الفرس.. الحرب على الإنسان العربي
استغرقت 1400 سنة!!
إذا كان هناك من شيء نستطيع التفريق به بين العرب والعجم، فلا شك، أنه النَّفَسُ الطويل في السياسة، والكراهية الممتدة في المشاعر، وهي أمر امتاز به الفرس عن غيرهم من الأمم، طريقة مارسها الفرس في سعيهم الطويل إلى الانتقام من العرب، ولا يزالون يتوارثونها جيلاً بعد جيلٍ، ومع أن الأمر استغرق أكثر من 1400 عام حتى اليوم فلا يزالون يسعون إلى الانتصار على العرب والثأر من معركة القادسية.
ومنذ سقوط المملكة الساسانية -التي حكمها كسرى أنو شروان وأسلافه إثر معركة القادسية- والفرس يعملون جاهدين لاستعادة إمبراطوريةٍ ماتت وانتهت، ولعل أكثر شي قتل تلك الإمبراطورية ليس المعركة العسكرية؛ بل الحروب بين الأمم سجال، انتصار وهزيمة، لكن الإسلام بطبيعته وحجم تفاصيله، يُلغي في طريقه أي حضارة، فالإسلام مهيمن بطبعه، صَلبٌ في مكوناته، مُقْنِعٌ في تفاصيله.
والعَدَاء الفارسي لم يكن للعرب لكونهم عَرَبًا فحسب؛ بل لأنهم حملوا رسالة الإسلام التي هيمنت عليهم وفرضت تعاليمها، ولهذا ناصب بعضٌ منهم العربَ علانيةً، والإسلامَ خُفْية، ثم انتقل الأمر إلى التحالف مع كل من يعادي العرب العداء، منذ الخلافة الأولى وحتى اليوم، فلا تكاد تجد حركة ولا عدوًّا يحارب العرب إلا وتجد الفرس حلفاء لهم.
فهناك ثلاثة محاور عمل بها العجم الفرس، واستخدموها للإطاحة بالخلافة العربية الأموية ثم العباسية، التي وجدو فيهما عدوًّا وخطرًا لابد من إزاحته؛ للعودة إلى عرش كِسرى من جديد.
أولها: الشعوبية العنصرية، التي استطاعوا من خلالها فرض مظلومية غير حقيقية، باتهام العرب بالعنصرية، وتحميلهم ذنب الشعوبية، فصوروها على أنها ردة فعل للإنسان الأعجمي (فارسي. كردي. تركي) على ما أسموها بـ “نظرية الصمت”، وهي نظرية اخترعها الفرس مشيرين إلى أن العرب الفاتحين فرضوا حالة من الصمت على “الفكر والثقافة والحضارة الفارسية” بعدما أدخلوا الإسلام إلى فارس في القرن الإسلامي الأول.
بينما تؤكد الحقيقة أن الحضارة الفارسية كانت آثارا بسيطة مجردة، فلا طرازَ عمرانيٍّ اصيلٌ، ولا أدبٌ يُعْتَدُّ به، ولا فكرٌ ولا فلسفةٌ مثل اليونان والإغريق والفراعنة على سبيل المثال، بينما تؤكد الحقيقة أن العنصريين المتطرفين هم الفرس، وقد وثق ذلك كثير من الأدباء العرب الأوائل وعلى رأسهم الجاحظ.
فالفرس استخدموا تلك المظلومية لابتزاز الإنسان والحاكم العربي لأهداف أبعد من العنصرية لو كانت موجودة، وبقيت الشعوب العربية رهينة لتلك العنصرية حتى اليوم، بل قُلِبَت لتتحول إلى عنصرية تضطهد الشعوب العربية اليوم في العراق واليمن وسوريا ولبنان، تحت قمع الحكم الفارسي البغيض المباشر وغير المباشر.
ثانيها: اختراق الحكام والدولة الإسلامية، والاقتراب منهم، وإغواؤهم وتحقيق رغباتهم، وإسقاطهم في الأفكار المنحرفة والرذائل والشهوات غير السوية، بدا ذلك مبكرًا وتصاعد حتى وصلوا إلى الخليفة العباسي المأمون فاستطاعوا إقناعه بالانقلاب على أخيه الخليفة الأمين، والانقلاب على بعض المفاهيم والعقائد الإسلامية، ولم يكتفوا بذلك بل التفتوا نحو المجتمع العربي الذي أغرقوه في الترف والمعاصي حتى استباحت بعض المجتمعات أكثر المحرمات؛ مما أدى إلى تفكك البنية الاجتماعية ومن بعدها الدولة والخلافة الإسلامية التي تشرذمت وتفكَّكَت وتحطَّمت في خلال عقود بسيطة.
وبعد أن نَصَّب الفرس أنفسهم في الوزارات والجيش ومراكز الحكم، بدأوا بتمكين بعضهم البعض حتى أصبحت المناصب حِكرًا عليهم، وأصبح العربي القادر الكفؤ منبوذًا مُتَّهَمًا.
ثالثها: كان الاستناد على العقيدة الباطنية سِتارًا خَفِيًّا استطاعوا من خلاله تفتيت المجتمع السُّنِّي المسلم الملتف إلى عقيدته ودينه، والذي كان منتشرا وسائدًا في الشام والعراق، لم يكن الاختراق عقائديًّا فحسب، بل تحول مع الزمن إلى فرق دينية متطرفة على رأسها القرامطة وغيرهم، الذين اعتمدوا القتل والعنف والتنكيل وتقسيم البلدان العربية منهجًا، وتفتيت المجتمعات طريقةً، واستباحة الأمن والسلم أسلوبًا.
لم يكن ذلك عبثًا؛ بل من أجل خلق حالة سيولة تُنهي الخلافة والدولة الإسلامية وفي نهاية الأمر تدمير المجتمعات والإسلام نفسه، ولعل حروب القرامطة في البصرة والكوفة والبحرين والشام ومكة المكرمة دليلٌ على حقد تلك الفرقة الباطنية وهمجيتها، وإشارة إلى ما تؤمن به من أفكار وعقائد لا ترى في غيرها إسلامًا، وتحل لنفسها دماءهم وأموالهم ونساءهم.
إن حالة العداء الفارسية للإنسان العربي، حالة فريدة في التاريخ الإنساني، وهي ما دفعتهم -بلا شك- للوصول إلى أقصى درجات التطرف في الحقد والغيرة، ولم يعد العربي هو صاحب الرسالة المحمدية التي دعتهم لاحترامه؛ كون العرب هم أمة النبي محمد صل الله عليه وسلم، بل اعتبروهم عدوًا دائمًا بعدما حَمَّلوهم فاتورة انكسار إمبراطورية ” كسرى”، ومن أجل حلمهم هذا، يعملون لإعادتها بلا كلل؛ لتحطيم العرب وإعادتهم إلى داخل الجزيرة العربية مشتتين مُنهزمين.