيها، وعلوم أخرى كالطلسمات، وعلم النيرجات، وعُرف عنه في شبابه الذكاء الخارق، وقد سُمِّي بالمُقَنَّع؛ لاتخاذه قناعًا من ذهب، وقيل: بُرقُعًا من حرير لإخفاء قُبح وجهه، ووُصف بأنه كان أصلع وأعور وألكَن – أي لا يُجِيد الحديث بالعربية- قصير دميم الصفات، وزعم أتباعه أن سبب اتخاذه القناع كي يحجب بها الذات الإلهية عن العيون الدَّنِسة غير الجديرة بالنظر إليه.
ادَّعى الألوهية ولم يكتفِ بادِّعاء النبوَّة إيغالًا في محاولة الكفر بكل ما هو إسلامي عربي.
برزت علاقة المُقَنَّع بأبي مسلم الخراساني بدايةً عندما عمل عنده كقائد من قواد خراسان المشهورين، ثم صار بعدها وزيرًا لعبد الجبار الأزدي، وبعد ذلك ادَّعى النبوة.
ولعل ما حدث بعد مقتل أبي مسلم من احتضان الثوار الفرس لشخصيات كالمُقَنَّع وسنباذ وأستاذ سيس، هو ما يؤكد عنصرية أبي مسلم الفارسية؛ لذا ثار الفرس لهذه النزعة العنصرية التي كانت مترسِّبة في نفوسهم، بل إنهم كانوا يَعُدُّون أبا مسلم أفضل شخصية فارسية منذ مقتل يزدجر آخر ملوك الساسانيين.
ومما لا شك فيه أن الدافع الرئيس لظهور حركة المُقَنَّع سنة 161هـ/778م هو كراهية الفرس بوجهٍ خاص للسلطان العربي والإسلام، فأهدافها من الناحية السياسية والدينية، ونستطيع أن نقول: حركة المُقَنَّع كانت من الناحية السياسية استمرارًا لحركتَي سنباذ والراوندية، وذلك من خلال التركيز على شخصية أبي مسلم الخراساني، وقد وصلت شدة التركيز إلى حد الوصول بالزعيم الخراساني إلى مرتبة الألوهية، وما واكَبَ ذلك من فكرة التناسخ وهدم أركان الدين الإسلامي وإحياء تعاليم مزدك، كل هذا تأكيد على أن دعوة المُقَنَّع كانت خروجًا صريحًا على الدين الإسلامي، وهو نفس الاتجاه الذي سار فيه من قبل كلٌّ من سنباذ والراوندية، أما تفضيل المُقَنَّع لأبي مسلم على النبي صلى وسلم عليه؛ فإنه يحمل في طياته دعوة إلى إحياء العنصرية الفارسية ممثَّلة بالزعيم أبي مسلم الخراساني، وكذلك إحياء للعقائد الباطنية والمزدكية الملحدة، وفكرة تناسخ الأرواح وإحياء الأفكار الضالَّة، التي كان يزخر بها المجتمع الفارسي القديم.
ومن ذلك أن المُقَنَّع قد زعم لأتباعه أنه الإله، حيث قال لهم: “إن الله خلق آدم، فتحوَّل في صورته، ثم في صورة نوح، حتى وصل إلى أبي مسلم الخراساني، ثم تحوَّل إليه أي المُقَنَّع”، فكان يرسل برسائله إلى الناس يدعوهم إلى خُبث معتقَدِه وفكره الشاذ بهذا النص، حيث يقول فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم من هاشم بن حكيم سيد السادات إلى فلان بن فلان، الحمد الله الذي لا إله إلا هو، إله آدم ونوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد وأبي مسلم، ثم إن للمُقَنَّع القدرة والسلطان والعزة والبرهان، اتبِعوني، واعلموا أن المُلك لي، ولي العزة والربوبية، ولا إله غيري، وكل مَن تَبِعني له الجنة، وكل ما لا يتبعني له النار”.
ومن ضلاله البهيم أنه أسقط عن أتباعه الصلاة والصيام والاغتسال من الجنابة، وسائر العبادات كالزكاة والحج، بل أباح لهم المحرمات، كالزنا والسرقة والخمر، وتحليل المرأة لكل رجل، حتى أباح تعاليم مزدك، واكتفى من الناس بأن يسجدوا له أينما كانوا، فقد كان أتباعه يسجدون له من دون الله، فالذي يظهر من تلك التعاليم والمعتقدات التي نبعت من الفكر المتعنصر للفرس ضد العرب والمسلمين هدفها حرف أتباعه عن جادة الحق، وكَسْبُهم من خلال تحليل الحرام، واللعب على العواطف والمشاعر لتحقيق أكثر قَدْر ممكن من الأتباع، لتتحوَّل فيما بعد من حركة دينية إلى حركة سياسية مناهضة للدولة الإسلامية.
- زاهية قدورة، الشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول (بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1979).
- عبد العزيز سالم، دراسات في تاريخ العرب العصر العباسي الأول (الإسكندرية: مؤسسة شباب الجامعة، 1993).
- علي العمرو، أثر الفرس السياسي في العصر العباسي الأول (القاهرة: مطابع الدجوي، 1979).
- محمد الملحم، “حركة المُقَنَّع الخراساني.. فكرها ونشاطها السياسي والعسكري 161-169ه”، مجلة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عدد 28، الرياض (1420ه).
حركة بابك الخرمي 201هـ (816م)
التعبير الشعوبي العسكري ضد الدولة العربية
ساند الفرس الدعوة العباسية نكايةً بالدولة الأموية، هذه الدولة التي قامت على أكتاف العرب؛ حيث كان الفرس بعد الفتح العربي مجرد “موالي” للعرب، وبعد تأسيس الدولة العباسية ظنَّ الفرس أن الفرصة قد حانت لتحقيق حلمهم بأن تصبح الدولة العباسية “فارسية في مظهرها وجوهرها، وفي سلطتها ولغتها ودينها”، لكن الدولة العباسية أدركت ذلك الأمر وواجهته بشدة، وأدَّى ذلك إلى غضب الفرس على العباسيين، لا سيما بعد القضاء على أبي مسلم الخراساني والبرامكة.
من هنا عملت تيارات عديدة من الفرس على إحياء ديانتهم القديمة، والعمل على انتشارها في المجتمع الإسلامي لتقويضه من الداخل، وهو الاتجاه الذي أطلقت عليه المصادر الإسلامية مصطلح “الزندقة”.
وفي البدايات كانت الزندقة مجرد حركة دينية وفكرية لإحياء ديانات الفرس القديمة، لكنها بعد ذلك دخلت في مرحلة أخرى عندما تحوَّلت إلى حركات عسكرية مناوئة للدولة العباسية، والعنصر العربي بوجهٍ عام.
ومن أخطر هذه الحركات: حركة بابك الخرمي، التي يشير البعض إلى مدى خطورتها وتأثيرها السلبي: “لها آثار جسيمة في كيان الخلافة العباسية، حيث زعزعت ذلك الطود الشامخ ونخَرَته، فتركته خاويًا عاجزًا عن أن يقف على قدمَيه، أو يستعيد ما كان له من سابق عز وهيبة وجلال وسلطان”.
الخرمية أخطر الحركات الفارسية التي انتهجت الزندقة الفكرية محاربةً للدولة العربية.
وتعود الخرمية في جذورها إلى المزدكية، وهي إحدى عقائد الفرس القديمة، وهي حركة لها طابع فوضوي إلى حدٍّ كبير؛ إذ تنادي بتجاوز المحرمات، وأن الإنسان خُلِق ليتمتع باللذة دون حساب، سواء في الأكل والشراب والاختلاط الجنسي، ورفض استبداد الحكومات.
واختلفت الخرمية على عهد بابك الخرمي، الذي خرج على الدولة العباسية في أواخر عصر الخليفة المأمون وبدايات عهد المعتصم؛ إذ ارتد بابك عن الإسلام، وأعلن أنه إله، ونادى في أتباعه بالطاعة، واستحدث بابك في حركته جواز القتل والسلب، وهو ما لم يكن في الخرمية القديمة على عهد مزدك، وبهذا استطاع بابك حشد وتعبئة أتباعه لمحاربة الدولة العباسية.
وهناك روايات كثيرة حول السلوك اللاأخلاقي لبابك، وكيف ارتبط بعلاقة جنسية مع زوجة سيده، وبعد وفاة سيده أعلنت هذه المرأة أن زوجها قُبَيل وفاته قال لها: “إني أموت في ليلتي هذه، وإن روحي تخرج من جسدي وتدخل بدن هذا الغلام خادمي -بابك الخرمي- وقد رأيت أن أُمَلِّكه على أصحابي، فإذا مت فأعلِمِيهم ذلك”، وسرعان ما تزوج بابك أرملة سيده، وأصبح الزعيم الأوحد للخرمية، التي عُرفت بالبابكية نسبةً إليه.
ويرى البعض أن هذه الرواية موضوعة من جانب أعداء بابك الخرمي، وإن كانت في حقيقة الأمر تتماشى مع تقاليد الخرمية، ومع طبائع بابك الخرمي، وسواء قَبِلنا هذه الرواية أو لم نقبلها، فإن بابك الخرمي بعد هذه الحادثة لمع نجمه، وزاد أتباعه، وأصبح يُشكِّل خطرًا جسيمًا بالنسبة للسلطة المركزية للدولة العباسية.
تحصَّن بابك الخرمي في المنطقة الواقعة بين أذربيجان وأران في شمال بلاد الفرس ببداية ثورته سنة 201هـ/816م، وكانت قاعدته بلدة يُطلَق عليها “البذ”، وهي بلدة يمر بها نهر الرس العظيم، وكان من الصعب على أي قوة عسكرية مواجهة بابك الخرمي، ليس فقط لقوته وسيطرته المطلقة على أتباعه، ولكن لوعورة المناطق التي تحصَّن فيها، سواء للثلوج والبرد القارس في الشتاء، أو في صعوده إلى الجبال ثم الانقضاض على أعدائه.
وبالفعل فشلت كل الحملات العسكرية التي أرسلها الخليفة المأمون في القضاء على حركة بابك، التي استفحل خطرها على الدولة العباسية، ولا أدَلَّ على عِظَم هذا الخطر من وصية المأمون قبل وفاته للمعتصم، وحَثِّه على ضرورة التصدي لبابك: “والخرمية فأَغْزِهِم ذا حزامة وصرامة وجَلَد، واكنفه بالأموال والسلاح والجنود من الفرسان والرجال، فإن طالت مدتهم فتجرَّد لهم بمن معك من أنصارك وأوليائك، واعمل في ذلك عملًا مقدِّمًا النيةَ فيه راجيًا ثواب الله عليه”.
وبالفعل جهَّز المعتصم العدة لمواجهة خطر بابك الخرمي، وأعَدَّ حملة عسكرية كبرى، وضع على رأسها أمهر قادته وهو الأفشين، وبالفعل استطاع الأفشين تحصين القلاع التي دمَّرها بابك من قبل، ودارت العديد من المعارك بين الجانبَين، إلى أن استطاع الأفشين في نهاية الأمر حصار البذ، قاعدة بابك الخرمي، ونجح في اقتحامها، وتم إلقاء القبض على بابك، وأُرسل إلى الخليفة المعتصم في سامراء، حيث تم إعدامه وصلبه سنة 222هـ/837م على مرأى من الجميع؛ ليكون عبرة لمن يخرج على الخلافة العباسية.
هكذا تم القضاء على البابكية التي يراها البعض “أخطر حركة من حركات الزندقة، وهي التي قادت تيارات الشعوبية، مما هدَّد وحدة المجتمع العباسي”، وبالفعل تعتبر هذه الحركة من الحركات الشعوبية الخطيرة، ليس فقط لطابعها العسكري، ولكن لخروجها على وحدة العالم الإسلامي، ومحاولتها التحالف مع أعداء الخلافة الإسلامية، لا سيما الدولة البيزنطية، بل قيل إنه بعد إعدام بابك هرب بعض جنوده ودخلوا في خدمة الدولة البيزنطية.
وعلى الرغم من نجاح الدولة العباسية في القضاء على فتنة بابك الخرمي، إلا أن هذه الحركة أنهكت الدولة العباسية، مما كان له تداعيات على بنيان الدولة المركزية، ويشير البعض إلى أنه بعد فتنة البابكية “تجرَّأ الغلمان الأتراك على الخلفاء أنفسهم فيما بعد، وكان نشوء واستقلال الإمارات الإقطاعية في الأطراف هو أسلوب تطور الإقطاع ونمو اللامركزية نتيجة فقدان هيبة الخلافة، وضعف السلطة المركزية”.
هكذا كانت حركة بابك الخرمي من الناحية السياسية معول هدم في بنيان الدولة العباسية، وأيضًا من الناحية العنصرية؛ تعبيرًا أو تنفيسًا عن الكراهية التي كانت تمتلئ بها نفوس أقوام من الفرس ضد العرب.
- حسين العزيز: البابكية، رسالة دكتوراه، جامعة موسكو، منشورات بغداد (1966).
- حسين المصري، صلات بين العرب والفرس والترك، دراسة تاريخية أدبية (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2001).
- محمد الخضـري، محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية: الدولة العباسية (بيروت: دار القلم، 1986).
- محمد شعبان، الدولة العباسية (بيروت: الأهلية، 1981).
- محمد مطر، التحالفات والأمم في حركة بابك الخرمي، كلية الإمام الكاظم للعلوم الإسلامية، (2019).